د. محمد حبيب:سأنتخب أبو الفتوح.. والرئاسة «شيلة تقيلة» على الإخوان
«ليس حسن البنا هو الذى أسس تيار التزمت فى الفكر الإسلامى، إذ الحقيقة أن هذا التيار «المتزمت» قد تأسس ضده، وتمرد عليه».. هذا ما يقوله الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى عن الشيخ حسن البنا فى كتابه «شخصيات لها العجب»، إذن كان الشيخ يؤمن بالحوار، ويرفض الانفراد بالرأى، ويقبل المعارضة، ويرحب بالمشاركة.. هذا الخط السياسى فى فكره، لماذا تغير اليوم فى الجماعة؟.. هذا السؤال دار فى ذهنى وأنا فى طريقى للدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين سابقاً، وهو الذى انسحب - ملتزماً الصمت - من الجماعة، ثم بعد شهور استقال منها. كان يسكن فى المنيل، بالقرب من مقر الجماعة القديم، قبل أن تصعد إلى جبل المقطم فى مقرها الجديد بعد الثورة.. اتصلت به لتحديد الموعد، فقال: أنا تركت المنيل، وانتقلت إلى التجمع الخامس.. تخيلت أننى سأجده يسكن فى فيلا أو «كمبوند»، إلا أننى عندما وصلت وجدتها شقة عادية، تدل على حالة الرضا التى يعيش فيها هذا الرجل، وإن كان من سوء حظ الجماعة أن تم اغتيال الشيخ حسن البنا وهو لم يتعد الـ 43 عاماً، فمن سوء حظ مصر -خاصة فى هذه المرحلة- أن ابتعد هذا الرجل عن الجماعة، فهو -حسب ما أعتقد- يؤمن بالحوار، ويقبل المعارضة، ولا يحب المراوغة، ويتنفس صدقاً، ويرفض ألاعيب السياسة، ويراها -حسب قوله- «هدّامة للمجتمع»، ويقول دائماً: إن الجماعة جزء من الوطن، والوطن فيه شركاء غيرها، وهى لا تستطيع أن تفعل شيئاً بمفردها، حتى وإن استحوذت على كل شىء، ولكن للأسف الشيخ حسن البنا قُتل، والدكتور محمد حبيب ابتعد!
وصلت فى الموعد المحدد إليه.. قلت: مصر تعيش اليوم أزمة.. على ضوء ذلك، كيف ترى الرئيس القادم ونظامه؟.. قال: أزمة مصر حالياً هى فقدان الثقة، وغياب الشفافية.. قلت: حتى بعد رحيل مبارك ونظامه؟.. رد: بالتأكيد.. وتلك هى المأساة.. وإلى نص الحوار:
فى البداية كان إلى حد ما مقبولاً .. ثم جاء الفساد والتوريث وتزوير إرادة الجماهير
إلى أى نظام سياسى يتجه المجتمع المصرى بعد انتخاب الرئيس؟
- فى العقود الماضية، كانت الصلاحيات المعطاة لرئيس الدولة بلا حدود، فكانت تجعل منه شبه إله، ورأينا كيف تسبب ذلك فى الفساد والتخلف التقنى والحضارى على المستوى الداخلى، ورأينا أن هذه الصلاحيات جعلت الرئيس يهمش دور مصر على المستويين الإقليمى والدولى، ورأينا كيف كشفت الثورة عن الفساد، وعن التخريب الذى حدث للعقلية المصرية، على مدار العقود الماضية، وعن تخريب الضمائر وفساد الذمم وهذا هو الأهم.
? وهل كل ذلك سببه الصلاحيات التى كانت ممنوحة للرئيس؟
- دون شك.. كل ذلك وغيره، ولذلك هذه الصلاحيات لن تتكرر مع الرئيس القادم، ومن هنا فإن نظام الحكم القادم يجب أن يتغير.
? إلى أى نظام تفضل أن نتجه؟
- أفضل نظام فى الفترة المقبلة للشعب المصرى هو النظام المختلط، الذى يجمع بين النظامين البرلمانى والرئاسى، وهذا يتطلب من النخبة والساسة والدستوريين أن يبحثوا عن كيفية عمل ذلك، حتى يتم انتشال البلد مما هو فيه.
