أستاذ العلوم السياسية: إسرائيل تُنفّذ خطتى «تايفن وعوز» لتطوير قدرات جيش الاحتلال والتعامل مع الجبهتين المصرية والأردنية
طارق فهمى
كشف الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، النقاب عن وجود دعوات داخل إسرائيل تطالب بتحويل بعض الموارد المالية المخصّصة للتعليم والصحة لصالح الجيش الإسرائيلى، خصوصاً لتطوير القوات البرية والبحرية. وقال «فهمى» فى حوار لـ«الوطن»، إن موضوع إغلاق أو فتح السفارة الإسرائيلية بالقاهرة موضوع شكلى، ولا يمثل مشكلة لإسرائيل، مضيفاً أن ما يهمنا كمصريين تجاه غزة، هو فتح معبر رفح وتأمينه وفقاً لاتفاق مشترك، وتقديم تسهيلات لحركة حماس، وإعادة تقديم الحركة لنفسها مرة أخرى للرأى العام العربى والمصرى بعد سلسلة اتهامات موجّهة إليها بالإرهاب.. وإلى نص الحوار:
طارق فهمى لـ«الوطن»: دعوات فى «تل أبيب» تطالب بتحويل موارد الصحة والتعليم لصالح القوات البرية والبحرية
بداية.. هناك نشاط عسكرى إسرائيلى بالقرب من الحدود المصرية انتهى بافتتاح قاعدة جديدة.. ما تعليقك؟
- الإجراءات التى اتخذتها إسرائيل خلال الـ6 أشهر الأخيرة غير مسبوقة فى تأمين الحدود الاستراتيجية، سواء كانت مع مصر أو مع قطاع غزة، أو مع الأردن وداخل الجولان المحتل أيضاً، فعلى الأربعة مسارات الرئيسية للحدود الإسرائيلية تتحرك إسرائيل بصورة فيها نوع من التكتيك السياسى والاستراتيجى.
وما دلالة التوقيت فى هذا التحرك السياسى والاستراتيجى؟
- دلالة التوقيت هنا فى تقديرى، أن هذه الإجراءات المعلنة، التى لم تنكرها إسرائيل، بل على العكس أعلنتها بشكل به نقل رسائل فى كل الجهات، يوضح أن هناك وجهتى نظر فى إسرائيل واستراتيجيات تقول إنه آن الأوان لإسرائيل أن تُجرى من جانب واحد إجراءات أمنية خاصة بأمنها القومى أولاً وأخيراً، دون أى حساب لاعتبارات أمنية أو استراتيجية أخرى، على أن يكون هذا على 4 مسارات، هى الجبهات المختلفة من مصر إلى سوريا إلى الأردن إلى جنوب لبنان، أى كل الحدود المتلامسة معها، أما الرأى الآخر فهو أن إسرائيل تكتفى بالقيام برد فعل لبعض السياسات، خصوصاً أن هناك اتفاقيات سلام مستقرة وآمنة مع جبهتين، وهما الجبهة المصرية والجبهة الأردنية.
وماذا ترجّح فى كلا الرأيين، الأول أم الثانى؟
- إن الرأى الأرجح هو الأول، حيث تم البدء فى اتخاذ إجراءات استراتيجية واحترازية واستباقية للتعامل مع المهدّدات المقبلة للأمن القومى الإسرائيلى، فهناك كتائب على الحدود المصرية - الإسرائيلية عددها 4 كتائب، وإسرائيل بطبيعة الحال خلال الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة قامت بتشكيلها، وكان ذلك بعد ثورة يناير الأولى فى مصر بهدف تأمين مناطق الحدود، وجزء من ذلك جاء من تخوف مد التنظيمات الإرهابية، وجزء آخر لما يجرى فى شبه جزيرة سيناء، وجزء ثالث تجاه ما يجرى فى قطاع غزة، لكن فى الفترة الأخيرة بدأت إسرائيل تتّخذ خطوات بهدف إنشاء وجود عسكرى مقيم بصورة دائمة فى مناطق الحدود، وبالفعل سبقت هذه الخطوة الأخيرة خطط استراتيجية بعض منها معلن، وبعضها الآخر غير معلن.
