«صوت القاهرة»: الإهمال والقرصنة الإلكترونية يوقفان مسيرة الإبداع
مسلسل «حدود الله»
«صوت القاهرة» إحدى شركات الهيئة الوطنية للإعلام، والتى أصدرت إبان مجدها روائع عمالقة الطرب فى الوطن العربى أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، بالإضافة إلى أشرطة كبار قراء إذاعة القرآن الكريم، باتت مهددة بالإفلاس، نتيجة لمعاناتها من سنوات الإهمال التى تعاقبت عليها فى الفترة الماضية، فى ظل انخفاض ساعات الإنتاج وتراجع الموارد المالية.
أنشئت «صوت القاهرة» فى يناير 1964، وفى عام 1977 صدر قرار رقم 139 من وزير الإعلام حينها، بتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية، تابعة للهيئة الوطنية للإعلام، برأس مال 250 ألف جنيه، وبلغت ميزانيتها فى عام 2010، 64 مليوناً و320 ألف جنيه، وهى كيان شامل مختص بفنون الإنتاج الفنى، وتهدف إلى تقديم رسالة إعلامية ترتقى بالوجدان المصرى والعربى.
وتضم الشركة قطاعات الإنتاج الدرامى وأعمال الأطفال والمسرحيات والفوازير، إذ أنتجت فى مسيرتها التى امتدت لأكثر من خمسين عاماً 3000 مسلسل، من بينها 10% بنظام الإنتاج المشترك.
مسئول سابق بـ«الشركة»: تراجع إنتاج المواد الصوتية أثر على مواردها.. والدراما الدينية توقفت بسبب عدم الإقبال عليها.. ومصنع «الشرائط» يحتاج 30 مليون جنيه لتطويره
وفيما يتعلق بالإنتاج الغنائى، فكانت تهدف «صوت القاهرة» من خلال شرائطها للارتقاء بوجدان المستمع وتنمية حاسة الذوق الفنى الرفيع لديه، من خلال إنتاجها أغنيات لكبار المطربين المصريين والعرب أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم، ووردة وصباح ومحمد فوزى وشادية وسعد عبدالوهاب، وغيرهم من رواد الطرب الأصيل.
وتقوم «صوت القاهرة» بإصدار مصاحف إلكترونية لكبار قراء القرآن الكريم فى مصر، كما تقدم خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى، بالإضافة إلى وسائط تضم تلاوات وابتهالات الشيخ محمد جبريل، وعبدالباسط عبدالصمد، وأحمد نعينع، ومحمود خليل الحصرى، كما أنتجت الشركة العديد من البرامج الدينية مثل «فى رحاب السنة»، «فى رحاب آية»، «مواقف إنسانية»، «موسوعة الفقه الإسلامى»، «من وصايا الرسول»، «السيرة النبوية»، «شعب الإيمان»، «من سيَر التابعين».
وتمتلك الشركة وكالة صوت القاهرة للإعلان، وملحق بها مركز متطور لأعمال الحاسب الآلى والجرافيك والخدع المرئية، لتقديم الخدمات الإعلانية للوكالة وغيرها، وهو ما يسهم فى زيادة إيراداتها، كما تحتوى على مصنع لإنتاج وطباعة أشرطة الكاسيت الصوتى، بالإضافة إلى مطبعة فى الإسكندرية لإنتاج الأغلفة الخاصة بالشرائط بأعلى جودة عالمية، ومزودة بأحدث تكنولوجيا لإصدار أشرطة القرآن الكريم لمشاهير القراء، وعلاوة على الأحاديث الدينية والمنوعات الغنائية والموسيقية.
«العمرى»: الشركة تنفق على نفسها من إيراداتها.. ونحتاج فترة زمنية لاستعادة نشاطنا الدرامى
ويحتوى القطاع التجارى بشركة صوت القاهرة على 42 منفذاً فى الميادين الرئيسة بجميع محافظات الجمهورية، لبيع الإصدارات الدرامية والدينية والغنائية، إلى جانب فرعين لتوزيع الأجهزة الكهربائية للعاملين فى الهيئة الوطنية للإعلام والشركات التابعة لها، أحدهما فى ميدان التوفيقية، والآخر داخل مبنى ماسبيرو.
وفى سياق متصل، أكد مسئول سابق بشركة صوت القاهرة لـ«الوطن»، أن الشركة تحتاج لمراجعة القوانين التى تحكم العمل بها، حتى تتخلص من أزماتها المتعددة والمتشعبة: «الإنتاج المرئى والمسموع اختلفت معاييره ولم يعد التليفزيون المصرى بأذرعه الإنتاجية قادراً على المنافسة، فى ظل تزايد شركات الإنتاج المرئى التابعة للقطاع الخاص».
