د. عثمان محمد عثمان: مصر بلد فقير بموارده ومشكلته ليست «سوء التوزيع»
الدكتور عثمان محمد عثمان
قال الدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية الأسبق، إن مصر بلد فقير نتيجة اختلال موارده وسكانه، وإن الوضع الاقتصادى بها صعب وخطير، مشيراً إلى أنه كان يتعين على الحكومات التى أعقبت ثورة 25 يناير 2011، تجميد أجور موظفى الدولة عن الزيادة لمدة عامين، وخفض الدعم بكافة أشكاله بنسبة 50%، واتباع سياسة تقشفية شديدة.
وزير التخطيط الأسبق لـ«الوطن»: معدلات النمو المتدنية لمصر خلال آخر خمس سنوات لم تحدث من 50 سنة
وأضاف «عثمان» خلال حواره لـ«الوطن» أن هناك معيارين أساسيين للحكم على أداء أى إدارة اقتصادية، هما البطالة والتضخم، وهما كفيلان بإسقاط أى حكومة فى الدول المتقدمة، مؤكداً أن معدلات النمو الاقتصادى المتدنية لمصر خلال السنوات الخمس الأخيرة لم تتكرر منذ أكثر من 50 سنة.
وأبدى الوزير الأسبق تأييداً لخصخصة الشركات المملوكة للدولة، لكنه استدرك قائلاً: «لكن الخصخصة ليست أولوية الآن كما أننى لا أفهم لماذا تطرح شركة مثل انبى فى البورصة؟»، وأشار إلى أن مصر تاريخياً ليست من الدول الجاذبة للاستثمار نتيجة عدم الاستقرار الأمنى والسياسى، وأن المستثمرين المصريين تحديداً فى مجال الصناعات التحويلية متكاسلون، داعياً حكومة المهندس شريف إسماعيل لـ«التفتيش» فى أوراق وملفات الوزراء السابقين أمثال رشيد محمد رشيد وحسن يونس، وغيرهما للأستفادة من تجاربهما.. إلى نص الحوار:
بداية ما أكثر ما يقلقك بعد مضى عام منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى؟
- لا شك أن الاقتصاد المصرى يمر بأزمة عميقة وخطيرة ولا بد من التعامل معها بمنتهى الجدية والحسم، وأخشى من أن تتراجع الحكومة عن تنفيذ البرنامج مثلما حدث فى العام 1987، حينما تراجعت مصر عن تنفيذ برنامجها مع الصندوق فى هذا التوقيت، خاصة أن العواقب ستكون وخيمة، إلى جانب تدهور السمعة الدولية للاقتصاد المصرى، وتردد الحكومة فى قراراتها يبدو جلياً لى، وهو ما أخشاه، مثل ترددها فى اتخاذ قرار التعويم، وكذا ترددها فى ترشيد برامج الدعم السلعى، وتنقية المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعى، إلخ، لاحظ أيضاً أن إجراءات خفض الدعم عن الطاقة كان هدفها خفض عجز الموازنة، إلا أن ما حدث هو أن دعم الطاقة زاد نتيجة هذا التعويم، وهذا يجعلنا ندور فى حلقة مفرغة، خاصةً أن عمرو الجارحى، وزير المالية، كان قد نفى قبل أيام وجود نية لزيادة أسعار المنتجات البترولية خلال العام المالى الحالى، والتأجيل إلى العام المالى المقبل غرضه تخفيف العبء على المواطنين، لكن المشكلة أن محاولة تخفيف هذا العبء مراعاةً لأبعاد اجتماعية ترفع من الكُلفة الاقتصادية على المواطنين أنفسهم، والمواطنون تضرروا لأن جملة الإصلاحات جاءت دفعة واحدة.