قادة إسرائيل يرون أن مصر تنفذ خططاً لتطوير قدرات جيشها بشكل مفزع ومخيف لـ«تل أبيب».. ويعتقدون أنه لا ضمان لـ«السلام» معها على المدى الطويل
وما تلك الخطط الإسرائيلية؟
- المعلن هو ما عُرف بخطة «تايفن» لتطوير وتحديث الجيش الإسرائيلى، وتحويله من جيش كمّى إلى جيش كيفى يعتمد على وحدات ذكية وتكنولوجية، ويستخدم أحدث الأجهزة التكنولوجية فى العالم، الأمر الثانى وهذا هو الأهم، هو التعامل مع الجبهتين المصرية والأردنية بصورة مباشرة، وهناك خطة شهيرة اسمها خطة «عوز» لتحديث وتطوير الجيش الإسرائيلى، فيها جزء كامل عن التعامل مع الجبهة المصرية، والمهدّدات والتحديات التى تواجه إسرائيل من هذه الجبهة، وفى هذا الإطار يأتى تحديث الخطة العسكرية الاستراتيجية.
خطة «عوز» إحدى أهم الخطط لكيفية رؤية إسرائيل لمهددات الجبهة المصرية والجبهات الأخرى، لكن تبقى مصر الخطر الأكبر كما يرون، هناك عدد كبير من شباب جيش الاحتلال الإسرائيلى فى آخر اجتماعين لمؤتمر هرتسيليا الذى يُعقد سنوياً فى إسرائيل ويرصد حجم المخاطر والتهديدات، يرون أن هذه الجبهات غير آمنة وغير مستقرة، وأن التهديدات المقبلة من سيناء وغيرها تتطلب إجراءات أمنية واستراتيجية. فهم يعلمون أن السلام مع مصر آمن ومستقر، لكنهم يرون أنه لا ضمان لهذا على المدى الطويل، خصوصاً مع تحديث الجيش المصرى بأحدث المعدات، وتطويره وإقامة مناورات عسكرية واستراتيجية.
إن الجيش المصرى أصبح جيشاً مهنياً، وجيشاً تدريبياً يقوم بتدريب جيوش أخرى فى المنطقة، وكذلك هو جيش مصنّف وفق تقرير موقع «جلوبال فاير باور» المتخصص فى الشئون العسكرية، وتصنيف «ريندر» فى لندن، وتقرير معهد أبحاث السلام الدولى فى استوكهولم (سيبرى)، وتصنيف «آى إن إس إس»، فالأربعة تقارير الاستراتيجية يتصدر فيها الجيش المصرى مكانة متقدمة للغاية فى ظل وجود جيوش كبيرة فى المنطقة، مثل الجيش الإيرانى والجيش التركى، ورغم ذلك احتل مكانة كبيرة. فمع تزايد التسليح المصرى فى القدرات البحرية تحديداً، وبناء الأسطول المصرى الجنوبى، والإعلان عن بناء القاعدة العسكرية فى الشمال، التى تُعرف بقاعدة «محمد نجيب»، تتحدث إسرائيل عن ضرورة أن تكون هناك إجراءات احترازية، وأن السلام الآمن والمستقر مع مصر لا يعنى أن المصريين لا يستعدون لأى مواجهات عسكرية، خصوصاً مع حجم التطوير العسكرى هذا يرون أن هناك تهديدات، فمصر تواجه الإرهاب وتتعامل معه، ولكن فى نفس التوقيت تطوير الجيش المصرى بهذه الصورة مخيف ومفزع ومقلق لإسرائيل، وليس عليها أن تستعد بإقامة قاعدة عسكرية على الحدود أو بإجراءات أمنية واستراتيجية على حدود قطاع غزة أو بناء سور وقائى على الحدود مع مصر والذى تم الإعلان عنه، ومع الأردن ومع الجولان، وإنما أيضاً القيام بإجراءات احترازية طويلة المدى بهدف تأمين إسرائيل لحدودها من أى تداعيات إقليمية مقبلة فى الطريق.