? وهل سيسمح التيار الإسلامى بالتعاون فى ذلك، وهو الذى رفض من قبل المشاركة فى اللجنة التأسيسية؟
- التيار الإسلامى عليه أن يعرف أنه فصيل فى المجتمع، وأن كل الأزمات لا يستطيع تيار أو فصيل مهما كان حجمه أو تمثيله البرلمانى مواجهتها بمفرده. لذلك لا مفر إلا بتلاحم وتكاتف القوى السياسية كلها.
? لكن الإخوان يقولون إنهم أصحاب الأغلبية، ولديهم مشروع للنهضة؟
- موافق على ذلك، لكن هل الإخوان هم الذين سينفذون ذلك المشروع بمفردهم، أم ستكون معهم الجماعة الوطنية؟
? لكن الجماعة الوطنية حاجة وجماعة الإخوان المسلمين حاجة تانية؟
- هذا فى الدعوة، أما فى السياسة فالكل فى جماعة واحدة -أو هكذا المفترض- نعمل بالتعاون والمشاركة من أجل البلد كله، وحتى إن كنت صاحب مشروع نهضوى كما تقول.. فهذا المشروع حتى ينجح يتطلب المساعدة من الجماعة الوطنية، ثم يحتاج الشعب الذى سيقوم بتنفيذ مشروعك.
? لكننا الآن أمام التيار الإسلامى وأغلبيته البرلمانية، وهم فى اتجاه، وباقى الفصائل السياسية فى اتجاه آخر؟
- هنا المشكلة.. لأنه إذا أُغلقت الطرق ما بين الجماعة الوطنية والقوى الثورية، فتأكد أن مصر لن تخطو خطوة للأمام.
? مدنية أم دينية؟
- لا.. مدنية، الدولة فى الإسلام هى دولة المؤسسات والقانون، دولة ترتكز على احترام الدستور والقانون وتنفيذ أحكامه، وأن الحاكم هو أجير، وتجب مساءلته، وربما عزله، إذا انحرف عن مساره الذى جاء به الشعب من أجله، الدولة فى الإسلام لا يوجد بها كهنة ولا كهنوت، لا يوجد فيها رجال دين.
? الدولة فى الإسلام إذ لم يوجد فيها رجال دين.. فمَن يكون فيها؟
- رجال العلم.. وبالتالى رأيهم فى ذلك رأى أى ناس متخصصين وخبراء، كل فى مجاله، وانظر لمؤسسة الأزهر على سبيل المثال، هى ليست سلطة، ولا تجد شيئاً تستطيع فرضه، إنما السلطة هى للمجالس النيابية صاحبة القوانين والتشريع، وهى التى لها السلطة، ما أقصده أن المجلس الذى تم انتخابه بطريقة نزيهة، هو صاحب الحق فى التشريع، وليس أى سلطة دينية.
? لكن البعض حالياً يطالب بتعديل المادة الثانية من الدستور، حتى تصبح أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للدستور؟
- هذه المادة تعبر عن هوية الدولة، وهوية الشعب المصرى كله، وهى المظلة التى يقف تحتها كل ألوان الطيف السياسى، ويقف أيضاً إخواننا الأقباط.. لذلك أنا أرى أن الحديث عن هذه المادة فى الوقت الراهن خطأ كبير.
? لماذا؟
- لأن تطبيق الشريعة الإسلامية والكلام عنها فى هذا التوقيت -كما قلت- خطأ.. لأن تطبيق الشريعة وأحكامها، أوسع مما يتحدث عنه البعض، لأن حتى أحكام الشريعة لا تعمل فى الفراغ، ولكنها تهيئ المجتمع لقيم إنسانية -قبل العمل بها- بالحكمة والموعظة الحسنة، دون قهر وجبر وقسر، ولا بد من توفير الاستقرار والأمن والأمان والمأكل والمشرب والملبس، لا بد من احترام حقوق الإنسان وكرامته، والكرامة هنا لكل بنى آدم وليس للمسلم فقط.. وحتى تطبق الشريعة عليك أولاً أن تحقق شرط تطبيقها.
