المنطقة الصناعية: إهمال حكومى.. وطرق متكسرة.. وبرك مياه.. ولصوص فى «عز الضهر»
مبنى إدارة المنطقة الصناعية تحول إلى مبنى أشباح
على مساحة نحو 11 ألف متر مربع، يتجول أحمد خليفة، مدير مصنع الأمان للرخام والجرانيت بين مناشير عملاقة تدور بسرعات كبيرة تغوص بأسنانها الحادة بين كتل صخرية وجرانيتية ضخمة، بينما تنساب عليها المياه بشكل مستمر، مقصورات كبيرة على كل واحدة منها «بلوك» -مكعب صخرى من مادة الجرانيت يتعدى وزنه نحو 10 أطنان- بينما تعلوه مسطرة عريضة معلق عليها مناشير تمر على تلك الكتل الضخمة ذهاباً وإياباً حتى تقوم بتسطيحها، وهى عملية قطع التعرجات الزائدة حتى تجعل البلوك مكعباً مستوياً، وهى تستغرق نحو 3 ساعات تقريباً، ثم يتم تقطيعها إلى ألواح جرانيتية حسب المقاسات المطلوبة، إما 2 سم أو 4 سم، وتدخل فى مرحلة أخرى من التصنيع هى «التلميع» لتتهيأ إلى نقلها للمخازن ومن ثم الأسواق.
عمل شاق فى هذا المصنع الذى ينتج سنوياً نحو 20 إلى 30 ألف متر مسطح من الجرانيت الذى يذهب إلى كل محافظات مصر، فبينما يعتقد المرء أن تقوم المناشير بتقطيع الكتلة فى ساعة أو ساعتين إلا أن الحقيقة أنها قد تستغرق يوماً كاملاً أو أكثر حتى يتم تقطيع «بلوك» مكعب واحد فقط، لم تكن مشقة العمل فى هذه الصناعة، التى تشتهر بها أسوان لكثرة محاجرها وجودتها العالمية، مقتصرة فقط على تقطيع الصخور الضخمة ودرجة الحرارة المرتفعة وغبار يملأ الجو، بل يعانى أصحاب تلك المصانع من إهمال حكومى للطرق والخدمات المقدمة، ما زاد من صعوبة منافسة المصانع المصرية لمثيلاتها فى الصين، على الرغم من تفوق المحاجر المصرية فى جودة موادها، وهى التى استعان بها المصريون القدماء فى بناء الكثير من معابدهم وتماثيلهم الضخمة وحتى أهرامات الجيزة إحدى عجائب الدنيا السبع.
«خليفة»: المحافظة بها أجود الصخور والبيروقراطية تعوق إنتاجنا وتصديرنا.. ومشاكلنا «كل جهة ترميها على التانية»
يروى «خليفة» ما يعانيه أصحاب مصانع الرخام فى المدينة الصناعية، مستهلاً حديثه عن أزمة انقطاع المياه عن المصانع التى تحتاج إلى كميات مياه كبيرة لمساعدة المناشير فى تقطيع الصخور، مشيراً إلى أن الطرق غير مؤهلة لسير شاحنات نقل الصخور من المحاجر إلى المصانع، وأن أسوان بها نحو 12 مصنعاً تنتج الرخام، وتعتمد بشكل أساسى على محاجر تبعد ما بين 20 و250 كيلومتراً من المنطقة الصناعية، وأن الطرق بين المحاجر والمصانع غير مؤهلة لسير شاحنات ضخمة محملة بكتل صخرية ثقيلة، موضحاً أن الشاحنات قد تستغرق ضعف المدة التى من المفترض أن تستغرقها فى نقل الحمولة، بسبب الطرق، معلقاً: «أقرب محجر ليّا لو المدة المفروض تبقى ساعتين بناخدها فى 4 ساعات، وفيه محاجر بعيدة شوية ممكن توصل لنا منها الحمولة بعد 12 ساعة»، ويضيف مدير مصنع الرخام، أن الشكاوى تم تقديمها للمسئولين أكثر من مرة، سواء أكان الطرق أو أزمة انقطاع المياه إلا أن المشكلة لا تزال مستمرة، متابعاً: «رُحنا لمدير المنطقة الصناعية اشتكينا من موضوع الميه، قال لنا الموضوع عند شركة الميه مش عندى أنا، الشركة عندها أعطال، كل أما تروح لجهة ترمى على الجهة التانية، وهكذا، ده غير موضوع الطرق المكسرة وغيره، بجد حالة ميئوس منها»، موضحاً أن المدينة الصناعية لا تحمل سوى الاسم فقط، لأنها مكان مفتوح غير مؤهل لأن يحتوى بداخله مجموعة من المصانع تساهم فى اقتصاد مصر، فلا يحدها