على البنك المركزى أن يتخفّف من قيد الاحتياطيات الدولية وشعار الوصول بها إلى مستوى ما قبل 2011 خصوصاً إذا كان مصدر زيادتها هو الاقتراض.. والاقتصاد يمر بأزمة عميقة ويجب التعامل معها بمنتهى الجدية والحسم.. والحكومة تأخرت 9 شهور فى «التعويم»
معنى ذلك أنك تؤيد إجمالاً توجهات الحكومة وقراراتها، ولكنك ترى أن الحكومة تُدلل الشعب وأنه يتعين عليها أن تكون أكثر حزماً وقسوة خاصةً فيما يتعلق بملف الدعم؟
- لا أرغب أن تكون الحكومة أكثر قسوة، بل أكثر عدالة، فهل يُعقل أن تكون بطاقات التموين متاحة لأكثر من 70 مليون مواطن.. «طيب إزاى؟!». نحن ما زلنا فى وضع صعب جداً ونحتاج إلى علاج مؤلم والمسكنات لن تفيد، فالنشاط الاقتصادى المصرى فى أدنى حالاته الآن، ومعدل النمو الاقتصادى (2.5% فى المتوسط خلال 5 سنوات) يقل عن معدل الزيادة السكانية (2.6%)، والاختلالات المالية والنقدية شديدة للغاية، و«أُس البلاء» هو عجز الموازنة، لأن ارتفاع هذا العجز يؤدى إلى تفاقم التضخم، وبالتالى زيادة الاقتراض وتفاقم المديونية الداخلية، والتضخم وزيادة المديونية يؤديان إلى تدهور سعر الصرف، وتدهور الأخير يؤدى إلى مزيد من ارتفاع الأسعار، ليزداد عجز الموازنة وهكذا، وبالنظر إلى قضية التضخم نجدها قضية خطيرة، حتى إن هناك معيارين أساسيين للحكم على أداء أى إدارة اقتصادية فى الغرب، هما البطالة والتضخم، وهما كفيلان بإسقاط أى حكومة، وتعديل وإصلاح أى من هذه الأمور يواجه دائماً بمقاومة ورفض نخبوى ثم شعبوى، و«أى حكومة تحت ضغط، معذورة وتمشى كما لو كانت على قشر بيض أو شوك»، ولم يحدث أبداً أن هبط النمو الاقتصادى خلال الخمسين سنة الأخيرة كما حدث خلال آخر 5 سنوات.
وما تفسيرك للرفض الشعبوى والنخبوى لبرامج الإصلاح؟
- أسباب متعددة، منها أن المجتمع المصرى، وبشكل خاص النخبة، وقعوا فى معضلة الخوف من الإصلاح الاقتصادى ومتطلباته، خاصةً الكراهية لصندوق النقد الدولى، وللأسف لقد عانينا كثيراً من هذا الخوف غير المبرر، ذلك أن هذا الصندوق الدولى مؤسسة دولية مصر عضو بها، ومساهمة فى رأسمالها، وبالتالى من حقنا اللجوء إلى الصندوق حينما نحتاج إلى مساندة مالية لسد الفجوة فى ميزان المدفوعات، ودعم السياسات المالية والنقدية، ولا يليق بنا الحديث عن أن صندوق النقد الدولى أداة فى أيدى هذا الطرف أو ذاك، وأنا أراه كطبيب التأمين الصحى، الذى نلجأ له حينما نعانى من مشكلة صحية، ولا يجب التشكيك فى نواياه، لأنه لا يفرض علينا الدواء بل يقدم النصح والمشورة فقط، بل ولديه القدرة على تقديم المساندة المالية لمصر بأسعار فائدة أقل مقارنة بغيره، وروشتة الصندوق تستند إلى علوم وأسس الاقتصاد، وما ينصح به قابل للمناقشة والمراجعة، ويتعين على المجتمع التخلى عن نظرته السلبية للصندوق، وأخشى ما أخشاه أن يكون خلف هذه النظرة البعض ممن يرغبون فى التهرب من أى إجراء اقتصادى حاسم قد يضرهم.
من تقصد بقولك إن البعض يشكك فى نوايا الصندوق بدافع الهروب من الإجراءات الصحيحة خوفاً على مصالحه؟
- بعض من يكتبون ويتحدثون فى وسائل الإعلام، والمنتفعون من استمرار برامج الدعم المفتوحة بلا ضابط أو رابط، وكذلك المستوردون ممن استفادوا من عدم تعويم الجنيه حتى يحصلوا على الدولار بشكل مدعم، والكهرباء والوقود وغيرهما بسعر مدعم.
وكيف ترى نتائج برنامج الإصلاح بعد مرور عام عليه؟
- البرنامج الذى تنفذه الحكومة الحالية يعمل على إزالة الاختلالات النقدية والمالية باعتبار إزالتها شرطاً أساسياً لبدء دوران عجلة النمو والنشاط الاقتصادى، وينبغى على الحكومة الالتزام بالبرنامج الحالى للإصلاح وعدم التراجع عنه تحت أى ظروف، وأرى أن البرنامج بعد مرور عام على التطبيق استطاع تحقيق أهدافه إلى حد ما بشكل نسبى، وهو مجرد بداية، لكن للأسف تبقى هناك فجوة بين ما يُعلن رسمياً عن صعوبة الوضع وبين ما يمارس تنفيذياً وشعبياً، ذلك أن الحكومة «متكتفة».