? وهل لتطبيق الشريعة الإسلامية شروط؟
- طبعاً.. سيدنا عمر بن الخطاب.. كان له تعامل خاص مع «المؤلفة قلوبهم» وكذلك لم يقطع يد السارق فى عام الرمادة. هو فى الحالتين لم يلغ هذا النص أو ذاك، ولكنه وجد الشروط غير متحققة، وأنت لا تستطيع تطبيق أحكام الشريعة، إلا إذا هيأت المجتمع لذلك، والبداية فى تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة.. لذلك على الذين يتكلمون عن الشريعة الإسلامية، أن يعرفوا أن المجتمع المصرى أمامه الكثير حتى يتحقق هذا، وأطالب بأن تظل المادة الثانية من الدستور كما هى، ولا تتغير فى الوقت الراهن، المسألة ليست مسألة «لافتات» تعلق، ولا كارنيهات توزع.
? أيهما أفضل لمصر -كمجتمع- فصل الدين عن السياسة أم لا فصل للدين عن السياسة؟
- الشعب المصرى متدين بطبعه، والدين فى وجدانه، وحتى تفصل ما بين حياته ودينه، سيكون من الصعب جداً، والإسلام ليس الصلاة فى المسجد أو الحج أو الزكاة. الإسلام بالإضافة لهذا فيه الاقتصاد والاجتماع والثقافة.. الإسلام دين ودولة، كما قال الإمام حسن البنا، والإسلام حضارة، والإسلام فيه سياسة.
? لكن السياسة فيها ألاعيب وحيل ومؤامرات؟
- السياسة حينما تخلو من منظومة القيم الأخلاقية والإيمانية والإنسانية الرفيعة، تصبح «عفن»!.. لذلك نحن نريد أن نرتقى بالسياسة، ولا نكذب ولا نخدع، ولا نلغى اتفاقاً من أجل اتفاق آخر.
? لكن هذا هو الذى يحدث الآن على الساحة السياسية المصرية؟
- ولذلك حدوث هذا هو الذى يجعل المجتمعات تنفق أوقاتاً ضخمة فى المناورة والضحك على الشعب والأحزاب والقوى السياسية الأخرى، يجب أن تكون لدينا شفافية وموضوعية وثقة، وعلينا أن نحتمى بالقيم، لأن إنقاذ المجتمع يأتى من مجموعة القيم التى تحميه.. وتقوى من مناعته، وللنهضة شروط.
? وما شروط إقامة نهضة فى المجتمع؟
- أى نهضة يجب أن تقوم على قيم أخلاقية وإيمانية.
? حتى فى السياسة؟
- طبعاً.. أليس مشروع النهضة الذى تتحدث عنه، هو سياسة؟.. إذن تنطبق عليه -إذا أردت نجاحه- حزمة القيم الأخلاقية والإيمانية.
? وإذا لم تتوافر شروط حزمة القيم تلك؟
- يبقى مفيش حاجة اسمها «نهضة».. أول شىء أطلق على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كان الصادق الأمين حتى قبل البعث.
? إذن الصدق والأمانة من مقومات بناء نهضة الأمم؟
- بلا شك.. وتأكد أن الرئيس القادم والنظام القادم إذا كان مشروعهما غير قائم على الصدق، فتأكد أنك لن تجنى شيئاً، بل إن المجتمع سيكون معرضاً للخراب والدمار.
? قلت إن ترشح الإخوان على منصب الرئيس خطأ استراتيجى.. هل ما زلت عند قولك هذا؟
- طبعاً.
? لماذا؟
- للإجابة هنا، عليك أن ترد فى إطار السياق الذى قلت على أساسه إنه خطأ استراتيجى.. والسياق يقول إن الإخوان قالوا فى البداية: نحن لن نرشح.. ثم فى مرحلة ثانية قلت: لا نريد ترشيح واحد له خلفية إسلامية، وليس من الإخوان.. ثم فى المرحلة الثالثة قلت: لا.. سأرشح من الإخوان، دون مبرر مقنع للرأى العام.
? وهل أثر هذا التراجع فى صورة الإخوان لدى الرأى العام؟
- بالتأكيد.. لأن الجماعة تقول إنها ركيزة أخلاقية وإيمانية مطلوبة لحيوية وقوة المجتمع.
