«الأزهر»: عملاق الدعوة يعيش على الماضى.. ومنابر «الأوقاف» بلا مريدين
الأئمة فى ندوة سابقة
للأزهر تاريخ طويل فى العمل الدعوى، فهو رأس الدعوة فى مصر والعالم الإسلامى وقلبهما النابض حول العالم كله، وكان الناس يجتمعون حول دعاته بكل مكان، وحالياً تغيرت الأوضاع بشكل كبير، وبات دعاة الأزهر فى معزل عن الناس ويشهدون عزوفاً كبيراً، فلم نعد نرى منهم إماماً مميزاً مشهوراً ولا من يقبل عليه الناس، فأصابت الجماهير حالة من التململ والضيق بالدعاة الأزهريين المنتشرين فى ربوع مصر.
وخلال السنوات العشر الماضية شهدت منابر مصر، التى تقدر بـ120 ألف مسجد، حالة من الخمول الدعوى وعدم القدرة على مواكبة تطورات العصر، فعجزت المنابر وأئمتها عن مواجهة ظاهرة التكفير والتطرف بين الشباب الإسلامى، بل عجزت أيضاً عن إقناع المفتونين بالفكر الإرهابى بالعدول عنه بالحجة. يقول عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: «يوجد بالمشيخة 4 آلاف واعظ تابعون لمجمع البحوث وقرابة 61 ألف إمام وخطيب يتبعون الأوقاف إدارياً والأزهر فكرياً وعلمياً بطبيعة الحال، وللأسف يقل الإقبال على دعاة الأزهر والأوقاف بشكل متزايد خلال السنين الأخيرة وذلك لعدة أسباب؛ أولها أن هناك حملة تشويه مستمرة منذ عشرات السنين ضد الأزهر ودوره، فالجماعات السلفية والمتطرفة أخذت تشوه الأزهر لدى الناس، أيضاً ضعف العائد المادى للدعوة أصبح عائقاً كبيراً أمام الداعية ليجدد من نفسه ويضيف لمعلوماته الجديد». يضيف «هندى»: عشرات الآلاف من الدعاة أغلبهم يعمل بمهن أخرى إلى جانب الدعوة؛ فمن المعتاد أن ترى داعية سباكاً وسائق توك توك ذا هيئة رثة أثناء النهار وخطيباً وإماماً بالمصلين، وأضف إلى ذلك سوء المناهج التى يدرسها الأزهر فهى تدعو للتشدد وليس للتسامح، وضعف التدريب والتأهيل بالأوقاف تكون الدائرة قد اكتملت، كذلك لغة الإمام والخطيب والواعظ بعيدة عن الناس وأهل الشارع الذين يحتاجون للغة عصرية وتدريب وتأهيل كبير، فهم يتحدثون بعنف وسوء أداء.
«هندى»: الأئمة يعملون «سباكين وسواقين تكاتك» ولغتهم بعيدة عن الشارع.. و«نصير»: نقل التراث للناس دون تنقيح يضر بالأمة.. و«عويضة»: غياب رواد التنوير سبب النكسة
النائبة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، تؤكد أن هناك حالة عدم رضا كبيرة بين المتابعين للأداء الدعوى على مستوى الدعاة، وهو ما أدى لتفرق الناس عنهم، فالأئمة والدعاة ينقلون من التراث للناس مباشرة دون تنقيح وهذا أمر خاطئ، فهذا الأمر بات يضر الدين ولا ينفعه، فالدعاة يتعلمون من التراث ولا يتعلمون الفكر المعاصر وأساليب الحياة المعاصرة وطرق الإلقاء والدعوة، والآراء والأساليب التراثية التى يعيش عليها دعاتنا باتت لا تتوافق مع الظروف المعاصرة ولا بد من تشجيع الأئمة على البحث والدرس فى العلوم المعاصرة، كذلك يجب تعديل المناهج، خاصة الدعوية منها لتشمل مواد معاصرة مثل فنون الإلقاء المعاصرة والأبحاث الاجتماعية فى التواصل والتعامل مع الناس. الدكتور حسين عويضة، رئيس نادى أعضاء هيئة تدريس الأزهر، يرى أن أزمة الدعوة الإسلامية فى غياب رواد التنوير عن المشهد، فلم يعد هناك الأئمة المجددون القادرون على مواجهة الفكر بالفكر وتحقيق النصر، فتلك نكسة حقيقية، فغياب التجديد الدينى والفكرى أهم أسباب هذه المشكلة، فالتجديد ضرورة حياتية، والنبى قال إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد دين هذه الأمة، فالتراث الفكرى يحتاج إلى قراءة دقيقة للتفريق ما بين ما يصلح لواقعنا.
على جانب آخر، يدافع د. محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، عن الأزهر فيقول: «الدعاة حاضرون بينما المدعوون هم الغائبون، فالشباب لا يوجد فى المساجد بقدر ما يوجد على الفيس بوك والأدوات الحديثة والأزهر يسعى للتواصل معه عبر الإنترنت من خلال مجموعة من خريجى الأزهر التنويريين القادرين على الوجود معهم عبر الوسائل الحديثة للحديث معهم حول الدين والأوطان والقيم والأخلاق، والدعاة الأزهريون بالسكة الحديد والقهاوى والمساجد وفى كل مكان وعلى الإعلام مساندتنا، وشيخ الأزهر طاف العالم من أجل أن يبلغ الناس الوسطية والسلم والسلام، ولا نقبل أن يكون بيننا أصحاب مواقف شاذة».
كذلك الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بالأوقاف، يؤكد أن العمل الدعوى فى مصر يشهد تطوراً ملحوظاً وثقة المواطنين فى الأوقاف ودعاتها تزداد، فكان الأمر غاية فى السوء قبل أعوام قليلة، حينما كانت السيطرة الدعوية فى يد فصائل أخرى لكن الآن نؤكد بكل ثقة أن الأوقاف استعادت السيطرة وبتنا نشهد الإقبال على المساجد، ومؤخراً حينما أعلنت الوزارة عن صكوك الأضاحى تبرع المواطنون بمبلغ 52 مليون جنيه خلال 15 يوماً من الإعلان وكانت الصكوك يجمعها شيوخ المساجد والأئمة ولو كانت هناك أزمات لما نجحت الوزارة وأئمتها هذا النجاح.