وتابع: «تراجع إنتاج المواد الصوتية أثر بشكل كبير على موارد الشركة، على الرغم من امتلاكها مصنعاً لإنتاج شرائط الكاسيت، الذى اختفى فى الوقت الراهن نتيجة لانتشار ظاهرة القرصنة الإلكترونية، ولهذا نحتاج إلى 30 مليون جنيه لتطوير المصنع حتى يواكب الوسائل المتاحة لإنتاج المواد المسموعة، مع الأخذ فى الاعتبار أن الشركة تحتوى على 1600 موظف، فمن أين نأتى بموارد مادية؟ خصوصاً أننا نعتمد على التمويل الذاتى، فالأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، بسبب الخسائر الكبيرة التى تتعرض لها الشركة منذ 15 عاماً».
وأضاف: «تدهور قطاع الإنتاج الغنائى بـ(صوت القاهرة) بسبب احتكار الشركات الخاصة عدداً كبيراً من النجوم، الذين تغدق عليهم ملايين الجنيهات، بالإضافة إلى الشركات العربية التى تتعاقد مع المطربين المصريين والعرب وتسدد أجورهم بالدولار، وبعد تدهور صناعة الكاسيت أصبح المصنع التابع للشركة يعمل بطاقة منخفضة، كما أن أشرطة رواد الغناء المصرى والعربى، أمثال عبدالوهاب ووردة وشادية وفايزة أحمد وغيرهم، لم تعد مطلوبة من الجمهور، خصوصاً أنها متوفرة على الكثير من المنتديات والمواقع الغنائية على الإنترنت».
وأشار إلى أن قطاع الإنتاج الدرامى بالشركة يعانى من تدهور شديد، فلم تعد القنوات ترغب فى شراء إصداراتها التى تخضع لرقابة صارمة، وتحذف جميع المشاهد غير اللائقة والألفاظ الخارجة وأعمال البلطجة: «جميع أعمال الشركة تهدف لبث روح الانتماء والترابط الأسرى، ولكن لا تلقى اهتماماً من قبل الفضائيات، وتعرض على شاشات ماسبيرو فقط، لهذا أصبحت الشركة فى الأعوام الخمسة الماضية تعتمد على الإنتاج المباشر حسب الإمكانيات المالية المتاحة لها».
ونوه بأن شركة صوت القاهرة لم تعد تنتج المسلسلات التاريخية والدينية، لعدم الإقبال عليها من قبل القنوات الفضائية: «نحن بحاجة إلى دعم الإنتاج المصرى بأداء مهنى يتناسب مع الفترة التى تعيشها مصر بعد الثورة، بضخ أموال لتعظيم صناعة الدراما وتطوير المواد الصوتية، فقطاع التسويق يعمل بإمكانيات محدودة، فى ظل ارتفاع أجور الفنانين بشكل كبير، حيث يتقاضى أقل نجم 5 ملايين جنيه، أى ما يعنى نصف ميزانية المسلسل الواحد».
وعن تطوير مصنع الإسكندرية، أضاف: «طلبنا أكثر من مرة تغيير نشاطه بعد تدهور صناعة الكاسيت ولكن دون جدوى، كما ناشدنا أيضاً بتطوير المطبعة وتحويلها لجهاز إلكترونى، ولكن المشروع يحتاج لميزانية كبرى، كما أن الشركة تكبدت خسائر مالية بسبب بيع الأدوات الكهربائية للعاملين، لأن قوانينها تمنع البيع إلا لموظفى (الوطنية للإعلام) بنظام الأقساط البنكية دون مميزات أخرى، وعلى الرغم من ذلك فهم يفضلون التعامل مع المحال التجارية بالقطاع الخاص».
واستطرد: «وكالة صوت القاهرة هى الوكيل الإعلانى لقنوات وإذاعات الهيئة الوطنية للإعلام، كما أن لديها الكثير من المديونيات الخارجية المستحقة على الوكالات الخاصة والشركات الإعلانية بمبالغ تتعدى 35 مليون جنيه، وما زال هناك الكثير من القضايا المقامة لمطالبتهم برد الأموال فى المحاكم الاقتصادية، وبالنسبة لهروب الإعلانات من التليفزيون فنحن يحكمنا سقف السعر الإعلانى، وهناك أيضاً مشكلة كبيرة تتمثل فى عدم قدرتنا على دفع عمولات لجالبى الإعلان، وهو ما يجعلهم يفضلون العمل مع الوكالات الخاصة».
ومن جانبه، قال سعد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة صوت القاهرة الأسبق، إن الشركة تمتلك كل المقومات لكى تعود للإنتاج الدرامى ما عدا نية الإنتاج نفسها: «الاستديوهات والخبرات المتمرسة موجودة، ولكن الشركة تفتقد التمويل المالى وقناعة الإدارة بماسبيرو بأن (صوت القاهرة) ابنة شرعية لها، وأنا شخصياً مررت بظروف قاسية حتى أستطيع التوفيق بين القطاع الاقتصادى المالك لأسهم الشركة والمسئولين بها».
