"شعر وأمنيات واللي جاي أحلى".. آخر ما كتبه شهداء الوطن: أشجع ولد ولدي
قوات الأمن
يضع روحه على كفه، لا ينظر خلفه أبدا، يقف شامخا ويستمد قوته من إرادة جيشه، ينتظر الموت في كل لحظة، يُوصي أحبابه، يكتب أشعارا من الأمنيات، ودعوات تملؤها الثقة والإيمان بنصرٍ آت في فجر قريب، لا فرق بين الجندي والقائد، الجميع هنا يكتب شهادته بدمائه وينتظرها بفارغ الصبر.
رسائل ووصايا، لم تختلف في مضمونها كثيرا، تمتلئ بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يتداولها الجنود والقادة رغم عدم إدراكهم لساعة الموت، بخاصة مع ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية منذ ثورة 30 يونيو، والتي كان آخر ضحاياها أمس، حيث وقعت اشتباكات بين قوات الشرطة وعناصر إرهابية، خلال مداهمة أمنية لأحد أوكار الإرهاب في الكيلو 135 بالواحات البحرية في الجيزة، أسفرت عن استشهاد 16 من قوات الأمن وإصابة 12 آخرين، بحسب مصادر طبية وأمنية.
وقعت العملية في إطار الجهود المبذولة لتتبع العناصر الإرهابية وتحديد أماكن اختبائها، بحسب بيان مسؤول مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية، مساء أمس، مضيفا أنه وردت معلومات لقطاع الأمن الوطني تفيد باتخاذ بعض العناصر الإرهابية للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 على طريق الواحات بعمق الصحراء مكانا لاختبائها، وحال اقتراب القوات واستشعار تلك العناصر بها أطلقت الأعيرة النارية تجاهها، وبادلتها القوات بإطلاق النيران، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من رجال الشرطة ومصرع عدد من هذه العناصر.
ومن بين مئات الشهداء الذين تعج بهم حاليا ملفات الشرطة والقوات المسلحة، ترك بعضهم رسائل عبر صفحاتهم خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي دونوا بها آخر كتاباتهم، ففي حادث أمس، قضى النقيب إسلام مشهور، من قوات العمليات الخاصة، وكشف أحد أصدقائه عن كلماته الأخيرة في لقائهم منذ أيام في إحدى المناسبات، يقول: "قلتله انت بتحب الخطر زي أخوك.. ضحك وقال لي إحنا ندوس على الخطر برجلينا.. ولا بنخاف".
الملازم أول أحمد حافظ شوشة، أحد شهداء الواحات، دوّن قبل ساعات من المأمورية، عبر حسابه على موقع "إنستجرام": "الواحات، أحلى 24 ساعة دي ولا إيه، ولسه اللي جاي أحلى".
وفي يوليو الماضي، بعد أن أحبطت قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء، هجوما إرهابيا للعناصر التكفيرية على بعض نقاط التمركز جنوب رفح، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 تكفيريا وتدمير 6 عربات، واستشهاد وإصابة 26 فردا من أبطال القوات المسلحة، وفقا لما أعلنه العقيد تامر الرفاعي المتحدث العسكري.
العقيد أحمد المنسي قائد الكتيبة 103 صاعقة بجنوب رفح، كان أحد ضحايا هجوم رفح الإرهابي الغادر، أوصى بدفنه مع زيه العسكري الملطخ بالدماء، وألا يغسل في حالة استشهاده، وترك عبر حسابه على "فيس بوك" قصائد في حب مصر، بينها:
"بطل كل الأبطال.. على مر الزمان
قاهرة المعز يا مصر الفداء.. درة التاج أنت ونبع الصفاء
سألت التاريخ عن يوم مولدك .... وهل يشهد الأبناء ولادة الآباء
جذور شجرة بعمر الحياة.. أظلت حضارة أنارت الأرجاء
بلد السلام يا مصر أفديكِ.... بلد العزة بفخر بلد الآباء
أرهقتني يا مصر عشقا.. عشق المحارب لسيرة الشهداء
بكل شبر في أرضك الطاهرة.. يحيا الجيش بشعبة العظماء
يتربص الأشرار بصفوة الأخيار.. فوالله لا نامت أعين الجبناء
خصبة أرضك تنبت الأبطال.. وقصة شهيدك تملأ الأصداء
شعبك الأبيّ العصيّ على الطغاة.. أحن من أم الرضيع على الضعفاء
يحرس أرضك أسودك الضارية.. ناجزة سيوفهم على الأعداء
يلى الشهيد نداء ربا.. وقصاصة وثارة قبل العزاء
وقبيل أن أرحل أوصيكم ونفسي.. بوطن يستحق منا العناء
تحية على من وهب الروح والجسد.. وسلام على من انتقى الكفن كرداء"
لم يدر الشهيد المجند أحمد أبوطالب، أن أمنيته ستتحقق وسُيرزق الشهادة، حين كتب آخر تدويناته، داعيا: "اللهم ارزقني قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة".
