«مُلاك الورش»: «حالنا واقف.. ومحدش بيسأل فينا»
ارتفاع أسعار الخامات أزمة يواجهها أصحاب الورش
مجموعة من الورش الصغيرة تجمعت كلها وتراصت جنباً إلى جنب داخل المدينة الصناعية بدمياط الجديدة، فى مكان واحد يُسمى بـ«مجمع الورش الصغيرة»، قام أصحابها بشرائها منذ سنوات طويلة عندما كانت مخصصة فى البداية منذ أكثر من 20 عاماً للشباب حديثى التخرج، وفشل المشروع نتيجة لتكلفته المرتفعة على الشباب فى وقتها، حسب تأكيد أصحابها، تمر السنوات ويلجأ بعضهم إلى غلق الورش وترك المهنة نهائياً والبحث عن مجال آخر أكثر ربحاً، أما البعض الآخر فظل صامداً لفترات طويلة حتى وصل حاله حالياً إلى الجلوس أمام الورش دون عمل فى انتظار وصول الزبائن الذين انخفض إقبالهم على الورش، نتيجة رفع أسعار كافة الخامات بشكل مُضاعف، ليصبح لسان حال أصحاب الورش «راح فين زمن الشغل الجميل».
«حمادة»: «مراتى لما تعبت صرفت كل اللى معايا.. ودخلى مبقاش يكفى متطلبات بيتى الأساسية»
داخل مجمع الورش الصغيرة فى المدينة الصناعية جلس حمادة منتصر، 37 عاماً، على أحد المقاعد الخشبية أمام ورشة الحدادة وزخرفة الحديد التى يمتلكها، فى انتظار وصول الزبائن إلى الورشة، قائلاً: «احنا شغلنا كأصحاب ورش رزقنا على الله ومالناش أجر ثابت، وارتفاع سعر الحديد هو أكتر حاجة أثرت علينا، وأثرت على الدخل بتاعنا وفى عدد الزباين اللى بنتعامل معاها، لأن الزباين طبعاً رجليها قلت عن هنا كتير، ده النهارده طن الحديد وصل إلى 11 ألف جنيه، من كام سنة كان كيلو الحديد بـ5 جنيه، لكن دلوقتى لما أقول للزبون 18 جنيه فى الكيلو ممكن ساعتها تلاقيه يأجل الشغل أو يدور على بديل له»، مؤكداً ارتفاع أسعار المؤن التى يستخدمها أثناء عمله 5 أضعاف مثل سلك اللحام وأحجار وكهرباء التى أصبح يشحن لها أسبوعياً كارت بمبلغ 200 جنيه، وأنه يُكلف الباب الحديدى مقاسه 2X3 متر 500 جنيه، بالإضافة إلى يومية الصنايعية التى تصل إلى 100 جنيه فى اليوم الواحد، يوضح «حمادة» أن هناك الكثير من الورش أغلقت أبوابها، نتيجة «وقف الحال» الذى يُعانى منه غالبية أصحاب الورش، على عكس ما كانوا عليه فى السنوات السابقة، حيث كانت الورشة الواحدة تضم 5 صنايعية على الأقل بسبب كثرة العمل، أما حالياً أصبحت الورشة تكتفى بصنايعى واحد فقط نتيجة ندرة العمل، متابعاً: «احنا كل واحد فينا متجوز وعنده عيال وداخلين على موسم عيد ومدارس وأنا عندى 3 بنات كلهم فى مدارس وعايزين لبس وشنط وأدوات ودروس، ده لو واحد من اللى فى البيت تعب مش هيبقى معايا فلوس أكشف عليه»، يصمت «حمادة» برهة وكأنه يتذكر أحد المواقف حاكياً بنبرة حزينة: «بعد العيد اللى فات كانت مراتى تعبانة جامد والحمدلله كنت شايل مبلغ على جنب علشان لو حصل ظرف زى كده، ولو ماكنش معايا ساعتها فلوس كنت هستلف أكيد، ما أنا مش هسيبها تموت يعنى، وفعلاً صرفت المبلغ اللى كنت سايبه على جنب كله، ودلوقتى مبقاش معايا أى حاجة، ولو الواحد وقع فى موقف تانى مش هيقدر يسد فيه الصراحة، لأن الدخل فى الأول كان يسمح بإنى أخلى جزء منه للطوارئ، لأنى ماليش غير الورشة دى آكل منها عيش»، ويشير «حمادة» إلى أن دخله أصبح يكفى بالكاد متطلباته الأساسية، مطالباً بأن تكون جمعية المستثمرين السند لهم، قائلاً: «الواحد لو تعب مننا مفيش حاجة تشيله، والمفروض جمعية المستثمرين تبقى سند لينا لو حد وقع مننا، أو حتى يبقى لينا جمعية أو نقابة تجمعنا، لكن احنا اللى يقع مننا مالوش لازمة».