البطالة والتضخم معياران للحكم على أداء أى حكومة وكفيلان بإسقاطها.. ويجب وضع حد للاقتراض لأن المديونية الخارجية تتزايد.. والتراجع عن «برنامج الإصلاح الاقتصادى» له عواقب وخيمة.. وأخشى من تردد الحكومة
ما ملاحظاتك على آخر تقرير لصندوق النقد مع مصر، المعروف باسم «تقرير المراجعة الأولى»؟
- لاحظت وجود تناقض بين رد الفعل فى الإعلام المصرى وحقيقة التقرير، فالتقرير إيجابى فى مجمله، لكن هناك مبالغة فى رد فعل وسائل الإعلام حول الإنجازات التى تحققت منذ تطبيق البرنامج، فمعدل النمو الاقتصادى المحقق أقل من المستهدف، طبقاً لاتفاقنا مع الصندوق، كما أن تقرير الصندوق يقول صراحةً إن «قيمة تخفيض الجنيه كانت أكثر من اللازم ومن المتوقع»، وأن هذا الأمر تسبب فى قفز التضخم أكثر من المتوقع، ما دعا الصندوق للمطالبة بالمرونة فى سعر الصرف، وفى تقديرى أن الأرقام التى تُعلن كأهداف، كعجز الموازنة أو التضخم أو البطالة، هى أقل كثيراً مما يجب أن تكون عليه، وفى عام 2014، تضمن البيان المالى للموازنة العامة للدولة توقعات ومستهدفات كانت أقل مما كانت عليه فى عام 2010، ومع ذلك لم تنجح الحكومة فى تحقيقها، كما لو كنا فى طريقنا للمربع صفر مرة أخرى، ومن هذه الأرقام معدل النمو الاقتصادى كمثال، إذ استهدفت الحكومة تحقيق معدل نمو 6% وهو ما لم يحدث حتى الآن، كذلك التضخم الذى كنا نتوقع هبوطه إلى أقل من 10%، إلا أنه وصل حالياً إلى 30%، فيما المستهدف هو انخفاضه إلى 15%، الأمر ذاته يتكرر مع معدل الاستثمار الأجنبى، إذ لم نصل بعد إلى الـ10 مليارات دولار المستهدفة كاستثمار أجنبى فى عام 2010، ويمكننى الإعلان بشجاعة وفخر أن الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة عاد حالياً إلى ما كان عليه فى 2010 بنحو 36 مليار دولار، على الرغم من أن المعيار الأكثر دقة هو عدد الشهور المُغطاة بالواردات، فالـ36 مليار دولار فى 2010 كانت تغطى 9 شهور واردات، بينما هذا الرقم حالياً لا يكاد يغطى 3.5 شهر واردات نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية واتساع القاعدة السكانية للمصريين. فلا يجب أن ننتقد الماضى بينما هو الأفضل.
الصندوق عبر عن قلقه أكثر من مرة من التضخم وانخفاض قيمة الجنيه بأكثر مما توقع، ما الذى حدث؟
- على المستوى الشخصى كنت أتوقع أن تبلغ قيمة الدولار 11.50 جنيه أو 12 على أقصى التقدير، إلا أن تأخر الحكومة فى اتخاذ إجراء التعويم زاد من هذا الرقم إلى ما يقرب من 18 جنيهاً، لو تتذكر قبل هذا القرار بشهور كان سعر الدولار بالسوق السوداء 12 إلى 13 جنيهاً، وقتها كان يتعين اتخاذ قرار التعويم «المُدَار»، وعدم تركه بشكل كامل لآليات العرض والطلب، لكن ما حدث أن الحكومة لم تفعل ذلك إلا بعد عدة شهور وتحديداً فى 3 نوفمبر الماضى، فى هذا الوقت كان الدولار قد اقترب من العشرين جنيهاً، ما أريد أن أقوله إنه لو كانت الحكومة قد اتخذت قرار التعويم فى فبراير 2016 مثلاً، لكان الوضع قد اختلف، لأن الدولار فى السوق السوداء خلال الشهور التى تلت فبراير 2016 ارتفع بشكل كبير، وحجة الحكومة فى ذلك عدم وجود ما يكفى من العملة الصعبة لتغطية أى طلبات.