سور خارجى يرسم حدودها ويحافظ على الممتلكات بداخلها ولا يوجد أمن داخل المدينة فى ظل انتشار سرقات كثيرة ولا توجد شبكات اتصالات جيدة ولا توجد إسعافات لإنقاذ عمال إذا أصيبوا خلال عملهم، خاصة فى ظل وجود مصانع محتمل بداخلها حدوث إصابات كمصانع الرخام وغيرها، لما لها من تعامل مع معدات ضخمة وصخور كبيرة، معلقاً: «لما بيحصل عندنا إصابة واحد من العمال بناخده على عربياتنا ونجرى بيه على المستشفى وبتحصل كتير، ده بالنسبة لموضوع عربيات الإسعاف أو الوحدات الصحية اللى مش موجودة، وبالنسبة للأمن بتحصل حالات سرقة كتير، فيه بطاريات عربيات بتتسرق ومواتير ميه ومواسير وأى حاجة ممكن تتسرق، والغفير وحده مش كفاية ما يقدرش يقاوم حرامية كتير، ده غير إن غطيان الصرف الصحى نفسها اتسرقت، فالموضوع متعلق بالأمن مش بغفير ولا بشركة ومصنع يحط حراسة على نفسه»، ويندد «خليفة» بالضرائب التى تفرضها الحكومة على المصانع فى ظل انعدام الخدمات، قائلاً: «الحكومة فرضت عليّا ضرائب عقارية قيمتها 808 آلاف جنيه، واللى أعرفه وفقاً للقانون إن المصانع لا تطبق عليها الضرائب العقارية، فرفعنا قضية وخلينا محامى يمشى فيها ووصلناها إلى 23 ألف جنيه، رغم إننا بندفع بقية الضرائب المفروضة علينا نكتشف إنهم عايزين يفرضوا علينا ضرائب عقارية».
وبالنسبة لفرص مصر فى تطوير الصناعة، يقول خليفة: «فيه مصانع بتصدر للدول المجاورة، ليبيا والإمارات والكويت والأردن وغيرها، لكن المنتج الصينى أرخص وردىء فبيدخل فى السوق المصرى ينافسنا، والمفروض الحكومة ترفع عليه الضرائب علشان المصانع المصرية تشتغل، وكمان قدامنا فرصة كويسة للتصدير للخارج، لأن خاماتنا أفضل خامة فى العالم»، مشيراً إلى أن المحاجر فى أسوان هى جرانيت فقط بينما توجد محاجر الرخام فى محافظة المنيا، وكلاهما من أجود خامات العالم.
لا يقتنع «عبدالفتاح»، ابن الشرقية الذى جاء إلى أسوان مع والده فى 1975، بأن الموقع الذى يعمل فيه هو مدينة صناعية فلا يعمل فى هذا الشارع سوى ورشته التى تطل على بركة مياه راكدة، ونشاط معدوم فى المنطقة، وانعدام لوسائل المواصلات، حتى اضطر إلى شراء «موتوسيكل» يستخدمه فى الذهاب والإياب من ورشته الصغيرة، مبدياً ندمه على قبوله مبادرة الحكومة فى نقله من ورشته القديمة فى مدينة أسوان إلى المدينة الصناعية، وأنه تورط بعدما وافق على مقترحات الحكومة بنقل الورش من مدينة أسوان إلى المدينة الصناعية فى منطقة نائية لتجميل المدينة وجعلها وجهة سياحية، موضحاً أنه استجاب واضطر لنقل ورشته إلى المدينة بينما بقى آخرون فى أسوان وكان قرارهم صائباً فلم يعانوا ما عاناه هو فى صناعته، ويشير «عبدالفتاح» إلى أنه يقوم بتشكيل وبناء الحناطير أيضاً إلا أن ارتفاع أسعار الأخشاب بعد تحرير سعر الصرف أدى إلى انخفاض الطلب على المركبات والقوارب، فارتفعت أسعار الأخشاب التى يشتريها من المغالق إلى نحو ثلاثة أضعاف، منتقداً ضغط الحكومة على أصحاب الورش من خلال إهمالها للمنطقة وعدم وجود مواصلات عامة لنقل العمال، معلقاً: «يعنى لو الموتوسيكل بتاعى عطل فى الطريق أعمل إيه فى الحر ده حاتبهدل، مفيش حاجة لا نضافة ولا تصليح شبكة الميه ولا مواصلات تجيبنا وتودينا، أهى قدامك الميه متجمعة ولونها أخضر حاولوا يصلحوها ما عرفوش فسابوها، وأنا غلطت لما طلعت بس ما كنتش عايز مشاكل مع الحكومة وبسمع كلامها بس طلع على دماغى فى الآخر هى غلطتى».
