المحلل السياسى العراقى: مصر قادرة على دعم العراق لتحسين علاقته مع أشقائه
المحلل السياسى العراقى هادى جلو مرعى، رئيس المرصد العراقى للحريات الصحفية
قال المحلل السياسى العراقى هادى جلو مرعى، رئيس المرصد العراقى للحريات الصحفية، إن هناك عزماً حقيقياً لدى العراق على تغيير السياسة الخارجية نحو مزيد من التعاون مع القوى العربية الرئيسية، مؤكداً أن انفتاح القوى السياسية العراقية نحو المحيط العربى ليس نابعاً من دوافع انتخابية. واعتبر «مرعى»، فى حواره لـ«الوطن»، أن مصر قادت الانفتاح العربى على العراق، وأسهمت فى تحقيقه، مشيراً إلى أن إيران لا يمكنها منافسة الدور المصرى والسعودى فى العراق.. وإلى نص الحوار:
«مرعى» لـ«الوطن»: لا يمكن لأحد تجاهل قوة مصر وتأثير «القاهرة» فى محيطها العربى.. ومحاولات إشغالها بالمشكلات فاشلة
رأينا تحركات من مسئولين عراقيين رفيعى المستوى باتجاه العواصم العربية، فضلاً عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين العراق والسعودية وغيرها، وقد زار العراق الأسابيع الأخيرة وزراء من مصر والأردن والجزائر والبحرين وغيرها.. فكيف تسمى الأمر؟.. هل هو انفتاح عربى على العراق أم انفتاح عراقى على العرب؟ ولماذا؟
- لنتحدث بصراحة، وبعيداً عن الاستعلائية السياسية، فإن هناك اعتقاداً راسخاً لدى عراقيين كثر، رسميين وغير رسميين، بأن العلاقات يجب أن تعود، خاصة أن العرب يمتلكون إرثاً من الفهم لطبيعة القدرات العراقية والأدوار التى لعبتها فى مناسبات عدة خلال العقود القليلة الماضية، كما أن العراقيين ملّوا من الأسلوب غير المتزن الذى تُدار به شئونهم والتدخلات السلبية من دول الجوار التى استنزفت اقتصادهم وجعلتهم مجرد أدوات، وهم يريدون تغيير المسار، وهذا أمر جيد حين يكون العزم معقوداً لدى دول عربية كبرى من جهة والعراق من جهة ثانية.
العلاقات العراقية - السعودية شهدت انفراجة خلال العامين الماضيين، فقد قررت كل من «بغداد» و«الرياض» إعادة افتتاح السفارة، وزار وزير الخارجية السعودى بغداد، فى زيارة نادرة، فبراير الماضى، قبل أن تستقبل السعودية عدة وفود عراقية، مثل زيارة رئيس الوزراء ووزير الداخلية والسيد مقتدى الصدر.. فكيف ترى المسار الراهن للعلاقات بين البلدين، وما أهداف كل منهما من هذا التقارب؟
- بالفعل، فإن الاستراتيجية السعودية تغيرت تماماً خلال العام الحالى، وهناك تحرك مختلف ونوايا جدية لتطوير العلاقات بين البلدين، وبالرغم من أحاديث عن دور أمريكى محفز للرياض، لكننى أعتقد أن الحراك السعودى يمثل تحولاً فى استراتيجية واعية يدرك واضعوها أن خسارة العراق تعنى خسارة الذات العربية، ويجب العودة إلى التقاليد العربية المعروفة فى نمط العلاقة الأخوية، والحاجة المتبادلة لمواجهة التحديات، لكن ما يعترض هذا التحول أن الراغبين فيه ليسوا وحدهم أصحاب القرار، خاصة أن تقوية الدور العربى فى العراق تعنى إضعاف نفوذ إيران فى العراق والمنطقة، وهو النفوذ الذى تعاظم بعد 2003 وحتى اليوم.