المؤشرات الاقتصادية المستهدفة حالياً أقل مما كانت عليه فى 2010 وهناك غموض فى الأرقام.. وأدعو الحكومة للتفتيش فيما كان يفكر فيه «رشيد» وحسن يونس
ألا تقلقك مكونات الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة لدى البنك المركزى؟
- الاحتياطى النقدى ببساطة هو فائض فى الميزان الكلى للمدفوعات قبل تغطية العجز، إذا كان موجوداً بالقروض، لذا فتقرير البنك والصندوق الدوليين فى الحساب الرأسمالى يفرق بين أمرين أساسيين، الفائض أو العجز فى ميزان المدفوعات قبل المنح والمساعدات، والحساب الحالى فى ميزان المدفوعات هو المقياس الحقيقى لقوة الاقتصاد، وإجمالى الإيرادات من الصادرات (السلع والخدمات) مطروح منه الواردات من السلع والخدمات، وإذا كان هناك فائض فنحن نصدر رأس المال، وإذا كان هناك عجز فينبغى تغطيته إما بالقروض أو المنح والمساعدات، والأفضل أن يُغطى هذا العجز بالاستثمار الأجنبى، وإذا كان الاستثمار الأجنبى أكبر من هذا العجز فلدينا فائض، وبالتالى يتراكم الاحتياطى النقدى، والاحتياطى حالياً نحو 36 مليار دولار، إلى جانب 9 مليارات دولار حصل عليها حسنى مبارك أثناء حرب الخليج ولا تضاف إلى الاحتياطى، وللأسف هناك عدم وضوح فى الأرقام والبيانات الرسمية بما يستعصى على القارئ فهمه، ومنهم المتخصصون أيضاً ممن يعجزون عن تفسيرها.
هل لديك ما تأخذه على السياسة النقدية المتبعة؟
- أرى أن على البنك المركزى أن يتخفّف من قيد الاحتياطيات الدولية وشعار الوصول بها إلى مستوى ما قبل 2011، خصوصاً إذا كان مصدر زيادتها هو الاقتراض. على السياسة النقدية أن تلتزم فى الفترة الحالية أكبر قدر من المرونة والاستجابة لتقلبات سوق الصرف وعدم القبول بأى إشارات لعودة ازدواجية أو تعدّد أسعار الدولار.
إذن أنت ترى من واقع الأرقام والإحصائيات أن الوضع الاقتصادى صعب وخطير كما ذكرت؟
- صحيح، هذا ما بدأت به كلامى، وسبق وأوضحته فى حوارين تليفزيونيين قبل أسابيع، وقلت بصراحة إن مصر بلد فقير، رغم معارضة الضيوف الآخرين وتأكيدهم بأن مصر دولة غنية.
أنت ترى مصر بلداً فقيراً لكن فريقاً آخر من الاقتصاديين يراها بلداً غنياً يعانى من سوء الإدارة وسوء توزيع ثرواتها؟
- ما أراه أن مصر بلد فقير نتيجة اختلال نسبة السكان مع الموارد، أى إن مشكلتها مشكلة فقر، وليست مشكلة توزيع، والدليل على ذلك أن الـ20% الأفقر فى مصر يحصلون على نسبة من الدخل القومى تتجاوز ما يحصل عليه نظراؤهم فى دول كثيرة، منها تركيا وفرنسا والولايات المتحدة، لكن فى المقابل لو نظرنا سنجد أن إنتاجية هؤلاء ضعيفة، والمجتمع لا يعالج قضية الإنتاجية رغم أهميتها، مساحة مصر كبيرة ولا نستخدم منها سوى 7% إلى 8%، والباقى صحراء متسعة، نتيجة ضعف الموارد المائية التى نسىء استخدامها، وأى محاولة لتغيير طرق وأساليب الرى ثبت أنها أمر صعب، لدينا كذلك مشكلة طاقة، فلا توجد طاقة كافية للصناعة وغيرها، وسيأتى وقت نستورد فيه الطاقة.
متى وكيف يمكن أن ينتهى كابوس التضخم الحالى وينعم المواطن بمعدلات أسعار معتدلة؟
- يجب عدم الخلط بين مفهوم التضخم كمؤشر اقتصادى عام وبين زيادة سعر بعض السلع أو الخدمات. التضخم يعنى ارتفاع المستوى العام للأسعار. أى متوسط التغيّر فى أسعار جميع السلع والخدمات التى يستهلكها الناس. وهذا المتوسط قد يكون نتيجة لارتفاع أسعار بعض السلع بدرجة كبيرة (مثل اللحوم والدواجن)، وارتفاع البعض الآخر بنسبة بسيطة (مثل الخضراوات ومنتجات الألبان)، وعدم تغيير أسعار بنود أخرى، مثل البنزين والغاز الطبيعى، وانخفاض أسعار بنود مثل الملابس والمفروشات، وهكذا. ربما يرتفع سعر البنزين أو تعريفة الكيلوات/ ساعة للكهرباء بنسبة 10% فى تاريخ محدّد مثلاً، ولا يتغيّر معدل التضخّم عن تلك الفترة، لأن الوزن النسبى ضئيل لهذين البندين فى ميزانية الإنفاق الاستهلاكى، وأن سلعاً أو خدمات أخرى قد انخفضت أسعارها مما عادل الزيادة التى حدثت فى البنزين والكهرباء. فى العادة يستطيع المستهلك التأقلم مع الزيادة لمرة واحدة فى سعر سلعة أو خدمة، ولكن المشكلة اقتصادياً واجتماعياً تكون صعبة عندما يرتفع معدل التضخم بنسبة كبيرة. وهذا هو الوضع فى مصر فى الفترة الأخيرة. لقد زاد المعدل عن 32%. من المتوقع أن تتّجه هذه النسبة إلى التراجع قليلاً وتدريجياً، لكن التصدى الجدى للتضخّم يقتضى التمسّك بمحاصرة عجز الموازنة العامة بشتى الطرق خصوصاً على جانب المصروفات، والشجاعة فى التعامل مع اعتمادات الدعم بأنواعه المختلفة.
