ابن البطل حسين عمارة: والدى شارك فى 4 حروب وكان بيقول لى اللى هيكرمنا فى الآخرة هو ربنا
البطل حسين عمارة
لافتة مستطيلة الشكل، لونها أصفر، مدون عليها «الرقيب حسين محمود عمارة»، تعلو باب إحدى الشقق، بإحدى العمارات بمنطقة سبورتينج، فى محافظة الإسكندرية، يجلس بداخلها هانى حسين عمارة، على أريكة، بملامح تشبه والده تماماً، مرتدياً بنطلون جينز، وتى شيرت، مسترجعاً ذكرياته مع والده البطل حسين عمارة، أحد أبطال إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، وسط مجموعة من صور والده، مع عدد من زملائه، وأسرته، مثبتة على جدران الغرفة، وسط أجواء يملؤها الفخر والسعادة تارة، والحزن والشوق تارة أخرى، يروى هانى قصة بطولة والده كأب من ناحية، وكبطل وطنى من ناحية أخرى.
بصوت يملؤه الفخر، يتحدث هانى حسين عمارة، صاحب الأربعين عاماً، بملامحه التى تشبه والده تماماً فى الصغر، كأنه هو نفسه من تطابق الشكل، قائلاً: «بابا كان إنسان جميل قوى، كان طيب وحنين، عمره ما زعلنى، بابا فعلاً كان يستحق إنه يكون بطل»، امتلأت عيناه بالدموع فور قوله تلك الجملة، التى أثارت فيه الحنين والشوق لوالده، الذى توفى عام 2013، وتابع: «بابا كان بيحب الناس كلها وبيساعدهم، وعمره ما اتكبر على حد، ولا حسس حد إنه أقل منه أبداً».
«بص يا بنى اللى احنا عملناه ده عند ربنا، مش محتاجين تكريم من إنسان، احنا اللى هيكرمنا فى الآخرة هو ربنا»، جملة على لسان الرقيب حسين محمود عمارة، رحمه الله، ريس بحرى لنش 504، رد بها على ولده الأصغر هانى، عندما قال له: «على قد ما أنا فرحان وفخور إنك بطل، على قد ما أنا ندمان، لإنك ما أخدتش حقك من التكريم على اللى انت عملته للدولة» يتذكر هانى.
بفخر شديد يتحدث هانى عن أداء والده وزملائه أثناء إغراق المدمرة إيلات: «والدى وزمايله، هما اللى عملوا للبحرية عيد، ومجد وكرامة، وفرحوا الشعب بعد النكسة اللى عاشوها، وقدروا يفرحوهم تانى، ويرجعوا ليهم الكرامة من تانى»، تتبدل لهجة الفخر، إلى حسرة وخيبة أمل يشعر بها فى داخله، قائلاً: «على قد ما أنا فرحان إن والدى بطل وطنى عمل حاجة لبلده، على قد ما أنا ندمان إنه حارب بحياته على الفاضى، بدون أى مقابل، أو إن حد يحس بيهم أو يكون عارفهم»، متسائلاً بتعجب: «أوقات كتير بسأل نفسى هو بابا وزمايله اللى كانوا فى العملية، كانوا غلطانين ساعة لما عملوا كده، كانوا رايحين العملية وكفنهم على إيديهم، وبيستخدموا حاجة لأول مرة بتستخدم، وخارجين يضربوا أكبر قطعة بحرية عند إسرائيل، ومع ذلك ماشافوش تكريم على الأقل معنوى، يحسسهم إنهم عملوا شىء عظيم للبلد، وكانت حياتهم ممكن تروح فى أى لحظة، وبالرغم من كده حاربوا وكافحوا عشان ينصروا مصر بعد هزيمة يونيو اللى مرت بيها».
«هانى»: والدى وزمايله هما اللى عملوا للبحرية عيد ومجد وكرامة وفرحوا الشعب بعد النكسة اللى عاشوها
ومن وجهة نظره، يرى هانى أن سبب عدم الاحتفاء بوالده وباقى أبطال عملية الإغراق، يرجع إلى عدم وجود اهتمام بالحضارة والتاريخ فى مصر، وعدم وجود انتماء لدى الشباب، والرغبة فى معرفة أحداث البلد ونشأته وكونه كما هو الآن مستقلاً بذاتها، بجانب دور الإعلام وإهماله لعرض قضايا التاريخ الوطنية، وأبطال مصر.
بصوت يملؤه الحزن، وعيون تملؤها الحسرة يضيف قائلاً: «بابا ما تكرمش غير مرة واحدة فى حياته، من الرئيس السادات، وحصل منه على شهادة تقدير من الطبقة الثانية، وبعدها بابا اتنسى، ما تكرمش من ساعتها»، أما على مستوى القوات البحرية فتعددت الأوسمة التى حصل عليها البطل البحرى، حسين عمارة، فى حياته داخل البحرية، ومنها وسام الشجاعة العسكرية، وميدالية الشجاعة العسكرية، والذى يعد من أرفع الأوسمة فى العسكرية المصرية، وذلك بحسب تأكيد نجله.
وعن معرفة زملائه ومدرسيه فى المدرسة لوالده، قال: «وأنا فى المدرسة ما كانش فيه حد يعرف إنى ابن البطل حسين عمارة، ولا زمايلى ولا مدرسينى، لأن بابا طول عمره ما كانش بيحب التباهى بنفسه خالص، كان عايش وسط الناس كبنى آدم عادى، مش بطل من أبطال التاريخ، يعنى ما كانش حد عارفه غير الناس اللى قريبين مننا جداً».