وزير الخارجية الأردنى زار العراق مؤخراً، وشاهدنا اتفاقات لإعادة فتح المنافذ الحدودية وتعزيز التعاون، خاصة التعاون الثلاثى الذى يشمل مصر، فى إطار تجارى ونفطى.. فكيف ترى مسار التعاون مع الأردن من ناحية، وبين العراق والأردن ومصر من ناحية أخرى؟
- هذا الأمر ليس ببعيد عن مجمل التحركات فى المنطقة، فالخطوات الأردنية هى ذاتها التى تقدم عليها دول أخرى، فى مقدمتها السعودية، ولو تتبعنا مسار التحرك السعودى سنجد أنه ينسحب على بقية الدول العربية الفاعلة، كما أن المنافع ستكون متبادلة بين تلك الدول، فالعراق بلد غنى جداً ولديه مصادر طاقة متعددة، وهناك استثمارات واعدة فى مجالات مختلفة تفوق الحصر، ولا بد من تسريع تبادل الخبرات والاستشارات والتقدم بخطوات أكثر جدية فى الفترة القليلة المقبلة ليتم جنى المزيد من المكاسب.
«القاهرة» سباقة فى الانفتاح على «بغداد».. والتقارب السعودى - العراقى يدل على «استراتيجية واعية».. وهناك دول عربية تستشعر أن تنامى دور مصر يُضعف الآخرين
مصر كانت سباقة فى انفتاحها على العراق، لدرجة أن بعض الدول التى على خلاف مع بغداد بدأت تثير الشكوك من التقارب المتسارع بين «القاهرة» و«بغداد» خلال الأعوام الأخيرة، فكيف ساهم هذا التحرك المصرى فى تشجيع انفتاح مزيد من العواصم العربية على العراق؟
- العراقيون متلهفون لعودة مصر، فهى بلد متمدن ومتحضر، وهناك تشابه كبير بين بلاد النيل وبلاد الرافدين، فهما كالتوأمين، ولدا فى ساعة واحدة، وكبرا معاً، وأنتجا فعلاً حضارياً لا يضاهيه فعل حضارى آخر، كما أن طبيعة السياسة المصرية تعتمد التوفيق لا الانحياز، وبإمكان «القاهرة» أن تسهم فى دفع بقية الدول العربية لانتهاج أسلوب غير تقليدى، ولا أظن أن مصر هى المسئولة عن التراجع فى مسار تلك العلاقة، بل إنها كانت الأولى ولهذا تم استهدافها، لكن تجربتها علّمت الآخرين أن الأفضل هو التقدم إلى الأمام، دون أن ننسى أن مصر هى من أسهمت بتحفيز العرب نحو العراق.
هل ترى أن بعض العواصم العربية تحاول مزاحمة الدور والانفتاح المصرى فى العراق؟
- لنكن واضحين، فليس بإمكان أحد أن يتجاهل قوة مصر وتأثيرها وقوتها فى مجال الاقتصاد والإبداع والفعل السياسى، وتأثيرها فى ميزان القوى العربية والإقليمية، ومصر مستهدفة عربياً وإقليمياً، وهناك دول عربية تستشعر أن دور مصر عندما يتنامى فإنه يُضعف دور الآخرين، بل لا يبقى لهم من وجود حقيقى، خاصة لو كان الدور فى بلد مثل العراق له عمقه الاستراتيجى، ولدى شعبه حب لشعب مصر ولمصر التى تتسم بالوسطية والاعتدال الدينى والمذهبى، ولديها رغبة فى مد جسور الثقة المتبادلة، وليس مستغرباً أن نرى تلك المزاحمة تتمثل فى محاولة إضعاف مصر وإشغالها ببعض المشاكل، لكن الأمر الجيد أن الرغبة العراقية هى من تتحكم فى الأمر، فالعراق يفضل مصر على غيرها من الدول.
