تخبر إحصاءات الدول عن ملامح حالتها الاقتصادية وطبيعة سكانها والأطر الثقافية التي تحيطها، وتكشف ديموغرافية السكان عن نسب التعليم والأمية والبطالة، وهو ما يظهر في تعداد مصر 2017، إلا أن العودة لصفحات التاريخ في مصر، تتضمن ما هو أبعد من الخصائص الديموغرافية للمواطنين.
وتكشف الإحصاءات القديمة، الكثير من التحولات الاجتماعية التي طرأت على تركيبة السكان في مصر، أجناس خرجت، وأخرى اختفت وثالثة غيرت موقعها في المجتمع، فلاحون صاروا موظفين وصناع، وبدو ألفوا بيئة المدينة، وغيرها الكثير من التحولات.
وشهده العام 1879 إجراء إحصاء بواسطة الاحتلال الإنجليزي، غير هذا الذي جرى في عهد محمد علي، حيث أورد اللورد كرومر، في كتابه "مصر الحديثة" الصادر عن المركز القومي للترجمة، النتائج التفصيلية لهذا الإحصاء.
وبلغ أعداد المواطنين المصريين 9 ملايين و8 آلاف مواطن، أما المواطنون غير المولودين في مصر لكنهم ولدوا في مناطق أخرى بالإمبراطورية العثمانية 40 ألف مواطن، فيما بلغت عدد البدو شبه المستقرين 485 ألف نسمة، إضافة إلى 88 ألف نسمة من البدو المترحلين.
أما إجمالي التعداد، فوصل إلى 9 ملايين و600 ألف نسمة، بالإضافة إلى 113 ألف من رعايا الدول الأوروبية، ويعيش كل هذا العدد في 8 ملايين من الأفدنة.
ويصف اللورد كرومر، التركيبة الاجتماعية للشارع المصري على ممثلة في 10 أشخاص، فيقول إن السائر الأول لابد أن يكون فلاحا مصريا جاء من قريته ليبيع منتجاته البستانية، وأن السائر الثاني فإن غطاء رأسه وملابسه وأنفه المعقوف يجعل من السهل التعرف عليه كواحد من البدو الذين يأتون إلى القاهرة لشراء ذخيرة بنادقهم، بينما الثالث لابد أن يكون كاتبا قبطيا في أحد المكاتب الحكومية، وهي غليظ الشفاه، ضئيل الحجم وحالم.
ويكمل: "السائر الرابع الذي يحدق من عربة مارة يجرها حصان متعاليا ويحمل وجهه شاربا كثا، ربما يكون باشا مصريا أو تركيا، والرجل الخامس، قاسي الملامح، الأنيق والجريء الذي يرتدي ملابس فضفاضة وحذاء برقبة لابد أن يكون شركسيا، أما السادس فهو مرابي سوري يبيع ممتلكات الشركسي في السوق".
ويواصل وصفه للتركيبة الاجتماعي في مصر نهاية القرن التاسع عشر، أن السائر السابع في الطريق، هو الشيخ الورع صاحب العمامة الخضراء والسحنة المحترمة، وربما يكون في طريقه إلى جامعة الأزهر.
الثامن لابد أن يكون يهوديا أتى لتوه من جولة آسيوية ومعه مجموعة من المطرزات، بينما التاسع هو رجل مشرقي لا يمكن وصفه، أما العاشر فهو بالضرورة واحد من التجار الصغار الذين تزخر اليونان بهم، ويمكن العثور عليهم في سائر الأنحاء العثمانية.
ولا ينتهى الأمر عند هذا الحد، فإلى جانب العشر فئات الأساسية، فإن هناك التونسيين والجزائريين والمالطيين والسودانيين ولكن بنسب أقل من العشرة السابق ذكرهم.
تعليقات الفيسبوك