مصنع بويات يشترى المياه لاستمرار الإنتاج.. ومديره: جاءتنا عروض للتصدير إلى السودان لكن هناك صعوبات وبعض المهندسين مكتئبون
ويضيف «سبالك» أنه فى البداية عام 2003 كان هناك تشجيع وترحيب كبير من جانب المسئولين فى الانتقال إلى المدينة الصناعية بأسوان، لتأسيسها وتوسعتها لتضم أعداداً كبيرة للمستثمرين والصناع، حتى إن لو كان لصاحب الورشة أو المصنع 200 متر يعطى له ضعف المساحة 400 متر تشجيعاً له، مشيراً إلى أن كل الصناع وأصحاب الورش أوفوا بكل التزاماتهم، إلا أن عقود الملكية لم يتم تسليمها لهم منذ 14 عاماً، معلقاً بضحكة ساخرة: «خدنا قرار تخصيص من 2003 وقالوا هانعمل دراسة عقد الملكية وبقالهم 14 سنة بيدرسوا عقود الملكية علشان ناخد عقود الورش والمصانع اللى قاعدين فيها، فى الأول كان فى تشجيع وترحاب لكن فوجئنا بالإهمال والبيروقراطية»، مندداً بالبيروقراطية التى تعيشها محافظة أسوان وما يعانيه الصناع وأصحاب الورش والمصانع فى المنطقة الصناعية، مستنكراً الطريقة التى تدار بها المنطقة من دفع كل المرافق والرسوم المطلوبة فى حين أن الورش ليس لها عقود ملكية وهو ما يعطل الصناع وأصحاب الورش والمصانع من العمل وتطوير مشاريعهم لأنه لن يحق لهم إجراء أى تعاقد مع أى شركة اتصالات لتركيب شبكة اتصالات لتحسين خدمة الاتصالات فى المنطقة وتغطيتها وكذلك إجراء القروض البنكية والاستفادة من المساهمات التى تقدمها الحكومة لمساعدة الصناع على تطوير وتكبير مشاريعهم.
وعن خطوط المياه الخاصة بالمدينة الصناعية، قال «سبالك» إنها متهالكة بسبب الحمولات الثقيلة التى تسير على الطرق ما يؤدى إلى تكسير المواسير المدفونة على مسافة قريبة من سطح الأرض نتيجة للضغط الشديد عليها، حيث تسير ناقلات الجرانيت والأحجار الضخمة التى تزداد الحمولة فيها على 50 طناً، مشيراً إلى أن المدينة تعانى وتتضرر من ناقلات الكتل الجرانيتية الضخمة لأنها تنقل على شاحنات كبيرة بأحمال ثقيلة جداً تؤدى إلى تشويه الطريق وإعطال التوصيلات المدفونة تحته، وأن الحل يكمن فى إنشاء الطريق الصحراوى الشرقى، متابعاً: «الطريق ده بيوصل من المدينة الصناعية بس من ورا للطريق الصحراوى على طول، بدل ما الحمولات دى تدخل مدينة أسوان وتطلع المدينة الصناعية، تبقى من المحاجر تيجى على مصانع الرخام على طول وهو مسافته 20 كيلو من منطقة العلاقى إلى كوبرى أسوان الجديد، هما اشتغلوا فيه 7 كيلو بس وبقالهم سنة».
مدير مصنع رخام: لا توجد شبكة اتصالات ولا إسعاف ولا شرطة.. وإذا أصيب أحد عمالنا ننقله بسياراتنا
أما محمد عبدالمولى عطية، صاحب مركز «مولى كار» لصيانة السيارات، فيشير إلى حلول المنطقة الصناعية تم طرحها على المسئولين بالمحافظة وتمت مناقشتها والتى أعرب فيها المسئولون عن رغبتهم فى حل المشاكل المتعلقة بأزمة مياه الشرب والمواصلات ونقاط الإسعاف والشرطة، مشيراً إلى أنه اقترح تأسيس جمعية أهلية لمناقشة مشاكل المنطقة الصناعية بأسوان وتكون مكونة من 14 عضواً من أصحاب الورش والمصانع بالمنطقة، وأن يتم خلالها طرح حلول بعد الاستماع إلى عدد من أعضائها وأصحاب الورش والمصانع بالمنطقة، موضحاً أن إدارة المنطقة الصناعية من المفترض أن يكون لها مقر إدارى داخل المدينة الصناعية وأن يكون بها موظف ينوب عن الجهاز التنفيذى للمشروعات وأن ينوب عن الإدارة والهيئات الأخرى لتسهيل العمل داخل المدينة الصناعية.