كيف ترى موقف طهران من الانفتاح العربى على العراق؟ وهل سيمثل ذلك ضرراً للمصالح الإيرانية؟
- لا يمكن تجاهل حقيقة أن إيران، التى تمكنت من نيل مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية بعد عام 2003، لا يمكنها استيعاب منافسة قوية من دول كمصر والسعودية، ولذلك ستلجأ إلى فرض المزيد من الضغوط على العراق لتأخير العودة العراقية إلى المحيط العربى بالكامل، ولو مؤقتاً، فتلك العودة حتمية، وهناك إصرار شعبى وسياسى فى العراق على تمتين العلاقة مع «القاهرة»، ونلاحظ أن ملايين العراقيين صاروا يتوجهون إلى مصر وإلى مرافقها السياحية، وهناك وجود كبير للجالية العراقية فيها، كما أن مجىء العمالة المصرية إلى العراق يعنى تأكيد تلك العلاقة، خاصة مع نوع الوعى والثقافة لدى المصريين، وإمكانية أن يسهم ذلك فى نشر هدوء أكثر فى البنية المجتمعية العراقية.
العراق حافظ على حياده من الأزمة القطرية.. ولم يتسرع بالانحياز لعلمه بوجود ترتيبات لحلها
هل مواقف العراق من القضايا الإقليمية تؤهله للتوافق فى الرؤى مع بقية الدول العربية المؤثرة مثل مصر والسعودية؟
- هناك تأثير ما لتلك المواقف، خاصة التى تتقاطع فيها الدول العربية مع تركيا وإيران، ولكن تاريخياً لا يمكن إلا القول بأن العراق تعوّد أن يتمرد على مثل هذا النوع من التأثير، وبإمكانه التنصل من أى علاقة تحد من دوره وتأثيره، خاصة إذا كان ذلك مرتبطاً بمحاولة عزله وتحجيمه ووضعه ضمن محور معين، فنجد حالياً أن هناك جهات عراقية رسمية وشعبية تتجه إلى تعميق العلاقة مع العرب حتى مع وجود كيانات تعترض على ذلك وتُلقى باللائمة على العواصم العربية، الخليجية تحديداً، فى ملف الأمن والتطرف الدينى، لكن المفيد فى الأمر أن الذاكرة العراقية لا تحتفظ إلا بما هو جيد ونافع لمصر والمصريين، والنظرة الإيجابية هى التى تطبع التوجه العراقى نحو مصر.
هل تعتقد أن تبنى العراق لسياسة النأى بالنفس عن بعض الأزمات، مثل الأزمة القطرية، أمر إيجابى؟
- فى الفترة الماضية كان ذلك موضوعاً حاضراً فى نقاشات سياسية وإعلامية، وهل يجدر بالعراق أن يكون طرفاً فى الأزمة الخليجية أم أن ينأى بنفسه عنها؟ والواضح أن الكفة تميل إلى الرأى القائل بضرورة توخى الحذر فى السياسة الخارجية للبلاد، مع كم المشاكل ونوعها فى المحيط، ولطبيعة الظروف الاستثنائية التى يمر بها العراق على الصعيد الأمنى والسياسى، وهناك اعتقاد سائد بأن الأمور تتجه إلى توافقات وترتيبات سياسية وأمنية واقتصادية، وعلى العراق ألا يتسرع فى اتخاذ المواقف، وأجد أن سياسة رئيس الحكومة، حيدر العبادى، ناجحة على هذا الصعيد.
هل الانفتاح اللافت فى الخطاب السياسى العراقى على العرب حالياً أمر يرتبط بضرورة وحاجة انتخابية لدى بعض الأحزاب والكتل العراقية، أم أنه نابع من توجه حقيقى نحو استعادة العراق لموقعه فى المحيط العربى؟
- لا علاقة للانتخابات بالأمر، بل إن هذا التوجه حاضر ومنذ أمد بعيد، والصراع الدائر هو من أجل التقدم بخطوات فعلية لعودة العراق إلى محيطه، وعلينا أن لا نتجاهل الفكرة القائلة بوجود تقصير عربى، كما أن المرحلة الأولى التى أعقبت الدخول الأمريكى كان الصراع فيها أمنياً باعتبار وجود «القاعدة» والإرهاب المنظم وقوات أجنبية ومحاولات التدخل فى الشأن العراقى، وتم فيها إغفال قضايا مهمة على مستوى السياسة والاقتصاد.