«طلعت حرب الابتدائية».. مبنى آيل للسقوط.. و«حيتان» يمنعون بناء «المجمع»
مقاعد المدرسة متهالكة تماماً والفصول غير صالحة للاستخدام وأسقفها بالأخشاب
بوابة صغيرة لا تتسع لدخول اثنين من التلاميذ معاً، تتوسط سور لا يزيد ارتفاعه على مترين، وفناء المدرسة المكونة من طابقين، لا يتعدى طوله 15 متراً وعرضه أقل من ذلك بكثير، تكسو أرضيته طبقة ملحية بسبب ارتفاع نسبة المياه الجوفية، ورغم أن المدرسة صارت آيلة للسقوط فى أى لحظة إلا أن الأهالى قاموا ببناء فصلين دراسيين على يمين الفناء، وغطوا سقفهما بألواح خشبية، ووضعوا فى وسط الفصل مروحة من الممكن أن تطير فى أى لحظة لتصيب أو تقتل طفلاً بريئاً بمجرد محاولة تشغيلها.
على يسار الفناء يوجد مبنى المدرسة الأساسى المكون من طابقين فقط، كل طابق 6 فصول، معظم المقاعد الخاصة بالطلاب متهالكة مما يضطر الطلاب إلى الجلوس على الأرض، أو أن يجلس كل 5 تلاميذ فى «تختة» واحدة متحدين الظروف، جدران الفصول بها الكثير من الشقوق وكأنها تجاعيد الزمن لأن المدرسة عمرها 40 سنة، وبسبب اتساع الشقوق يراقب التلاميذ من خلالها الشارع.
ولأن المدرسة التى سميت على اسم أكبر وأعظم اقتصادى مصرى، فإنها لم تعد تتحمل الأثقال، لذا اقترح أحد المعلمين بالمدرسة، أن يتم نقل تلاميذ الصفوف الأول والثانى والثالث الابتدائى إلى الدور الثانى، بينما يظل أطفال الصفوف الرابع والخامس والسادس فى الدور الأرضى، وبرر المعلم هذه الفكرة بأن الطلاب الصغار من المؤكد أن أوزانهم أقل وهو ما يقلل الحمل على الدور الأول، بينما الطلاب ذوو الأوزان الثقيلة يظلون فى الدور الأرضى.
المياه الجوفية تملأ الحوش.. والفصول مسقوفة بالخشب.. ودورة المياه غير آدمية.. وأولياء الأمور: «المدرسة مبنية بقالها أكتر من 40 سنة.. لازم تتزال»
عثمان على، أحد أولياء الأمور تحدث بنبرة كلها خوف وقلق على أبنائه الثلاثة، الذين ألحقهم بمدرسة طلعت حرب قائلاً: «أنا كل يوم بيعدى عليا وأولادى اللى فى المدرسة لسه بخير ومفيش حد جرى له حاجة باحمد ربنا، لأن المدرسة فعلاً مابقتش تستحمل أى حاجة، خصوصاً أن المدرسة مبنية بقالها أكتر من 40 سنة، وخلاص لازم تتزال». وتابع حديثه قائلاً: «للأسف مفيش مدرسة تانية قريبة أودى عيالى فيها، دى المدرسة الابتدائى الوحيدة اللى قريبة من بيتى، أقرب مدرسة على بعد 4 كيلو، بس المشكلة مش فى بُعد المسافة بس، المشكلة الأكبر أن الطريق اللى بيوصل للمدرسة التانية خطر جداً على الأطفال، خصوصاً أنهم لازم يعدوا على مزلقان القطر، ودى لوحدها مصيبة ممكن أى عيل القطر يدوس عليه، وكمان المدرسة اللى هناك لا تتحمل زيادة، الكثافة الطلابية عالية، ومدير المدرسة مش هيوافق إنى أنقل أولادى هناك».
