مختار.. شيخ التفسير العصرى للقرآن الكريم
«هذا الرجل المؤمن، العالم الأنيق المبدع، المبتكر، المنتج، المجتهد، المبتسم، غيّر فكرتى عن الصوفية، كنت أتصورها نوعاً من البهدلة العقلية: خيش، وحشيش، وبقشيش، عزلة على رصيف عام، وتمسح فى مقابر رخام وانتظار حسنة من لئام، تقاعد عقلى مبكر، ورفض الإيمان بالفكر وانسحاب من الحياة إلى كهوف العزلة، وإدمان التسول بحثاً عن عمله.. لكن الشيخ مختار على محمد الدسوقى شطب تلك الصورة المشوهة وعلق أمامى صورة أخرى مبهرة؛ فهو يرتدى ثياباً عصرية مناسبة، ويدير مشروعاً للثروة السمكية، وينقل لمريديه ما يفتح به الله عليه من الثروة السماوية».
هذه مقدمة مقالة كتبها الكاتب الصحفى عادل حمودة، عن شيخ الطريقة الدسوقية المحمدية، مختار على محمد، أبدى فيها إعجابه الشديد به كشيخ طريقة عصرى، قلب تصوره عن الصوفية رأسا على عقب.
فجأة ظهر هذا الشيخ وحوله آلاف المريدين، يملأون مزرعته الكبيرة بطريق مصر - الإسكندرية الصحراوى، يأتون له من أماكن بعيدة، ليقضوا معه يوم الجمعة كاملا، ثم يبيتون ليلتهم فى استراحات أُعدت خصيصا لذلك، يذكرون الله قياما وقعودا، ثم يظهر لهم شيخهم ليلاً ببذلته الأنيقة ليلقى عليهم بعض أسرار طريقته، فيكبرون ويهللون ويصلون على النبى (صلى الله عليه وسلم).
بعد تزايد مريديه، بدأت مشيخة الطرق الصوفية تشعر بالخطر؛ فالطريقة الجديدة لم تكن قد حصلت على الترخيص بعدُ، ولم تكن المشيخة تعترف بها، والشيخ «العصرى» كان أحد تلامذة الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى، شيخ الطريقة البرهانية، التى حظرت فى مصر فى عهد «السادات»، بمقتضى القانون الذى أصدره لينظم الطرق الصوفية ويقصرها على المصرية فقط، فاعتبرت بذلك الطريقة البرهانية محظورة كونها ليست مصرية لأن شيخها سودانى الجنسية، كما أن بعض علماء الأزهر مثل الشيخ عطية صقر أفتى بأن هذه الطريقة لها مخالفات بأورادها تخرجها من نطاق أهل السنة والجماعة.
ظلت الطريقة محظورة إلى أن ظهر تلميذ الشيخ البرهانى، مختار على محمد، وأعلن أن الشيخ قد استخلفه على الطريقة، مشددا على أن الطرق لا تورث وأنه يحمل سر الطريقة التى ليس شرطا أن يحملها أولاد الشيخ الذين من صلبه.
استطاع «مختار» أن يحصل على الاعتراف القانونى بطريقته ليجعلها الطريقة رقم 77 فى قائمة الطرق الصوفية فى مصر، ويصبح شيخاً لطريقة جديدة هى الطريقة الدسوقية المحمدية.
يقول أحد مريديه، ويدعى «محمود»: كان لمولانا الشيخ الفضل فى النهوض بالتصوف والصوفية، ليس فى مصر فحسب بل فى جميع بقاع العالم، فقد نظم حضرات الذكر ونظم الإرشاد وأعاد الحياة لقراءة الأوراد وقيام الليل، وربط التصوف الذى هو لب الدين بالحياة والمجتمع، وحبب فى كسب الرزق عن طريق شريف، وحض على أن يكون الفرد نواة صالحة فى بناء أسرة كريمة ولبنة مستوية فى صرح مجتمعه الذى يعيش فيه.
يقول أحد مريديه: إن الشيخ مختار استطاع أن يجعل من مزرعة الكرام أكبر منتج ومصدر للأسماك فى مصر، مع أن الحياة هناك صحراوية وليست هناك مياه، مرجعا ذلك الإعجاز إلى بركة وفيض ربانى يتنزل على الشيخ ليغدق به.