هناك اتفاق جمعى فى إسرائيل بأن الخطر الأكبر ليس التنظيمات الإرهابية، أو التنظيمات السلفية، أو الخطر المقبل من سيناء، لكن من دول كبيرة، صحيح أن هناك سلاماً مع مصر، والوضع مستقر والسلام آمن، وهذا السلام يعطى دلالات كبيرة، لكن فى الوقت نفسه يرون أن السلام الآمن والمستقر يحتاج إلى مراجعات من آن إلى آخر، خصوصاً أن المصريين فرضوا واقعاً فى المنطقة الحدودية «جيم»، وأصبح هناك وجود مصرى فى هذه المنطقة، المصنّفة وفقاً لمعاهدة «كامب ديفيد»، ورغم أن بعض الإسرائيليين يقولون إن هناك لقاءات دورية تجرى مع المصريين فى بئر سبع والعريش بمقتضى معاهدة السلام، وأن المعاهدة آمنة ومستقرة، ولا أحد يطالب بتغيير بنودها، لكن المصريين فرضوا حقائق واقعية على الأرض، نتيجة لعدة أمور أولها حجم التسليح الكبير الذى يتم ويؤكد أن كل هذا ينقل رسائل إلى كل الاتجاهات، وشىء آخر وهو الأخطر، أنه لا يزال قطاع كبير من المصريين يرون أن إسرائيل هى الخطر الأكبر، وأنها العدو الرئيسى وليس الإرهاب، وأنه طالما استمرت إسرائيل تحتل الأراضى ستظل متهمة أمام قطاعات عريضة من الرأى العام فى مصر بأنها دولة احتلال ودولة اغتصاب.
العلاقات بين مصر وحماس تتحسن بدليل التغييرات الجديدة لقادة الحركة وإصدار وثيقة سياسية للتعامل مع المتغيرات
هم يؤكدون أن مصر لا تستعد للمواجهة العسكرية، لكن لتطوير قدراتها وإمكانياتها، وأنهم الآن أمام جيش محترف وجيش مهنى وجيش كبير مصنّف، فذلك يتطلب من إسرائيل تحديث قوات جيشها والتركيز على القوات البرية، لأنها تعانى من مشكلات كثيرة، وتحديث منظومتها البحرية فى هذا الإطار، لأنه لا مقارنة بين القوات البحرية الإسرائيلية والمصرية، وبناءً عليه يجب أن تكون هناك خطة تحديث للجيش وتحويله إلى جيش ذكى بالاهتمام بالأساليب التكنولوجية والديموغرافية، عن طريق إقرار موازنة جديدة وتحويل بعض الموارد من الصحة والتعليم، لأن هناك مخاطر على أمن إسرائيل.
وكيف تنظر إسرائيل إلى الأردن باعتبارها خطراً على أمنها؟
- بالنسبة إلى الأردن، يرون أن هناك خطراً كبيراً من جانبها، فرغم أن هناك معاهدة مستقرة معها، إلا أنهم اليوم يطالبون بوجود عسكرى واستراتيجى فى منطقة اسمها «أغوار الأردن»، وأن الأوضاع فى الأردن غير مستقرة وغير آمنة تماماً، ويضربون مثالاً باتفاقية الغاز التى تم إبرامها وتوقيعها بين الطرفين، لكن لم يجرؤ عاهل الأردن على تحديثها وعلى تمريرها فى ظل التظاهرات الشعبية الكبيرة، وأيضاً فى ظل عودة الإخوان المسلمين إلى السلطة بالبلاد بعد الانتخابات البلدية التى تم إجراؤها خلال الفترة الأخيرة، معتبرين وجودهم فى مجلس النواب يمثل خطراً كبيراً على إسرائيل فى الفترة المقبلة، ويمكن أن يؤدى إلى إلغاء المعاهدة بين البلدين.