كنت تقول إن 16 جنيهاً للفرد يومياً هى حد الفقر فى مصر، بكم تقدر هذا الرقم الآن؟
- لا يشغلنى تقدير قيمة الحد الأدنى لإنفاق الفرد الفقير أو الأسرة الفقيرة. لقد أصبحت لدينا تجربة مشروع الدعم النقدى مثل «تكافل وكرامة» اللذين يستفيد منهما آلاف الأسر. يجب سرعة تحليل نتائج التطبيق وتوسعة التغطية للأسر التى يقل إنفاقها السنوى عن 4000 جنيه. ومساعدتها بدفع الفرق بين هذه القيمة والمبلغ الفعلى الذى تنفقه الأسرة، مع البدء الجدى فى إحلال الدعم النقدى محل السلعى.
كثير من المواطنين يعتقدون أن إجراءات الحكومة القاسية لن تفضى إلى شىء ذى نفع؟
- هذا حدث قبل ثورة 25 يناير 2011، التقارير التى خرجت بعد هذه الثورة أشارت إلى أن هناك من لم يكن مشمولاً بثمار معدلات النمو المحققة من فئات المجتمع، وأرى أن من ساهم فى هذا الوضع هو الصحافة والإعلام، وفى تقرير شهير ذكر كاتبه أن مشكلة الفقر كانت إحدى أهم المشكلات التى أدت إلى ثورة 25 يناير، لأن المصريين كانوا يقارنون أنفسهم بأشقائهم العرب، هل هذا يُعقل؟!.
هل هناك ما يدعوك إلى التفاؤل فى المرحلة الحالية ومستقبلاً؟
- لست من مدرسة التفاؤل والتشاؤم، أنا كنت وما زلت رغم كل الظروف الصعبة موضوعياً، وأرى الأمور بمقياس العقل والمنطق، وبمعايير علمية حاسمة، هذا ما تعلمته وأؤمن به، وبطبيعة الحال أنا متفائل انطلاقاً من مقولة «تفاءلوا فإن فى التفاؤل بركة»، وأنا مؤمن بأن مصر مصونة ومحفوظة من قبل الله سبحانه وتعالى، لكن أحوالنا كان من الممكن أن تكون أفضل مما هى الآن لو أن كل طرف تحمل مسئوليته كما ينبغى، مصر تاريخياً ليست من الدول الجاذبة للاستثمار نتيجة عدم الاستقرار الأمنى والسياسى، لكن أهم سبب هو أن المستثمرين المصريين تحديداً فى مجال الصناعة التحويلية متكاسلون، وهنا لن يجد المستثمر الأجنبى من يشاركه استثماراته فى مصر، فالرأسمالية المصرية لا تقدر، وتاريخياً هذه الرأسمالية لا تستطيع أن تنجز، وفترة 2008 كانت واعدة للاستثمار الأجنبى خاصةً فى الصناعات التحويلية غير البترولية، وأدعو السادة الوزراء بالحكومة الآن إلى النظر والتدقيق إلى الملفات التى كانت موجودة بمكاتبهم، ومنها كافة المشروعات التى كانت موجودة بمختلف القطاعات، عليهم أن يفتشوا فيما كان يفكر فيه رشيد محمد رشيد، وما كان يفعله حسن يونس، ووزير النقل، وغيرهم، والأمثلة كثيرة، منها مشروع منطقة شمال غرب السويس، وتنمية الساحل الشمالى، والظهير الصحراوى، وأسرار الوزارات فى جيب اثنين ثلاثة من الوكلاء السابقين وغيرهم، على الوزراء الاستعانة بهؤلاء المسئولين السابقين.