أسرة الرقيب «أنور»: «إحنا فى عُرس مش مصيبة».. وودّعَنا 3 مرات فى آخر لقاء
أسرة الرقيب أنور محمد تحتسبه عند الله من الشهداء
لم يكن محمد محمد سعيد، الذى تخطى الـ70 عاماً، يدرك أنها المرة الأخيرة التى يرى فيها قرّة عينه ابنه الرقيب «أنور»، لكنه تعجب من تكرار سؤال الابن قبل ذهابه للعمل بجهاز الأمن الوطنى، الخميس الماضى، عندما عاد إليه يسأله 3 مرات متتالية: «محتاج حاجة يابا؟»، ليرد الأب المنهك من المرض: «لا يا ابنى، الله يسهل لك حالك»، بعدها دخل «أنور» المنزل، ليكرر نفس السؤال على والدته، التى ردّت: «عايزة سلامتك يا ابنى»، ليرحل الرقيب صاحب الـ36 عاماً تاركاً والديه فى حيرة من التكرار الغريب لسؤاله، تاركاً قريته الهادئة «ذات الكوم» التابعة لمركز منشأة القناطر بالجيزة، للمرة الأخيرة.
القرية الهادئة استيقظت فجر السبت الماضى على صرخات متأثرة بأنباء استشهاد الرقيب أنور صاحب السمعة الطيبة فى حادث الواحات، ليخيم الحزن ويخرج الجميع متوجهين صوب منزل الشهيد أنور محمد محمد الدبيركى، الرقيب بجهاز الأمن الوطنى، ليظل منزله مفتوحاً حتى اليوم مستقبلاً مئات المعزين، بعد جنازة عسكرية مهيبة لجثمانه. يخيم الحزن على منزل الشهيد «أنور» ما بين أب مكلوم، وأُم ثكلى تبكى بحرقة لفراق نجلها الذى كان يرعى الأسرة بعد زواج أشقائه الكبار ومغادرتهم منزل العائلة، حيث رحل الابن الذى كان بمثابة السند لـ9 من أشقائه ووالده ووالدته.
شقيقه: كان لديه طموحات واسعة.. وتصدى للإخوان فى «رابعة».. وآخر ما كتبه على «فيس بوك»: «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة».. و«رضا»: اتصلت بهاتفه بعد الحادث فأبلغنى أحد زملائه باستشهاده
لا يزال الرجل السبعينى يجلس على «عتبة المنزل»، التى شهدت توديعه لنجله «نور العين أنور»، حسب وصفه، ويعانى مِحنته الخاصة مع المرض والحادث الأليم الذى باغته، وبجواره تجلس الزوجة، أم الشهيد التى لا تقوى على الكلام، أو ربما ترى أنه لا توجد كلمات تعبر عن ألمها الخاص، ليتفوه الأب بصعوبة: «ما كانش بيحكى لى عن حاجة، ولا بيقول لى بيعمل إيه فى الشغل، علشان ما أخافش عليه، لكن حتى لو كان قال لى، كنت هأقول له: اتوكل على الله يا بنى، العمر واحد، والرب واحد». ويضيف الأب مؤكداً: «هو كده أحسن مننا دى مش مصيبة ده عُرس». ويضيف «محمد»، شقيق الشهيد الأكبر: «أنور كان لديه طموحات واسعة، فلم يكن يكتفى بكونه رقيباً بالأمن الوطنى، وسعى للحصول على شهادة تعليمية ليصبح أمين شرطة، وكان داخل مجند فى الجيش بيخدم فى الأمن الوطنى، بعدها قرر إنه يلتحق ويجدد فى الأمن الوطنى، وأخد دبلوم علشان يبقى رقيب، وربنا كرمه، وكان بيسعى يكمل لحد الآخِر، ويدخل جامعة مفتوحة»، لافتاً إلى أن كل العاملين فى جهاز الأمن الوطنى كانوا يحبونه بسبب انتمائه للبلد، وحبه لوطنه، وأنه كان يتحدث مع الأسرة، وكل من حوله بتعصّب تجاه الأفكار المتطرفة. ويروى «رضا» الشقيق الذى يكبر الشهيد مباشرة تفاصيل معرفة الأسرة بالحادث، قائلاً: «أنور مشى على الشغل يوم الخميس الصبح، وكان المفروض يرجع الجمعة الصبح، لكنه طبّق فى الشغل، وقال لنا إن عنده شغل، ولما سمعنا عن حادثة الواحات اتصلت به كتير، لكن تليفونه كان غير متاح، وبعد مدة واحد رد عليا، ولما سألته عن أنور، قال لى: استشهد»، مضيفاً أنه أجرى اتصالاً بوالديه ساعتها وأبلغهما أن «أنور» أصيب فى حادث.
ويشير «رضا» إلى أنه علم من زملاء أنور أنه كان فى مقدمة الأفراد الذين يوكل إليهم المهام بسبب فهمه للكثير من أعمال الصيانة، لأنه كان «ميكانيكى وكهربائى وسواق»، وكان الكل يحتاجه لإصلاح أى أعطال، موضحاً أن قيادات أمنية استقبلته فى المستشفى الذى ذهب، ليتعرف فيه على جثمان شقيقه، استقبالاً طيباً، لافتاً إلى أنه تسلم الجثمان وشُيعت له جنازة عسكرية كبيرة فى القرية. ويضيف «رضا» أن أهالى القرية لم يكونوا يعلمون أنه يعمل فى جهاز الأمن الوطنى، وأن الأسرة فوجئت بحب كل الأهالى لشقيقه، حيث كانت سيرته طيبة، وبدا ذلك واضحاً فى جنازته الكبيرة، مشيراً إلى أن شقيقه ترك من الأبناء «محمد»، 11 عاماً، و«رحاب»، 8 أعوام، أما «سيف» فعمره 4 سنوات ونصف، وهو الذى سمّيت صفحته على «فيس بوك» باسمه، واعتاد أن ينشر عليها دعوات ومنشورات وطنية، كان آخرها الآية الكريمة: «ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة».