نفسك فى إيه يا منى؟.. نفسى أبطل أشيل مَيَّة.. نفسى فى خزان
مجرد أن تلمح نور الصباح، تنهض من سريرها وكعادتها تسير على أطراف أصابعها فى محاولة لتفادى لمس أشقائها الثلاثة الذين ينامون إلى جوارها. من غرفتها الضيقة التى تقيم فيها مع أسرتها فى «عرب أبودحروج» فى حلوان خرجت دون أن تتناول إفطارها أو حتى تغسل وجهها، أخذت «الجركن» الذى وضعته إلى جوار المدخل واتجهت نحو غرفة جدتها التى تسكن بالقرب منها قبلت يديها ونادت على صديقتها، ثم اتجهتا معا إلى «الحنفية العمومية» لنقل المياه.. منى التى لم يتجاوز عمرها 10 سنوات، اعتادت أن تنقل يوميا من 4 إلى 5 «جراكن مياه» على 5 مرات، وفى كل مرة تترنح وهى تسير بهذا الحمل الثقيل فوق أرض غير ممهدة، ولا يصبرها على هذا الحال سوى صديقتها التى تحدثها طوال الطريق فتنسى معاناتها.
تحملت منى مسئولية توفير المياه لأسرتها لمرض والدتها وعدم قدرتها على نقل المياه، ومع ذلك لا تشعر منى بأى ضيق؛ لأنها محرومة من اللعب كأقرانها: «ساعات لما بتعب أو لما بخلص بسيب الجركن واقعد أنا وصاحبتى نلعب فى المية».
منى هى أول ضحايا عدم توصيل مياه الشرب إلى عرب أبودحروج العشوائية، حتى إن هذه المشكلة أصبحت جزءا أصيلا من شخصيتها وارتبطت بمستقبلها، والدليل على ذلك أنك عندما تسألها: نفسك فى إيه يا منى؟.. ترد: «نفسى يكون معايا فلوس كتير عشان أخلى بابا يعمل خزان جنب البيت». ليست المياه هى المشكلة الوحيدة التى تعانيها، منى فهى تتمنى ألا تستيقظ مفزوعة هى وأشقاؤها على أصوات الرصاص الذى تطلقه عائلتان بينهما ثأر قديم، والذى تجدد منذ الشهر الماضى، وراح ضحيته العديد من أهالى المنطقة الذين تصادف مرورهم: «بخاف قوى من صوت الرصاص بالليل.. الحكومة هتموتنا من العطش ومن صوت الرصاص كمان».