أزهريون: النبى أقام دولة «العدالة» بالمدينة.. ونشر «العفو والسلام» بعد عودته لـ«مكة»
نصير
أكد علماء أزهريون أن هجرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم تأتِ لهوان بلده عليه، وإنما حفاظاً عليها من الدخول فى مناوشات قد تؤدى إلى حرب أهلية، مشيرين إلى أن النبى الكريم سعى لإقامة دولة العدالة فى المدينة التى هاجر إليها واحتضنته، وأنه بدأ عملية مصالحة جادة بين مكونات مجتمع المدينة، أبرزها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ووقف الحرب التى دارت رحاها على مدار عقود بين أكبر قبيلتين بها، وهما الأوس والخزرج، مشددين على أن موقف النبى بعد عودته إلى مكة، وهو فى منَعة وعزة، وعفوه عن كبار قريش الذين عذبوا المسلمين فى بداية الدعوة بمثابة تأكيد لمبدأ السلام الاجتماعى.
«نصير»: كلمات وداعه لمكة أسمى معانى السلام.. و«هلالى»: الهجرة قامت على السلام.. والإسلام لم ينتشر بحد السيف
وقالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، عضو مجلس النواب، إن كلمات الوداع التى قالها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وهو يترك مكة للهجرة إلى المدينة، رغم ما لقيه من أذى فى مكة تدل على أسمى معانى السلام، حيث قال عنها: «أما والله لأخرج منك وإنى لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى ما خرجت».
وأضافت «نصير» لـ«الوطن»: «لا يمكن أن نخفى أن السلام الأعظم كان عند الفتح الكبير، حين عاد رسول الله إلى مكة، بعد أن اشتد عود الدعوة، وساد الهلع بين قريش خوفاً من انتقامه، وسألوه: (ماذا أنت فاعل بنا يا محمد؟ ليرد الرسول: لا تثريب عليكم)»، مؤكدة أنه لا يوجد سلام أكثر من هذا، فبالرغم من الأذى والمطاردات التى لاحقت محمداً، إلا أنه كان متسامحاً، رغم القوة التى عاد بها إلى مكة، وهذا الأمر يحتاج إلى تعمق حول السلام الاجتماعى الذى زرعه سيد الخلق بينه وبين أعدائه فى مكة.
وتابعت: «الشعب المصرى ليس شعباً عدوانياً، وإنما محب للسلام، ولكن عند الغضب حدّث ولا حرج عن أفعاله»، متمنية أن يبحث الجميع عن السلام لنجده بيننا، من كل الطوائف والديانات والمذاهب، قائلة: «الأفعال المتطرفة التى تحدث أحياناً ضد الإخوة المسيحيين أو المذاهب المختلفة، فهذا ضد هوية وطبيعة الإسلام، ولكم فى سلوك رسول الله درس، على الجميع أن يتعلم منه».
وقال الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: «إن حضارة الإنسانية تتنامى بتدافع الإنسان مع أخيه الإنسان، والانتفاع بتراكم المعرفة، وعلى ضوء تلك الحضارة وصلت الإنسانية إلى أن تلتزم بالسلام فى التعامل فيما بينها، وأن يتم حل المنازعات بالطرق السلمية، وهذه الرؤية الإنسانية هى الحق الذى يجب أن يراه أصحاب الأديان، بل الأوْلى أن يكونوا قد رأوه فى دينهم لأن أصل الدين السلام، سواء الدين الإسلامى أو المسيحى أو اليهودى، فأصل الدين عند الله هو علاقة سلام ومحبة».
وأضاف «هلالى»، لـ«الوطن»: «أصحاب الخطاب الدينى فى قراءتهم لأديانهم سيجدون أن الدين سلام ومحبة، وعندما يبحثون فى التراث الخاص بهم سيجدون ما يخالف السلام والعلاقة الأمينة مع الغير من البشر، مهما اختلفوا فى الدين أو الجنس، وعليهم أن يعيدوا قراءة التراث، ويعلموا أن الحق فى الفكرة وليس فيما كُتب فى التراث، وهذا آخر ما وصلنا إليه».
وتابع: «عند قراءة الكتب التى تناولت هجرة الرسول سنجد أن الهجرة قامت على السلام، حيث إن محمداً لم يواجه المشركين فى مكة، وكان فى مكنته أن يواجههم بما يعرف بالعمليات الإرهابية أو الجهادية، ولكنه ترك لهم كل شىء وهاجر من أجل أن يقول إن الدين علاقة محبة وسلام، وليس تحت وطأة السلاح أو السيف».
من جانبه قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر: «هناك العديد من الأمور الدقيقة فى حادثة الهجرة النبوية الشريفة، ظاهرها أن النبى محمداً ترك وطنه، ولكن فى باطن وواقع الأمر فإن تركه لوطنه كان حفاظاً عليه»، متسائلاً: «ماذا لو كان دخل النبى فى مناوشات داخل وطنه؟ أليس فى ذلك تضييعاً للوطن؟».
وأضاف «كريمة»: «بإبلاغ النبى للدين فى المدينة، قضى على القبلية والعصبية المجتمعية، وذلك بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد شكّل ذلك دعامة اجتماعية تقوم على أداء الواجبات وحفظ الحقوق»، مؤكداً أن دستور المدينة الذى تكوّن من 54 مادة، هو أسبق من دساتير حقوق الإنسان، حيث تكفّل بالحياة الآمنة لكل الناس على اختلاف معتقداتهم وألسنتهم، وحرية الاعتقاد والتنقل والتملك.
وتابع: «عقد الإسلام معاهدات سلمية مع قبائل اليهود (بنى قينقاع، بنى النضير، بنى قريظة) التى كانت تعيش فى المدينة، وهذا يدل على أن الإسلام لم يأت من أجل الإبادة ولا لهدم الآخرين، بل أقرهم على دينهم، ولقد كان رسول الله يصوم يوم العاشر من محرم، احتفالاً بنجاة سيدنا موسى من عدوه»، مؤكداً أنه لا يوجد فى التاريخ الدينى ولا الإنسانى مثل هذا النموذج فى التسامح الدينى، وعندما دخل محمد إلى مكة بعد 10 سنوات من الهجرة أعطى الأمان والأمن والسلم والسلام لأهلها.