وتابع: «وجدت أن عدم التوافق بينهما موجود منذ أن كانت الشركة تملك كل استديوهات الدراما فى ماسبيرو، والتى انتقلت بعدها إلى خارج المبنى، ووقعت بروتوكولاً مع القطاع الاقتصادى لإنتاج 200 ساعة درامية سنوياً، وما زال العمل به سارياً حتى الآن، إلا أن التمويل تم إيقافه».
ولفت إلى أن قطاع التسويق يمتلك فروعاً للبيع، إلى جانب الإنتاج الغنائى للمطربين المصريين والعرب، أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم ورشدى والأطرش ووردة وفايزة وشادية، بالإضافة إلى توزيع إصدارات الإذاعة المصرية ممثلة فى تسجيلات كبار القراء عبدالباسط عبدالصمد، ومصطفى إسماعيل ومحمود الحصرى ومحمود البنا ومحمد صديق المنشاوى، وغيرهم.
وأكد أن الشركة تعانى من قلة الرواد على الرغم من امتلاكها 42 فرعاً منتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية: «الشركات العربية والأجنبية يحتكرون الشباب ويتعاقدون معهم بملايين الجنيهات، كما أن القرصنة الإلكترونية ووسائل الميديا الحديثة أتاحت المصنفات الفنية على الإنترنت».
وأعرب عن أمله فى إصدار صحيفة إعلانية وتنفيذ مشروع المطبعة الإلكترونية على أعلى مستوى، بحيث تخدم أهداف الشركة والهيئة الوطنية للإعلام، بدلاً من الاعتماد على المطبعة القديمة التى خرجت من الخدمة منذ زمن، مطالباً بتطوير استديو «الجيب» وتوظيفه فى البث التليفزيونى وإذاعة (fm): «كل هذه المشروعات موجودة ولديها دراسات جدوى، وأعتقد أنها فى عقل الأستاذ العمرى، وإن شاء الله يستطيع تنفيذها، فهو مخرج كبير وإعلامى واعٍ ويعمل على إنقاذ الشركة».
وتحدثت «الوطن» مع المخرج محمد العمرى، رئيس شركة صوت القاهرة، الذى قال إن قطاعات الإنتاج الحكومى المتخصصة فى الدراما التليفزيوينة تواجه أزمة حقيقية فى مسألة التمويل، بسبب عدم حصولها على الدعم المادى الذى كانت تحصل عليه من وزارة المالية، منوهاً بأن الشركة تنفق على نفسها من إيراداتها فى الوقت الراهن، سواء فيما يتعلق بمتطلباتها أو رواتب موظفيها، مؤكداً أنها تحتاج إلى فترة زمنية حتى تستعيد نشاطها الدرامى، وتجاوز الأزمة التى تعانى منها.
وأضاف «العمرى»: «نعمل على زيادة نشاط الشركة من خلال إبرام العقود مع قيادات الصندوق الاجتماعى للتنمية، لإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية، تبرز الإنجازات المصرية ومشروعات حماية جوانب نهر النيل حتى تفتخر بها الأجيال المقبلة، وذلك فى إطار التعاون المثمر بين وكالة صوت القاهرة للإعلان والصندوق».
تابع: «الشركة لديها مديونيات متراكمة منذ عام 1999، وصلت إلى ما يقرب من 200 مليون جنيه، لهذا فإننا نسعى لتقليل المصروفات وتوفير الموارد، وبدأنا فى جدولة مديونياتنا لمصلحة الضرائب، وجارٍ حالياً تأسيس وحدة لترجمة إصدارات الشركة المرئية، بما يشمل التراث الدينى وخطب الإمام الشعراوى، لبيعها لجميع دول العالم باللغتين الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى العمل على أرشفة التراث الغنائى على طريقة الديجيتال، من أجل بيعه والتوسع فى تطويره».
وأردف: «مستمرون فى التعاون مع نقابة الموسيقيين، فيما يتعلق بإنتاج ألبومات لأصوات غنائية شابة جديدة يتم اكتشافها وتقديمها لأول مرة من خلال الشركة، كما أننا نسعى لإعادة توزيع الأغنيات من أجل الحفاظ على التراث، وتطويعها مع متطلبات العصر لكى يتناسب مع أذواق الشباب»، مشيراً إلى أنه بدأ فى التعاقد مع شركات طيران أخرى، بجانب «مصر للطيران» والتى يتعاون معها منذ فترة طويلة، لبيع تراث «صوت القاهرة» لها، فضلاً عن افتتاح إدارة تسويق جديدة فى بلدان المغرب العربى.