المنيا: «ملوى وديرمواس وسمالوط» الأكثر تنقيباً.. و«لعنة الفراعنة» تحبط عشرات العمليات
أحد عمال الحفر
فجأة ازدحمت شوارع المحافظة الفقيرة التى تعانى منذ عهود من البطالة وضيق الحال، حيث يعمل معظم أبنائها فى الوظائف الحكومية أو الزراعة، بالسيارات الفارهة التى يقودها أفراد كانوا فى وقت ما لا يملكون جنيهاً أو فداناً أو حتى قيراطاً، وحينما تجاوز سعر الشقة السكنية فى بعض المناطق المليون ونصف المليون جنيه، أبدت الأغلبية الكاسحة دهشتها متسائلة: «إحنا فى محافظة فقيرة، فمن أين ظهر هذا؟»، وكانت الإجابة عند البعض: «غسيل أموال الآثار».
لم تسلم قرية واحدة فى محافظة المنيا، التى صنّفها تقرير التنمية البشرية قبل عام 2010 بأنها من ضمن المحافظات الأفقر فى صعيد مصر، من أعمال التنقيب التى تتم ليلاً ونهاراً. ففى «ملوى»، ليس هناك أدنى مبالغة عندما يرى البعض أن المركز المعروف منذ القدم بمدينة الباشوات يعوم على بحر من الآثار المتناثرة شرقاً وغرباً، فبعد اندلاع ثورة 25 يناير اجتاحت أعمال التنقيب كل شبر فى المركز، بل إن البلطجية كانوا يهاجمون مواقع أثرية بقصد التنقيب، وقبل نحو عام واحد سقط مراقب أمن وخفير نظامى قتيلين فى منطقة أثرية قريبة من قرية دير البرشا، فعندما شعر الاثنان بأعمال حفر وتنقيب تتم حاولا ترقُّب المشهد، غير أن الرصاص العشوائى اخترق جسديهما.
أعمال الحفر تحول مدارس وشوارع إلى أنفاق.. وغسيل الأموال فى سيارات فارهة وعقارات بأسعار خيالية
وفى مناطق أنصنا والشيخ عبادة ودير أبوحنس، وكانت الضاحية القبطية لمدينة أنطونيوبوليس، وأنشأها الإمبراطور هارديان سنة 130 ميلادية، وتحتل مكانة كبيرة فى التاريخ الكنسى، ما زالت تتعرض تلك المناطق لأعمال تنقيب مستمر، وفى الآونة الأخيرة ذاعت شهرة قرى تونا الجبل والشيخ عبادة والأشمونين وأبوهريدى فى عمليات التنقيب حتى تحولت شوارع تلك القرى لأنفاق وحفر بزعم حفر خزانات صرف لدورات المياه.
فى مركز ديرمواس المتاخم لملوى، تشهد القرى القريبة من منطقة آثار تل العمارنة أعمال حفر وتنقيب بين الحين والآخر، خاصة فى تل بنى عمران، أما فى مركز أبوقرقاص، فكثيراً ما حلت لعنة الفراعنة على المنقبين، حيث ألقت سلطات الأمن على أهالى يقومون بأعمال تنقيب، بل إن هناك سماسرة يقومون بشراء منازل من أصحابها بمبالغ طائلة بقصد التنقيب أسفلها، بشكل ممنهج ومنظم منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن.
أما فى مركز المنيا فاجتاحت أعمال التنقيب قرى شرق النيل، وخاصة فى منطقة زاوية سلطان، ويوجد بها موقع أثرى، بل إن أعمال التنقيب تتم وسط مقابر الموتى، الواقعة أسفل الجبل الشرقى، وكما يردد البعض هناك فإن البعض كان يقوم باستئجار محاجر مواد البناء مثل البلوك الحجرى بقصد التنقيب عن آثار، كما تشهد قرى صفط اللبن والبرجاية وزهرة ودماريس أعمال تنقيب تتم خلسة بين الحين والآخر، حتى إن مواطناً من إحدى القرى الثلاث كان لا يملك قوت يومه، ومعروف عنه البؤس والفقر الشديد، وفجأة ظهرت عليه معالم الغنى والثراء، حتى إنه قام بإنشاء عمارة كاملة، وبحسب أهالى قريته فإن زوجته عثرت على قطعة أثرية ثمينة أسفل جدار المنزل بمحض الصدفة.
وفى قلب مدينة المنيا، وتحديداً فى حى وسط، الكائن بالقرب من مسجد سيدى العارف بالله أحمد الفولى، تتم أعمال تنقيب بشكل منظم، حتى إن أجهزة الأمن داهمت قبل نحو 6 أشهر مبنى تابعاً للإدارة التعليمية عبارة عن مدرسة قديمة ومهجورة تُستخدم كمخزن كتب مدرسية كان يتم التنقيب أسفلها، وتم كشف حفرة بعمق 3 أمتار فى طول 10 أمتار. ومن ناحيته قلل فرج عبدالعزيز، مدير مكتب تنشيط السياحة بمنطقة آثار تونا الجبل فى ملوى، من عمليات التنقيب، وقال: انتهى هذا الكلام دون رجعة، فهذا كان فى أيام «الفوضى» التى ظهرت بعد ثورة 25 يناير، بالفعل كانت هناك أعمال تنقيب لا حصر لها، ولكن بعد أن بسطت أجهزة الأمن سيطرتها على المحافظة عقب ثورة 30 يونيو، انتهت هذه المهزلة، خاصة أن أجهزة الأمن أنشأت نقاطاً أمنية فى مداخل ومخارج المناطق الأثرية المعروفة، خاصة فى مراكز ديرمواس وملوى وأبوقرقاص، ومنها نقطة الغريقة والمرقوع القريبة من منطقة آثار تونا الجبل، لكن لا بد من إعادة خفراء الآثار الخصوصيين لما لهم من خبرة فى هذا المجال وعلمهم بكل كبيرة وصغيره فى شتى القرى.