«إنتى مش مذيعة.. إنتى صحفية موهوبة»
سنوات طويلة تبحث عن حلم وهو قريب منها، يداها تملكان تحقيقه، ومع ذلك ضلت الطريق وظلت تبحث عمن يساعدها. فى ليلة عصيبة مرت ساعاتها كسنوات شعرت بضيق شديد فلم تكن تتوقع أن الأدب الانجليزى الذى سعت إلى دراسته فى كلية الآداب سيقودها إلى العمل سكرتيرة فى شركة أجهزة كهربائية.
حاولت أن تخرج من تلك الحالة.. أمسكت بورقة وقلم وحاولت كعادتها تدوين ما مر بها من أحداث فى شكل روائى. كتبت فى الورقة «أنا ليه مش سعيدة»؟ وتركت الإجابة خالية؛ لأنها ببساطة لا تعرفها.
الى متى سيظل الحال على ما هو عليه؟ سألت نفسها، وقبل أن تجيب لاحظت أن نور الصباح بدأ يشق السماء، فلملمت جسدها وحاولت أن تنهض بنشاط بعد ليلة سهر طويلة.
فى العمل تركت لخيالها العنان وظلت تحلم باليوم الذى تصبح فيه صحفية، لم يقطع رنين التليفون المتواصل حبل أفكارها، ظلت تفكر وتفكر حتى انتبهت.
- ألو.
- إيه.. كنت فين كل ده؟
كان على الطرف الثانى المدير العام الذى لاحظ أنها مرتبكة فاستدعاها وتحدث معها.
- أنا مش مستريحة هنا، ممكن أتنقل قسم الترجمة؟
طلب مفاجئ لم تفكر فيه من قبلُ لكنها حاولت من خلاله أن ترضى نفسها فى عمل تحبه، ورغم موافقة المدير على الطلب فإنها لم تمضِ فترة طويلة حتى انتابتها الحالة نفسها فقررت أن تترك العمل فى الشركة نهائيا وجلست فى البيت.
- اتجوزى أحسن وسيبك من الشغل ده خالص.
كلام أمها لم يعجبها وزادها ضيقا فقررت أن تخاطب شقيقها فى الكويت وتطلب منه فرصة عمل.
- قدامى فرصة عمل فى مدرسة إعدادى.. إيه رأيك؟
- مدرسة مدرسة.. موافقة.
كالعادة لم تستمر فى هذا العمل أكثر من عامين، قررت بعده العودة إلى مصر للعمل فى المهنة التى تحبها والتى اعتقدت كثيرا أن الوصول إليها يتطلب واسطة.
إعلان صغير قرأته فى جريدة «الأهرام» يطلب مذيعات للبرنامج الأوروبى، بث فى نفسها الأمل فى احتمال الوصول إلى ما تبغيه.
«صحفية.. مذيعة.. أعتقد الاتنين قريبين من بعض».. هكذا تحدثت إلى نفسها وهى تشعر أن هذه المرة مختلفة.
لم تبعد كثيرا عن الكتابة؛ إذ كانت تكتب بنفسها كل «سكريبتات» برامجها، وهو العمل الذى كان يشعرها براحة نفسية ويحقق لها السعادة التى كانت تحلم بها.
- إنتى صحفية موهوبة مش مذيعة.. عبارة قالها ضيفها الكاتب الكبير محمود السعدنى فاخترقت أذنيها، وكمن يبحث عن الماء فى الصحراء تعلقت بها، وبعد أيام كانت ضمن محررى مجلة «صباح الخير».
كانت أول صحفية تعمل فى قسم الإسلام السياسى، جادلت التيارات الإسلامية المتشددة فى فترة السبعينات كثيرا.. دافعت عن حق المرأة وحملت على عاتقها تحريرها من الأفكار الرجعية.
سنوات طويلة من النضال فى بلاط صاحبة الجلالة فأصبحت أصغر رئيس تحرير فى مصر فى ذلك الوقت.
هى الكاتبة الصحفية إقبال بركة.