فى كل مرة يفاجئ الشيخ مختار مريديه بشىء يعتقدون أنه صواب، لكنه يثبت غير ذلك، والعكس صحيح؛ ففى ذات مرة قال لهم: هناك من يقول إن السيادة لله وأنا أقول لكم إن هذه الجملة هى شرك بالله، وعندما اندهش الحضور قال لهم: ليس كل ما يلمع ذهباً.. ليس كل ما يقال حلماً.. ليس كل ما يخرج من القلوب خيرا لكن.. هناك بحسن نية من يعتقد أن بإمكانه تغيير جلد الرجل الأفريقى إلى جلد أشقر.. أو تحويل المرأة السودانية إلى امرأة سويدية.. أو معالجة برودة الإنجليز بهرمونات الكلام.
وتابع: عند وضع الدستور وجدنا من يريد شطب جملة «السيادة للشعب» إلى عبارة «السيادة لله».. الحماس المفرط الذى يفور فى صدره أوقعه فيما لا يحب ولا يتصور.
واستطرد: «إن سيد الشىء يكون من جنس الشىء نفسه، فنقول: الحوت سيد الأسماك، والصقر سيد الطيور، والأسد سيد الحيوانات، ونجيب محفوظ سيد الروائيين، ومحمد سيد البشر؛ فلا سيادة خارج الجنس فلا نقول إن الصقر سيد البحار، والأسد سيد الطيور، ونجيب محفوظ سيد رجال الأعمال، وهنا يكون الخطر أن نقول إن السيادة لله.. فمعنى ذلك أن هناك آلهة غيره هو سيدهم.. وهو انزلاق ناحية الشرك.. لا نجاة منه سوى افتراض البراءة.. وأن نقبل ذلك من باب المجاز العقلى».
صمت برهة وابتسم وقال: لكن هناك حديثا صحيحا يقول: «السيد الله»، فكيف نقول إن السيادة تقتضى التجانس، ونقول فى الوقت نفسه «السيد الله»؟ المقصود بالله هنا الاسم الله سيد الأسماء الإلهية وكل الأسماء الأخرى مثل الرحمن الرحيم الرءوف الغفور الجبار، مثلا، تحمل صفات من سيد الأسماء «الله»، كل الأسماء الأخرى عائدة إليه، ولا تشير إلى تعدد الذوات، كلها ذات واحدة، وما يُنسب إليها من أسماء صفات تسمت بها صفاته، سبحانه وتعالى.
ويكمل: إن اسم الرحمن يدل على صفة الرحمة، والكريم يدل على صفة الكرم، والقوى يدل على صفة القوة، أما من يقول: إن الله سيدى ومولاى فهو من قبيل المجاز العقلى فقط.. لا بد أن ننزه الله عن أن يكون له جنس يسوده.. وعندما نقول إن محمدا سيدنا فهذا ليس دليل إيمان وإنما دليل على آدميته؛ لأن رسول الله قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر».. فهذا ليس فخراً له، وإنما فخر لنا أن يكون منا.
ويتابع: يصح أن نقول بحب وفرح «سيدنا محمد» لأنه بشر مثلنا.. لكن لا يصح أن نقول «سيدنا الله» فسبحانه وتعالى لم يقل إنه بشر مثلنا، كما أنه منزه عن التجانس، إذا أردت أن تلحد قل «سيدنا الله».. إلا إذا قصدت المجاز العقلى.. وهو أمر متوقف على النية.
وذات مرة فاجأ أتباعه بالقول إن الله يحب الكفار ولا يكرههم، وعندما اندهشوا من ذلك قال: هنا طلاقة القدرة الإلهية.. فالله سبحانه وتعالى لا يختار من خلق غيره وإنما يختار من خلقه.. ولهذا السبب فإن هناك صوفيين لا يرون أن الله يكره الكفار وإنما يحبهم.. فلو كان يكرههم لما خلقهم.. وكان قد قضى عليهم.. ولو كان الهدف من إرسال الرسل هو إهلاك الكفار فإن الله كان يقدر على هذه المهمة أفضل منهم دون الحاجة إليهم.. ولو كانت تلك مهمة الرسل لكانت دليلاً على ضعف الله.. وحاشا لله.
كيف نقول إن الله يكره الكفار وهو الذى أرسل إليهم أفضل خلقه وأحب خلقه إليه.. يقول سبحانه وتعالى لموسى: «اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ».. لقد أمر الله موسى وأخاه هارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً.. فكيف يكرهه الله رغم أنه طغى؟
كيف يكره الله الكفار وهو الذى أرسل إليهم حبيبه محمداً بن عبدالله صلى الله عليه وسلّم مصدقاً لما بين يديه من آياته وفيها يقول سبحانه وتعالى: «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ».. إن الله يطالب رسوله ونبيه بأن يعامل الكفار بالرقة ويعفو عنهم بل ويستغفر لهم.