أبطال على «قضبان الموت».. من أجل عيون «الغلابة»
صورة أرشيفية
كوارث محققة، كادت تُخلِّف العشرات من الضحايا، لولا العناية الإلهية، ووجود رجال على قدر المسؤولية، قلما وجدوا في تلك المواقف، غامروا بأرواحهم، وبكل ما ملكوا من قوة تسارعت خطاهم في سباق مع الزمن، لمنع حادث جديد في سلسلة حوادث سكك حديد مصر، في محاولة لوقف نزيف القضبان، وإنقاذ أرواح المئات من الركاب، كل ما يطلبونه وسيلة مواصلات رخيصة وآمنة، ليجسدوا معاني الشهامة والبطولة على القضبان.
على رصيف محطة سمالوط بالمنيا، جسَّد أحمد فضل مرعي، ناظر المحطة، بطولة حقيقية في مايو من العام الماضي، بعدما وجد نفسه أمام قطار محمَّل بأطنان من المحروقات، وإحدى عرباته مشتعلة في مشهد يُنبئ بكارثة حقيقية، وحريق يلتهم مئات المنازل المجاورة لشريط القطار، فقرر التدخل لإنهاء الكارثة قبل حدوثها، وبسرعة شديدة توجه هو ومساعد البلوك، وفصل العربة المشتعلة بنفسه، وبحسب قوله لـ«الوطن»، «النار طارت ومسكت في جسمي» إلا أنه أصر على إكمال المهمة للنهاية، فألقى بنفسه في الرمل ليطفئ النيران المشتعلة بجسده حتى قام مرة أخرى لإبعاد العربة المشتعلة عن باقي عربات القطار.
دقائق مرت كالسنوات على ناظر المحطة رأى فيها الموت أمام عينيه، إلا أنه لم يتردد لحظة على ما فعله رغم الأذى الشديد الذي تعرض له، وبصوت يملؤه الفخر يقول: «أنا كان همي كله إنقاذ أكتر من 450 بيت قريب من شريط القطر، النار مسكت في جسمي ومش ندمان، الحمد لله ربنا قدرني على المهمة».
حروق بالغة في أنحاء جسده، هذا ما تكبده «البطل» من معاناة دامت لعام ونصف العام تقريبا، فلم يستطع بعد نجاح مهمته سوى الصراخ وطلب المساعدة من الجموع، التي اصطفت لمشاهدة العمل البطولي، وعلى الفور نقله شاب على «توك توك» إلى أقرب طبيب ليكتشف هناك أن إصابته خطيرة، ليصدر قرار عاجل بنقله عبر الإسعاف لمستشفى المنيا، لتلقي العلاج اللازم، تحت إشراف كبار الأساتذة هناك، «علاجي بالكامل كان على نفقة الدولة، وطول فترة الإجازة تابع حالتي مدير مستشفى القوات المسلحة في حلمية الزيتون بالقاهرة، ومكنش بيقصر معايا أبدا»، وحتى صدر تقرير اللجنة الطبية بسلامته وقدرته على العودة للعمل، موجها شكره للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي اهتم بحالته من البداية حتى الشفاء.
البطولات تتواصل، فسجَّل 23 أغسطس الماضي، بطولة جديدة لسائق القطار رقم 152، عبدالرازق محمد علي، ومساعده علاء رجب، بعدما أنقذا الركاب على متنه أثناء رحلته من الجيزة إلى الفيوم، وتمكنا من الفرملة السريعة والوقوف قبل تصادمهما بجرار زراعي يجر مقطورة، يعبر السكة الحديد من مكان غير معد للعبور، بالكيلو 35 ما بين البدرشين والمرازيق.
يقول علاء لـ«الوطن»: «لمحت مقطورة متحملة تراب من بعيد على شريط السكة الحديد معارضة للخطين اللي رايح أسوان واللي راجع منها، كان لازم نتصرف ونمنع الكارثة، وخلال ثواني كلمت مراقب برج البدرشين قلت له وقف الخطين، لأن كان في قطر 89 مكيف جاي من أسوان، كانت هتحصل كارثة كبيرة، والحمد لله حجزوه، ووقفوا حركة الخطين لحد ما أخلوا الطريق، وانتظمت الحركة تاني».
450 مترا هي المسافة التي قطعها إسماعيل سيد إسماعيل (40 عاما، عامل المزلقان بمحطة قلوصنا) جريا على قدميه فوق أرض غير ممهدة مليئة بالزلط والرمال، رافعا العلم الأحمر، الذي يستخدم للفت انتباه السائق بوجود خطر، فور تلقيه مكالمة هاتفية من ملاحظ بلوك مركز مطاي يخبره بوجود عربة محملة بالرمال معطلة على شريط السكة الحديد بالمزلقان قبل دقائق من وصول القطار القادم من القاهرة في طريقه إلى أسوان، «سيبت التليفون من إيدي وجريت على الزلط من أول المزلقان في اتجاه القطر اللي جاي، ورفعت الشارة الحمرا وحطيت كبسولتين على الشريط، عشان صوتهم ينبه السواق، والحمد لله لما انفجرت الكبسولتين سواق القطر قلل السرعة، ومنعنا كارثة كان هيروح فيها أعداد كبيرة».
أصيب «إسماعيل» بجروح في قدميه وآلام في ظهره جراء هرولته على شريط السكة الحديد لمنع الحادث، في مطلع سبتمبر الجاري، «كان كل تفكيري، إني ألحق القطر قبل ما يخبط في العربية بأي شكل وطريقة»، مشيرًا إلى تكريمه من الهيئة تقديرا لشجاعته، «الحمد لله اتكرمت بشهادة تقدير ومبلغ مالي، لكن التكريم الأكبر، إني أنقذت أرواح الناس».