رجال «المظلات».. بطولات زلزلت صفوف العدو
«المظليون» قاموا بمهام قتالية عالية خلال حرب أكتوبر 73
هؤلاء الرجال ليس للخطأ مكان لديهم، فقد تم اصطفاؤهم من بين رجال القوات المسلحة لقدرتهم على المهارات القتالية العالية بذكاء واقتدار، ما أحدث اهتزازاً فى القدرات الدفاعية للعدو، فهم يستطيعون بثبات ودقة محسوبة أن يبلغوا الهدف لتنفيذ مهامهم ببسالة واقتدار.. إنهم رجال وحدات المظلات.
ولأن حرب أكتوبر المجيدة كانت وستظل علامة مضيئة فى تاريخ العسكرية المصرية العريقة، فلقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات فى أن تكون مفتاحاً لنصر مبين. وأثناء الفترة التحضيرية لمعركة العبور التى خاضتها الوحدات المقاتلة فى 6 أكتوبر عام 1973، كان ثمة تخطيط علمى دقيق لاستخدام وحدات الإبرار الجوى فى العملية الهجومية الاستراتيجية لتحرير سيناء، بالإضافة إلى الاستعداد للقيام بتأمين الأهداف الحيوية أثناء التمركز ضمن قوات المنطقة المركزية العسكرية، مع وجود وحدة لها فى مطار شرق القاهرة، للعمل كاحتياطى لتنفيذ أى مهام بالإسقاط، إلى جانب قيام إحدى الوحدات بالإبرار فى المنطقة الحتمية للهجوم وتدمير آليات العدو ومنعه من التقدم.
اثنان من «صائدى الدبابات» التابعين لـ«المظلات» دمرا أكثر من 60 دبابة معادية خلال الأيام الأولى لحرب أكتوبر
وكان لوحدات المظلات دور مهم فى خطة الخداع الاستراتيجى للعدو الإسرائيلى أثناء الإعداد لعملية العبور، كما كانت هناك العديد من التحركات للوحدات المنفذة لتأكيد هذا الخداع، هذا بالإضافة إلى مهام التأمين ضد أية ردود فعل عدائية أثناء عبور قواتنا من سيناء، بالتزامن مع وجود كتيبة هاون فى القنطرة غرب وفى منطقة الفردان، بما يعكس أن القيادة العامة للقوات المسلحة ارتأت آنذاك أهمية تأمين كل الجبهات والمناطق الحدودية قبل وأثناء سير المعركة، كما تولت وحدات مظلية أخرى عمليات الهجوم وتدمير قوات العدو فى مضيقى «متلا والجدى»، والاستيلاء عليهما وتأمينهما لتسهيل تقدم قواتنا ومنع تقدم العدو من خلالهما.
ولعبت عناصر المقذوفات دوراً محورياً فى صد الهجمات المضادة المعادية بعد عبور القوات ممن عبروا ضمن الموجات الأولى فى نطاق الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، وحتى 18 أكتوبر، فقد تولت وحدات المقذوفات صد وتدمير ما يزيد على 118 دبابة للعدو الإسرائيلى، حيث كان من ضمن تلك القوات فردان مقاتلان ممن عرفوا بـ«صائدى الدبابات»، حيث دمر كل منهما أكثر من 30 دبابة معادية.
ومع الموجة الأولى للعبور، انتقلت الوحدات الفرعية الصغرى للكتيبة مع الوحدات الملحق عليها، لمعاونتها فى الاستيلاء على النقاط القوية وتأمين رؤوس الكبارى ضد هجمات العدو المضادة، واستمرت الكتيبة فى تنفيذ مهامها القتالية لصالح التشكيلات ووحدات شرق القناة إلى أن حدثت الثغرة وأعيد تجميع الكتيبة فى قيادة الجيش الثانى للعمل مع الصاعقة على تدمير دبابات العدو التى تحاول التقدم فى مدينة الإسماعيلية.
وكلما تحدثنا عن حرب أكتوبر المجيدة، تذكرنا الثغرة والبلاغات القتالية للعدو عن خسائر قواته نتيجة للمقاومة العنيفة من رجال المظلات المصرية هؤلاء الرجال الذين كان لهم دورهم البطولى منذ أن بدأت هذه «الثغرة» إلى أن تم الفصل بين القوات وانسحاب إسرائيل من غرب القناة.