جلست «أم إبراهيم» على بعد خطوات من نقطة الشرطة المقابلة لمبنى مدرسة طلعت حرب بقرية منسافيس، تتحدث عما يعانيه ابناها فى المدرسة قائلة: «رضينا بالهم والهم مش راضى بينا، يعنى راضيين أن أولادنا يخاطروا بحياتهم ويتعلموا فى مدرسة ممكن تقع عليهم فى أى وقت، وفى الآخر أصحاب المدرسة عايزين ياخدوها مننا».
مدرسة طلعت حرب أنشئت قبل 40 سنة على قطعة أرض مملوكة لأحد كبار القرية الذى توفى منذ نحو 20 عاماً، وتقاسم الورثة التركة، فقرروا أن يرفعوا قضية للحصول على الأرض التى أقيمت عليها المدرسة، وبالفعل حكمت لهم المحكمة بأحقيتهم فى الحصول على قطعة الأرض، وحاول الملاك تنفيذ الحكم ولكنهم لم يستطيعوا لأن الأهالى تدخلوا، ومنعوا التنفيذ، فقالت المحكمة يبقى الحال كما هو عليه. هذا ما قاله أحد أولياء الأمور بالقرية.
وتحدث الرجل عن هذه المشكلة قائلاً: «صاحب المدرسة مات والورثة عايزين ياخدوها طيب عيالنا تروح فين؟ مفيش مكان تانى، اعترضنا على القرار وبالفعل أصبح الحال كما هو عليه، لكن لغاية إمتى، وفى أى وقت ممكن مانلاقيش مكان للعيال تتعلم فيه، وليه الحكومة تترك أولادنا كدا من غير حل، هو إحنا مالناش حق فى البلد دى، لازم يكون فى نظرة للأماكن المحرومة من كل شىء، إيه ذنب ابنى مايلاقيش مكان آدمى يتعلم فيه».
5 سنوات قضاها الأهالى فى التردد على مكتب محافظ المنيا وجميع المسئولين لإيجاد حل لهذه المشكلة، خصوصاً أن هناك أراضى بمساحات كبيرة مملوكة للدولة ومن الممكن أن يبنى عليها مجمع مدارس وليس مدرسة واحدة، لكن هذه الأرض تحت يد الكبار ولا يستطيع أحد أن يقترب منها، بحسب أحد أولياء الأمور: «الأراضى كتير وممكن الدولة تبنى عليها مجمع مدارس مش مدرسة واحدة، بس علشان الأراضى دى تحت تصرف الناس الكبيرة والجامدة فى البلد مفيش حد قادر يقرب منها، مع العلم إننا بقالنا 5 سنين بنحاول نقنع المحافظة بكدا لكن مفيش حد حاسس بينا ولا عايز يساعدنا، ورحنا لأعضاء مجلس الشعب وبرضو ماعملوش حاجة، بالرغم من أن واحد منهم من أبناء القرية، ويمكن اتعلم فى المدرسة دى».
وقال أحد المدرسين العاملين بالمدرسة، إن هناك خطورة كبيرة تهدد حياة الطلاب بالمدرسة، والمياه الجوفية ترتفع فى بعض الأوقات فتملأ فناء المدرسة، موضحاً أن المدرسة لا يوجد بها سوى جهاز كمبيوتر واحد فقط، والتلاميذ لا يستطيعون أن يحصلوا على حقوقهم التعليمية داخل مدرسة آيلة للسقوط.
وأضاف أن الكثافة الطلابية داخل الفصول مرتفعة، مما اضطرنا إلى بناء فصلين آخرين من الطوب الأبيض وتم سقفهما بالخشب، موضحاً أن دورات المياه بالمدرسة لا تصلح إطلاقاً، بالإضافة إلى أن القرية لا يوجد بها صرف صحى مما يتسبب فى رفع المياه الجوفية بها، مطالباً بسرعة إيجاد بديل للخروج الآمن من مدرسة طلعت حرب قبل أن تقع على رأس من فيها من الطلاب والمدرسين.