وعلى الجانب الآخر من مجمع الورش الصغيرة يقف «أسامة عباس»، 66عاماً، صاحب ورشة للخراطة، قرر بعد 20 عاماً قضاها داخل المدينة الصناعية عرض ورشته للبيع بعد أن ضاق عليه الحال، حاكياً: «أنا جيت هنا وخدت الورشة دى سنة 1996، وبدأت شغل فيها بعدها بسنتين، وكنت أنا أول واحد فى الورش دى كلها، وبعدها اتفتحت كذا ورشة، منهم ناس سابت المجال ده كله»، مؤكداً أن ذلك المكان يُسمى مجمع الصناعات الصغيرة، وهو عبارة عن مجموعة من المحلات تتبع جهاز المدينة، كانت مخصصة فى الأساس للشباب حديثى التخرج، حتى يُمارس فيها الأنشطة التى تخدم المدينة الصناعية، وفشل المشروع لأنهم طلبوا وقتها مبلغاً كبيراً لا يستطيع الخريج دفعه، ولذلك قرروا بيعها للأشخاص العادية، وبعدها دفع «أسامة» مقدماً نحو 8 آلاف جنيه، وكان المحل كله تقريباً سعره بـ41 ألف جنيه. يتذكر «أسامة» جيداً أسعار الحديد عندما افتتح ورشته، موضحاً أن طن الحديد كان سعره ألف جنيه، والكيلو كان بجنيه واحد، فى حين يبدأ سعره حالياً من 18 ألف جنيه للطن، ووصل طن الهارد كروم 60 ألف جنيه، وكيلو النحاس بـ200 جنيه، وأصبح له أكثر من سعر حالياً على حسب العيار مثل الذهب والفضة، مضيفاً: «دلوقتى اللى بيقدر يمشى يومه بأكله وشربه ومصاريفه يبقى شخص خارق، لأننا بقينا بنمشى يومنا بالعافية، وييجى بعد كل ده بتاع الضرايب يقولى عليك ضرايب عقارية 3 آلاف جنيه بأثر رجعى، طيب هجيبهم منين دول كمان، خصوصاً إن الأرض اللى عليها الورشة مش ملكى»، ويؤكد «أسامة» أن ما جعله صامداً خلال السنوات الماضية هو إمكانية صناعته لماكينة صغيرة حتى يأتى لها زبون يشتريها منه، متابعاً بنبرة حزينة: «كان لما مصنع موبيليا فيه ماكينة عنده عطلت ييجى لواحد زى حلاتى، يقولى صلح لى المكنة دى أو اعملى فيها كذا، والدنيا فضلت تخنق لحد ما وصل بيّا الحال إنى بدور على حد يشترى منى الورشة دى، وده قرار نهائى مفيش رجوع فيه لأنى مش قدامى غير الحل ده».
«أسامة»: «قررت أبيع الورشة بشكل نهائى بعد 20 سنة قضيتها فى المدينة الصناعية»
أحمد يوسف، 39 عاماً، صاحب ورشة لصناعة الألوميتال للمطابخ والشبابيك، يؤكد أنه فتح ورشته منذ عام 2005، وأكبر مشكلة تواجهه هى ارتفاع سعر الخامات، لأنها تضاعفت فى فترة الستة شهور الماضية، وأن الخامة عندما تتضاعف ترتفع التكلفة، وبالتالى شريحة كبيرة من الزبائن يخسرهم، وأن طن الألومنيوم كان بسعر 27 ألف جنيه منذ 8 شهور، وأصبح سعره 56 ألف جنيه حالياً، مضيفاً: «ممكن لو زبون على قده شوية يقول بناقص الألوميتال، وحتى الزباين العالية دى مش بتيجى برضه على طول، ده غير إننا عندنا أزمة شوية فى موضوع الصنايعية، لأن الصنايعى دلوقتى لو معاه فلوس مش هييجى، ولو محتاج فلوس هتلاقيه جاى على طول، مفيش حاجة بتلزمه إنه ييجى كل يوم».
يوسف داخل ورشة صناعة الألوميتال
ارتفاع أسعار الخامات أزمة يواجهها أصحاب الورش