«السادات»: وحدات المظلات قامت بمهام قتالية من أمجد المعارك.. وكل معركة تحتاج لـ«مجلدات» لتسجيلها
وأعطيت هذه المهمة لكتائب اللواء فى الساعة العاشرة صباح يوم 8 أكتوبر، بالهجوم على المصاطب المحاذية للقناة وتأمينها والوصول إلى مطار «الدفرسوار» على طريق القناة، كما تحرك باقى اللواء على الطريق الترابى المحاذى للترعة الحلوة فى اتجاه سرابيوم إلى محطة الفتح لتأمينها بالتعاون مع الأدلاء من أبناء سيناء الشرفاء.
وقامت إحدى الكتائب بالتحرك بمحاذاة القناة، وطهرت المصاطب حتى وصلت إلى المصطبة الأخيرة والتى كانت العدو قد جهزها هندسياً، وكثف الألغام حولها وأنشأ بها نقاطاً شبه حصينة، وبذلت محاولات شتى للاستيلاء على هذه المصطبة، وكانت كل محاولة يسقط فيها عشرات من الشهداء إلى أن طلب قائد السرية القائم بالمحاولة الأخيرة قصف الموقع بالمدفعية، ثم صدرت الأوامر بتعديل أوضاع الكتيبة، لتحتل أحد الخطوط الحيوية فى العمق.
وصدرت الأوامر فى الثانية من ظهر يوم 16 أكتوبر بتحرك كتيبة «قحم جو» تابعة للجيش الثانى للعمل مع إحدى الفرق الميكانيكية ودفعت الكتيبة إلى منطقة مطار الدفرسوار بمهمة القضاء على العدو هناك والتى كانت تقدر بـ7 دبابات، ولكنها فوجئت بقوة العدو نحو 50 دبابة فى منطقة المطار، فاشتبكت مع أعداد منها، فقام العدو بتركيز نيرانه عليها، فتم سحبها وأعيد تجميعها بعد حصر العدو وتطويق الثغرة، فى حين قامت كتيبة أخرى تابعة للواء باحتلال مواقعها جنوب محطة سرابيوم ودفعت دورية الاستطلاع أكدت وجود تجمعات للعدو مدرعة أمام الكتيبة وأبلغت عنها.
وفى صباح 19 أكتوبر سنة 1973 قام العدو بالهجوم على موقع الكتيبة، فأسقطت فصيلة الدفاع الجوى طائرتى «ميراج»، فقام العدو بقذف مركز بالمدفعية على موقع الكتيبة أتبعه بهجوم بدبابات العدو من عدة اتجاهات، وكانت معركة ضارية تكبد فيها العدو 11 دبابة و6 عربات مدرعة، بالإضافة إلى خسائر كبيرة فى الأفراد والمعدات فى معركة غير متكافئة وقاتلت الكتيبة بشراسة إلى أن استشهد قائدها المقدم فطين عبدالوهاب، ومعه 8 ضباط وعشرات الصف والجنود بالإضافة إلى أعداد من الجرحى خلال التمسك بالأوضاع الدفاعية للكتيبة، حتى تم إمداد الوحدات الفرعية بالذخائر والاحتياجات تحت ضغط العدو الجوى والبرى.
وفى 25 أكتوبر، كُلف لواء المظلات بدفع عناصر لـ«تلغيم» بعض قواعد الصواريخ القريبة ولـ«تلغيم» بعض المدقات التى يستخدمها العدو داخل الثغرة، كما كان لعناصر القناصة والأسلحة المضادة للدبابات دور فعال فى إيقاع الخسائر بالعدو، استعداداً لتنفيذ خطة التعامل مع الثغرة وألغيت المهمة بانتهاء مباحثات السلام وفصل القوات، وتقديراً لما حققه رجاله من بطولات تم تكريم العديد من رجاله، كما حصل قائدة العقيد نبيل سالم على نوط الواجب العسكرى.
كانت تلك هى المصاعب والمهام التى فرضتها ظروف القتال على وحدات المظلات، ورغم هذه المصاعب التى واجهتها، فقد أثبتت النتائج أنهم «رجال المهام الصعبة». وخير دليل على ذلك ما قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء منحه وسام نجمة الشرف العسكرى لقائد القوات العميد أركان حرب محمد حسن عبدالله، حيث قال «السادات»: «لقد قامت وحدات المظلات بمهام قتالية من أمجد معارك الحرب، وكل معركة تحتاج إلى مجلدات لتسجيلها بدقة».