وماذا عن سوريا والجولان المحتل؟
- مع سوريا، يرى الإسرائيليون أن أى ترتيبات أمنية فى جنوب سوريا يجب أن تؤمن مصالح إسرائيل ويدخل فى هذا التوصل إلى ترتيبات أمنية واستراتيجية بين الطرفين، ومع روسيا وأمريكا فى نفس التوقيت، وأن أى هدنة فى الفترة المقبلة ستكون مرتبطة بأمن إسرائيل، ويرون أن حسابات القوى الشاملة يجب أن تتّزن فى الفترة المقبلة، سواء من ناحية مصر أو من ناحية الأردن، باعتبارهما البلدين صاحبى معاهدة السلام مع إسرائيل، أو مع سيناريوهات المواجهة المقبلة، ويرون أن المواجهة المقبلة قد تكون أولاً مع «حزب الله» ثم مع حركة «حماس» الفلسطينية، على اعتبار أن هناك مصالح لإبقاء الأوضاع فى قطاع غزة كما هى، واثقين أن مصر تُرتب الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة بصورة جيّدة، لكنهم لا يأمنون من أى ردود فعل قد تكون وخيمة فى الفترة المقبلة.
مجهودات السعى للمصالحة الفلسطينية هذه المرة برعاية القاهرة لها لون آخر فى ظل تحسُّن العلاقات بين «حماس» ومصر.. لماذا؟
- هناك مناخ جديد يتشكل بين مصر والحركة الفلسطينية، ليس اليوم، لكن منذ فترة، يمكن أن تكون سنة كاملة من اللقاءات والاتصالات فى مناخ جديد داخل «حماس» بقيادة جديدة ممثّلة فى رئيس المكتب السياسى للحركة فى القطاع يحيى السنوار، والدكتور خليل إسماعيل إبراهيم الحية، السياسى الفلسطينى، ومكتب سياسى جديد بالقطاع، وتغييرات حقيقية داخل الحركة، هذا أمر، أما الأمر الثانى فإصدار «حماس» وثيقة سياسية جديدة للتعامل مع المتغيرات.
وهل هذا يتم عن طريق التنسيق مع السلطة الفلسطينية أم من دونه؟
- طبعاً هناك اتصالات مع السلطة الفلسطينية، والرئيس محمود عباس أبومازن زار القاهرة وأجرى لقاءين مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهم لهم اعتراضات على أمور داخلية لا شأن لنا بها، الرئيس عباس طلب حل اللجنة المؤقتة لإدارة القطاع من أجل أن يكون هناك نوع من اللغة المباشرة، وقالوا إن هذه لغة لا بد أن تتم، لكن «حماس» ما زالت ترفض وتقول يجب أن تُرفع اللجنة، فى ما معناه أنها لا تتشكل إلا بعد عودة حكومة الوفاق الوطنى، هذه كلها أمور داخلية فلسطينية، لكن هذا ليس معناه أن «القاهرة» بعيدة عن كل هذا، القاهرة تقوم بترتيب الأجواء المرتبطة بقطاع غزة.
وماذا يهم المصريين إذاً؟
- ما يهمنا كمصريين 4 نقاط، النقطة الأولى فتح معبر رفح وتأمين فتحه وفقاً لاتفاق مشترك، النقطة الثانية وأن تقدم تسهيلات لحركة حماس داخل غزة، وألا تعانى من أى مشكلات فى الكهرباء أو المياه، وأن تعيد الحركة تقديم نفسها مرة أخرى للرأى العام العربى والمصرى بعد سلسلة اتهامات للحركة بأنها حركة إرهابية وتمارس الأعمال الإرهابية، والنقطة الأخيرة فهى ترجمة كل ما سبق إلى واقع.