ويضيف «عبدالمولى» أن هناك نحو 450 ورشة داخل المنطقة الصناعية تتراكم عليها الإيجارات ويتم تجميعها ويتم دفعها بالقاهرة، وهذه من الأمور المعقدة لبيئة العمل بالمنطقة الصناعية بأسوان، وأن الصناع بالمنطقة الصناعية كانوا يحلمون بالتنسيق مع المناطق الصناعية الأخرى لتطوير بيئة العمل الصناعية فى أسوان، إلا أن كثرة المشاكل بالمنطقة الصناعية جعلتهم يحلمون فقط بإزالة المعوقات ببيئة العمل العادية وحل المشاكل لا التطوير والتنسيق وتبادل التجارب والخبرات.
ويضيف صاحب مركز «مولى كار» لصيانة السيارات أن المنطقة الصناعية عبارة عن خليط من مشروعات خدمية وإصلاح معدات وسيارات وورش خراطة وتشكيل معادن ومصانع جرانيت، وأن هناك مصانع كبيرة، وكل هذا يحتاج متابعة مستمرة من إدارة المنطقة الصناعية ومراقبتها على أرض الواقع، إلا أن إدارة المنطقة الصناعية تقع أساساً خارج المنطقة الصناعية، بخلاف أنه ليس هناك نقطة شرطة فعالة وأنها حتى ليس لها سلطة عمل المحاضر، كما أن الوحدات الصحية لا تعمل حتى بعدما جمع أصحاب الورش تبرعات لها وكمية من الأدوية والأدوات التى تحتاجها، لكنها بالرغم من ذلك لم تعمل بل أغلقت، ولا يوجد فهرس للمدينة بحيث تعرف العنوان الذى تقصده بسهولة.
ويروى «ممدوح» معاناة المصنع فى الإنتاج، قائلاً: «المياه عنصر أساسى فى صناعتنا لأنى بجيب المادة الكيميائية بتكون عبارة عن بودرة وبيتم خلطها ثم إضافة المياه عليها، وبعد كده المكن يشتغل عليها خلط لحد ما نخرج المنتج النهائى وتعبئته، لكن المياه قاطعة طول اليوم بتيجى ساعة ولا ساعتين وبتكون بالليل وضعيفة فنضطر نشترى المياه ونخزنها، بخلاف إن الكهرباء ممكن تقطع فاجأة وده بيضر بالإنتاج لأن بعض مراحل التصنيع لا يمكن انقطاع الكهرباء عنها»، مشيراً إلى أن بعض المهندسين الكيميائيين يصيبهم الاكتئاب من العمل فى المصنع وسط أجواء المدينة الصناعية لما بها من مناظر إهمال وقمامة وعدم نظافة فى كل مواقع المنطقة الصناعية، لافتاً إلى أن المصنع يريد التوسع فى إنتاجه وتصدير كميات كبيرة إلى السعودية والأردن ودول مجاورة إلا أن بيئة العمل لا تسمح.
وأوضح مدير المصنع أنه حاول توسعة مصنعه وزيادة إنتاجه بعدما تقدم إليه أحد المستثمرين السودانيين وطالب بالتعاقد مع المصنع لتصدير المنتجات إلى السودان، إلا أن المشاكل الموجودة بالمدينة الصناعية تحول دون تطوير وزيادة إنتاجية المصنع، بسبب نقص المياه وعدم تمهيد الطرق، وكذلك التلوث البيئى الموجود بالمدينة بسبب مصانع الرخام، مشيراً إلى أنه يدفع رسوماً كبيرة للنظافة إلا أنها غير موجودة أساساً ولا يرى عمال النظافة ولا سياراتهم، منتقداً إهمال المسئولين للمنطقة الصناعية رغم كثرة الشكاوى التى تقدم لهم وانتشار حالات السرقة، معلقاً: «المصنع المجاور لينا السرقة تمت فى عز النهار، حرامية سرقوا بطاريات العربيات ومعدات وأسلاك كهرباء».