بملامح مصرية أصيلة، عرف رجل الاقتصاد الأول ومؤسسه محمد طلعت حرب، الذي أحدث نقلة نوعية في عدة مجالات حيوية. ابن حى الجمالية طاف القرى والمحافظات لاستعادة الدولة المصرية من الاستعمار، بتأسيس أول بنك بأموال مصرية 100% عام 1920 بمبلغ قدره 180 ألف جنيه، ثم توالت إنجازاته ومشروعاته المصرية التي كان أهمها إثراء الحياة الثقافية من خلال مشروعات السينما التسجيلية و"ستديو مصر" وغيرها.
وعلى الرغم من أنه مضى على رحيل طلعت حرب 74عاما، إلا أنه مازال حاضرا كأحد أبرز المؤثرين في حياة المصريين بمشروعاته، والتي لم تقتصر على مجال الاقتصاد فحسب بل امتدت لرعايته وتشجيعه لكل مشروع مصري أيا كان نوعه، ليشتهر بمقولته المعروفة "طول ما أنا عايش مفيش مشروع في مصر يتقفل".
وأسس طلعت حرب "ستديو مصر" أو شركة مصر للتمثيل والسينماعام 1935، وهو أول ستديو برأس مال مصري 100%، وكان أول إنتاجه إعلان عن أحد المنتجات المصرية، وكان ينتج نشرة أخبار أسبوعية عن الأحداث المصرية تُعرض في دور العرض قبل بداية أي فيلم، فيما كان فيلم "وداد" أول فيلم ينتجه ستديو مصر عام 1935 لأم كلثوم.
كما أرسل "ستوديو مصر" البعثات الفنية من إلى أوروبا لتعلم فنون التصوير والإخراج والديكور والماكياج، وكان من ضمن المسافرين أسماء لمعت فيما بعد في مجال السينما، مثل أحمد بدرخان ومحمد عبد العظيم وحسن مراد وغيرهم.
وأكد طلعت حرب على أهمية السينما وحيوية دورها بقوله: "إننا نعمل بقوة اعتقادية وهي أن السينما صرح عصري للتعليم لا غنى لمصر عن استخدامه في إرشاد سواد الناس".
ووضع طلعت حرب، مكانة مصر وصورتها نصب عينيه، فاستطاع أن يعرف العالم بمصر من خلال فنها إذ يرجع إليه الفضل فى تاسيس السينما التسجيلية، عندما عرض على الشابين محمد بيومي ومحمد كريم - وكانا يدرسان الإخراج السينمائي في أوروبا - عرض عليهما حضور تجهيزات افتتاح "بنك مصر" منذ بدايتها إلى إنتهاءها لتوثيق كل هذه التفاصيل في فيلم تسيجلي يُعرض يوم الافتتاح.
وامتدت إسهامات "حرب" لمجال الصحافة أيضا، فعندما تعثر محمد التابعي فى إدارة وتمويل جريدة "آخر ساعة" التي كادت تُغلق بسبب ديونها التي بلغت 300 جنيه، التقى "التابعي" بطلعت حرب وأخبره بأمر الديون ليرد عليه قائلا: "ما صدقنا واحد مصري يعمل صحافة وتنجح، تقوم تقفلها علشان الشوام يقولوا إحنا بس اللى عملنا صحافة في مصر"، فوفر له المبلغ في مقابل أن تتيح له المجلة الإعلان على صفحاتها لمده سنة، وذلك حسبما ذكر الشاعر أحمد فؤاد نجم في حوار له مع قناة دريم الفضائية.
أيضا عندما وقعت كوكب الشرق أم كلثوم في مشكلة بسبب تعاقدها مع شركة أسطوانات أجنبية كبيرة ولم تقدم لها الشركة دعاية تناسب حجمها، ولم يكن لدي أم كلثوم فرصة لفسخ العقد بسب عجزها عن سداد قيمة الشرط الجزائي، شكت أمرها لطلعت حرب الذى وجهها إلى غناء القصائد كلون مخلتلف يمكنها أن تنجح من خلاله دون احتياج لدعاية الشركة، كما تكفل بأن يقدم لها قصائد أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهما، ليصبح طلعت حرب هو السبب في اختيار كوكب الشرق للون الغناء الذي قدمته.
طلعت حرب المولد في الـ25 نوفمبر 1867 ليس رجل اقتصاد فحسب بل كان مفكرا وأديبا ورجل قانون، كما ألف كتب أثرت الحياة الثقافية إلى جانب مشروعاته الكبرى، وقد حصل قلادة النيل العظمى، وتوفى في الـ 13 من أغسطس 1941، عن عمر يناهز الـ73عاما.
تعليقات الفيسبوك