? لكنه يريد أن يمارس السياسة.. والسياسة فيها كذب وخداع؟
- أنا ليس لدى مانع.. ولكن هذه قضية ثانية.. هنا أنا أتوقف أمام الناخب الذى ذهب واختار حزب «الحرية والعدالة»، هذا الناخب اختار الحزب على خلفية أن هؤلاء الناس «بتوع ربنا» وما دمت أنت كذلك، فعليك أن تلتزم بالعقد الذى بينك وبين الناس.
? إذن صورة الإخوان تغيرت بعض الشىء عند المواطن المصرى؟
- طبعاً.. لأنه سيسأل ماذا حدث؟.. هذا الحزب كان يقول كلاماً ثم عاد وقال كلاماً آخر، هنا اهتزت الصورة لدى المواطن.. أنت أيضاً أخذت الأغلبية فى البرلمان، وإن كنت لا أتمنى أن يحصل الإخوان على أغلبية البرلمان.
? لماذا؟
- لأن الإخوان لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً بمفردهم، وكان عليهم أن يعرفوا أن ثقة الجماعة الوطنية فيهم ضرورة حتمية، حتى يقف الكل تحت المظلة الوطنية.
? ليس البرلمان فقط.. الإخوان يريدون وضع الدستور؟
- هذه نقطة مهمة.. أنت عندما تريد تشكيل جمعية تأسيسية لا يصح أن تستحوذ عليها.. ومن الغريب أن الإخوان جاءوا برئيس المجلس الذى هو منهم لرئاسة اللجنة التأسيسية، وكان من الممكن أن يتصرف الإخوان برشد وحكمة، ولكن للأسف هذا لم يحدث، ونتيجة ذلك أن جزءاً من الثقة فى الإخوان تبدد وتبخر، ثم من غير المفهوم إصرار الإخوان على منصب رئيس الوزراء، وإقصاء د. كمال الجنزورى.. إذن أنت أمام جماعة الإخوان وهم لديهم أغلبية البرلمان، ثم تريد وضع الدستور ثم رئيس الحكومة، هذا يمزق خيوط الربط ما بين التيار الإسلامى والجماعة الوطنية، وعليهم أن يعرفوا أن الشعب المصرى لن يقبل هذا.. الشعب المصرى لن يقبل منك هذا بعد اهتزاز ثقته فيك، الشعب المصرى لن يتركك تأخذ كل السلطات.
? من هنا اعتبرت السعى لمنصب الرئيس خطأ؟
- طبعاً.. أنت محتاج حالياً الدفع بعجلة الإنتاج، والتنمية، وتريد استثمارات وسياحة ونهضة، كل هذا عظيم، لكن هل تريد أن تفعل ذلك وحدك؟
? آه.. الإخوان يريدون ذلك وحدهم؟
- لن يحدث.. لأن نسبتك محدودة ومتواضعة للغاية، إذا قارنت بينها وبين الشعب كله، بالإضافة إلى أن «الشيلة تقيلة»، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولى والإقليمى سيطلب منك تنازلات، وأنت ستفعل، وبذلك تتناقض مع نفسك.
? لكن الإخوان قالوا نحن نحترم معاهدة السلام.. ألا يعد هذا تناقضاً؟
- هذا ما أقصده.. وأقول له آسف.. أن تحترم معاهدة السلام شىء.. وأن تلتزم بها شىء آخر.. لأن الالتزام يعنى إعادة النظر فيها مستقبلاً.. لكن الاحترام معناه أن الإخوان «حطوا» اتفاقية السلام مع إسرائيل فوق دماغهم ورحبوا بها.
? هل لو وصل الإخوان للرئاسة.. سيحدثون تغييراً فى شكل الدولة المصرية؟
- لا.. هذه مبالغة.. وعلينا أن نعود لما يطلق عليه «الدولة العميقة».. نحن أمام جبل جليد.
? تقصد مصر؟
- نعم.. أنا أشبهها بجبل الجليد، يظهر منه الجزء العلوى، ومصر ما زال فيها جزء «غاطس» وهو مصيبة و«محدش قده». ومصر ما زال فيها رجال المال والأعمال، والمؤسسات الاستخباراتية ورجال الإدارة فى الوزارات والمحليات، وهؤلاء عددهم لا يقل عن 6 ملايين وهم يتحكمون فى شكل وصياغة الدولة.
? بالمناسبة يا دكتور صوتك لمن؟.. للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أم للدكتور محمد مرسى؟
- لا.. طبعاً.. للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.