وينتقل «هانى» للحديث عن طبيعة عمل والده، ومدى تأثيرها على الوقت الذى يقضيه معهم فى المنزل، قائلاً: «عمر شغل بابا ما خده مننا، أو كان بيخليه ما يقضيش وقت معانا، بالعكس بابا كان موفق بين شغله وبيته كويس، كان دايماً بيقعد معايا ويحكى لى عن ذكرياته فى الحروب اللى شارك فيها، هو شارك فى 4 حروب، حرب الجزائر، وحرب اليمن، وإغراق إيلات، وحرب 73، وكان بيعلمنى إزاى أحب بلدى، وأدافع عنها، وكان بيشجعنى إنى أدخل البحرية، لأنه كان نفسه يشوفنى بطل، لكن أنا ما كنتش حابب الموضوع، واخترت طريق تانى، لأنى حسيت إن البحرية هتكون منعانى من السفر والتحرك وأنا كنت حابب أسافر بره، بس للأسف أنا بندم دلوقتى إنى ما سمعتش كلامه زمان، لأنى كنت حاسس إنى ممكن أكون حاجة فيها، وأكون بطل وأكمل مسيرة بابا الله يرحمه».
يروى هانى أن والده التحق تطوعاً بالكلية البحرية، وليست دراسة، لأنه أخذ المقدم جلال الدسوقى مثلاً أعلى له، كأحد الأسباب التى جعلته يسلك ذلك المسار: «بابا كان بيحكى لى إنه حب البحرية عشان المقدم جلال، لأنه كان بيحب البلد، وكان بيطلع فى أى طلعات فدائية بحرية».
ويحكى «هانى» عن انضباط والده فى عمله بالبحرية: «بابا كان منضبط جداً، عمره فى حياته ما خد جزا فى شغله، كان بيحترم أوقات شغله، فضل 20 سنة على الوحدات العايمة، لنشات الصواريخ، وبعد كده اتنقل لشعبة تنظيم وإدارة قسم شئون شخصية، وبعدها استدعوه إنه يكون معلم فى اللواء التانى لنشات صواريخ»، مضيفاً: «بابا فى سن 56 سنة قدم طلب خروج من البحرية، لأنه حس إنه استكفى منها، ومش هيقدر يعمل فيها حاجة تانى، وإنه سلم الراية لجيل تانى، يتمنى إنهم يكملوا المسيرة، أو حتى يدوا للبحرية زى الجيل القديم».
وعن مصير والده بعد خروجه من عمله بالبحرية، يضيف: «بابا بعد لما طلع من البحرية بأسبوعين جاله جلطة من قعدة البيت، لأنه كان متعود على الحركة والشغل، فكان فيه واحد جارنا مدير فندق هنا فى إسكندرية، عرض عليه إنه يمسك أمن الفندق، وبالفعل اشتغل معاه، لحد لما تعب قوى، وما قدرش يشتغل قعد معانا فى البيت من غير شغل، لحد لما توفى».
لم يتمكن «هانى» من تملك أعصابه عند تذكر وفاة والده التى حدثت بشكل مفاجئ، إذ تساقطت دموعه على خديه، وهو ينظر بعينيه للأرض، قائلاً: «بابا توفى وأنا مش موجود، كنت مسافر، ومالحقتش أنزل أشوفه للمرة الأخيرة فى حياتى»، ويصمت قليلاً، ثم يأخذ نفسه بصعوبة، ويعاود مرة أخرى بنبرة صوت خافتة، قائلاً: «كنت نفسى قوى أشوف بابا، وبعد وفاته نزلت إجازة ورُحت زرته فى المقابر ودعيت له كتير.. كان واحشنى جداً، ونفسى أقعد معاه زى ما اتعودت من صغرى».
وعما تثيره ذكرى عيد البحرية كل عام فى قلبه من مشاعر فياضة تجاه والده، يؤكد أن فى هذا اليوم يكون شعوره مختلفاً تماماً عن أى يوم يتذكر فيه والده: «21 أكتوبر من كل سنة، إحساسى بيكون صعب جداً لأنى بفتكر والدى كان بيعمل إيه فى اليوم ده»، يعبر سنوات العمر ليتذكر: «بابا كان بياخدنى معاه اليوم ده وأنا صغير احتفالات الجندى المجهول، ونقعد نقرا الفاتحة، على روح زمايله فى الحرب، أنا ماكنتش لسه مستوعب اللى بابا بيعمله، ولما نرجع البيت، نفتح التليفزيون ونتفرج على احتفالات البحرية فى اليوم ده، لكن بابا كان بيحزن جداً على نفسه، إنه بطل شارك فى العيد ده، ومع ذلك ما حدش بيستدعيه لحضور الاحتفالات، وبيقعد يتفرج عليها زيه زى أى حد».
يختتم هانى حديثه متنهداً، وملامح الغضب تكسو وجهه: «نفسى بجد يعملوا حاجة حلوة يفرحوهم فى تربتهم، لأن الناس دى قضت عمرها كله فى البحرية، وعملوا للبحرية عيد، مش شرط تكون حاجة مادية، ممكن تكون حاجة بسيطة جداً، يخلدوا بيها ذكراهم للأجيال الجاية، لأنهم فعلاً مثل أعلى لازم يقتدى بيهم، ما تخلوناش نكره إنهم كانوا أبطال فى البلد دى، وإنهم عملوا حاجة كويسة للمصريين كلهم».