وبين الأشعار والدعوات، لم ينس الأبطال طلب العفو والصفح من محبيهم، ليكتب النقيب محمد وهبة، قبل استشهاده في الهجوم الذي استهدف كمين شرطة على الطريق الدائري في مايو الماضي، عبر "فيس بوك"، قائلا: "بص للي ادفن قدامك وقولي فاكر زعل ما بينكم؟ والله ما في حاجه مستاهلة نزعل من بعض أو نشيل ونهري وننكت في نفسينا، اعفوا واصفحوا دي الدنيا لحظة وهنقابل رب كريم، ويا بخت من قابله بقلب سليم".
"فاكر أنا.. كام واحد راح مننا.. مش من هناك أو من هنا.. مش فارقة فات كام سنة ما بنعدش.. مش بالعدد.. كم أم حزنت على الولد.. ثبت البطل زي الوتد.. قال المهم إن البلد ما تتهدش".. كانت هذه كلمات أحد مقاطع الفيديوهات المتداولة عبر رواد مواقع التواصل الاجتماعي، للشهيد محمد وهبة، وهو يتغنى بها.
وكأنه يشعر بقدوم لحظة الاستشهاد وقرب الأجل، كتب الشهيد محمد فؤاد شحاتة أحد شهداء الواجب الوطني بالعريش، في يناير الماضي، تدوينة عبر "فيس بوك" قبل استشهاده بقليل، داعيا الله أن يحسن خاتمته: "اللهم إن كنت أنا القادم فأحسن خاتمتي واغفر لي وسخِّر لي من يدعو لي بعد موتي".
"يارب، أنا عاوز أموت هناك شهيد، والله مش عاوز أرجع".. آخر ما كتبه المجند مصطفى رشاد سالم، عبر "فيس بوك"، قبل استشهاده إثر انفجار عبوة ناسفة تم زرعها على الطريق الدولي بشمال سيناء، في مارس 2016، وذلك عقب تدوينة بالتحاقه بالكتيبة الخامسة صاعقة في الشيخ زويد.
وتثمينا لدور الشهداء في حماية الأرض، عرض الموقع الرسمي لوزارة الدفاع برومو بعنوان "رسالة شهيد"؛ ورد به وصية الشهيد جندي محمد معتز رشاد، التي كتب فيها أنه يتمني أن ينال الشهادة، وأنه في صفوف القوات المسلحة بسيناء لحماية الشعب المصري ومحاربة الإرهاب، وهو ما يشعره بالفخر الشديد.
"رسالة شهيد" تضمنت عدة وصايا لأبطال القوات المسلحة، لتشمل وصية الشهيد المقدم محمد هارون، الذي استشهد في نوفمبر 2015، إثر تفكيك العبوات الناسفة مع قوات الأمن في منطقة الجورة بالشيخ زويد، حيث أوصى أسرته وأصدقائه قائلا: "أوصيكم إن مت أن يتم دفني بسرعة، وأن يتم سداد ديوني التي تمثلت في أقساط العربية لدى بنك القاهرة، وسأكون بحاجة للدعاء".
رسالة الشهادة للنقيب أحمد حجازي، الذي لقي ربه في أحداث رفح سبتمبر 2014، كانت قبل 3 أعوام من التحاقه بالعمل في سيناء، حينها كتب: "يا أهل بيتي الأعزاء.. لقنوني كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) برفق وهدوء، حتى تكون آخر كلمة ألقى بها ربي، وإن كنت في معركة لا يغسلني أحد، بل لفوني في ثيابي وادفنوني بدمي، واتركوني على حالتي، وادفنوني في البلد الذي مت فيه دون تكلف أو مشقة".
"إحنا مش هنسيب سيناء لحد".. جملة قالها الشهيد المستشار عمرو مصطفى وكيل النيابة الذي استشهد في أحداث فندق العريش، لأصدقائه عبر "واتس آب"، قبل سفره بيومين للإشراف على الانتخابات البرلمانية في سيناء، جملة جمع فيها شموخ وإصرار إرادة أبناء القوات المسلحة، واتخذها زملائه فيما بعد شعارا لمواصلة طريق الشهادة.