البداية.. مصر بلد الـ«مليون حلم»
الحق فى السكن وتعليم جيد ورعاية صحية متكاملة حلم كل المصريين
أحلام كثيرة فى شوارع وبيوت مصر، يتمنى أصحابها أن تتحقق وتتحول من أحلام إلى حقائق، بعضها يتعلق بالوطن الصغير حيث الأمور شخصية تخص الأسرة أو الوظيفة أو المسكن أو تحسين الدخل، وأخرى تتعلق بقضايا واهتمامات عامة تخص الوطن الكبير.
«عايز أشوف تعليم كويس فى بلدنا»، يتحدث الدكتور أحمد ربيع، أستاذ اللغة العربية بكلية التربية جامعة بنها، قائلاً إن تحقيق هذا الحلم كفيل بأن يحقق من بعده جميع الأحلام الأخرى لجميع المصريين: «لو بقى عندنا تعليم على مستوى عالى، هتحصل نهضة فى البلد بكل تأكيد، لأن التعليم هيخرج أجيال تقدر تصلح اللى فات، وتقدر تحقق تنمية وتدير حياتها بطريقة أفضل»، العديد من المواطنين اكتفوا بالتعبير عن حلمهم فى تطوير التعليم، منهم أيضاً أحمد حسن، خريج كلية العلوم جامعة القاهرة، قائلاً: «كان نفسى أدرس علوم بطريقة أفضل من اللى درستها، لكن التعليم فى بلدنا مستواه ضعيف، وبحلم بحاجات كتيرة لكن أهمها إن منظومة التعليم فى المدارس والجامعات تنصلح».
آخرون تركزت أحلامهم فى «شقة العمر» مثل حسن إبراهيم، البالغ 26 عاماً، وتسلم وظيفته فى إحدى شركات الاتصالات قبل أشهر قليلة، لكنه الآن لا يحلم إلا بالوحدة السكنية التى يقيم فيها، والتى يصعب عليه توفيرها فى هذه السن، يقول: «أنا مقبل على مشروع جواز، وإيجارات الشقق بقت عالية جداً، ومقدم كبير، وبحلم يكون عندى البيت بتاعى اللى أتجوز وأعمل أسرة فيه»، قدم «حسن» أوراقه للحصول على وحدة فى الإسكان الاجتماعى، ويتمنى أن تشمل القرعة اسمه ليكون أحد الفائزين بـ«شقة العمر»، فيما يقول محمد حسين، العامل فى موقع بناء بالمرحلة الثالثة من حى الأسمرات: «نفسى أشوف المشروع وهو متشطب وخلصان والناس بتاخد شققها زى أهالى المرحلة الأولى والتانية»، يضيف «حسين»: «هحلم بإيه أحسن من إن ناس غلابة تيجى وتنقل للمكان اللى بنيته بإيدى».
«رمضان» يبحث عن وظيفة.. و«حسن» ينتظر «شقة العمر».. و«ربيع» عايز التعليم ينصلح حاله.. و«هيثم»: «مصر تبقى قد الدنيا»
حلم الوظيفة راود كثيرين، من بينهم رمضان على (29 سنة)، الحاصل على بكالوريوس تربية قسم جيولوجيا، موضحاً أن أى شاب بمجرد التخرج يبحث عن باب رزق يستطيع أن يعيش منه ويبدأ حياته، يقول: «عمرى ضاع فى التعليم لمدة 16 سنة، وبعد التخرج مش لاقى شغل، والحكومة لا تفعل أى شىء للشباب، فهى تتحدث فقط عن المشاريع التى تقيمها لهم وعن فرص العمل التى توفرها بالآلاف فى الوقت الذى لا نرى فيه أى شىء من هذه الفرص»، مستدركاً بقوله: «أنا عايز أشتغل». الوظيفة هى الحلم الذى عبر عنه أيضاً يوسف عيد (24 سنة)، الطالب بمعهد مساحة وخرائط، يقول: «بحلم بفرصة الحصول على أى وظيفة فى أى مكان، عايز أى شغل ومش مهم أكمل تعليم ما أنا أصلاً مش هتوظف»، فيما قال أشرف حسن، البالغ من العمر 54 سنة، ويعمل موظفاً حكومياً، إنه لا يحلم بالوظيفة لنفسه ولكن لأولاده: «أنا قضيت عمرى فى وظيفتى، لكن حلمى إن أولادى يعيشوا حياة أفضل منى بشغلهم ودراستهم، ويكون مستقبلهم مختلف ويبقوا فى مكان أحسن من اللى أنا فيه».
وتقول فاطمة محمد، السيدة الأربعينية، إنها لا تحلم بشىء إلا «انخفاض الأسعار»، وتضيف: «مستورة والحمد لله، والبلد بقت أحسن والأمن رجع والدنيا مستقرة وفيه شغل بيحصل لينا ولأولادنا، لكن اللى بتمناه هو إن الأسعار تنزل، مش عايزة أكتر من كده، لأن العيشة غالية كتير عن الأول»، وشاركتها هدى إبراهيم، الحلم نفسه، قائلة: «ولادى اتجوزوا وحياتى مستورة، وعملت حجة وزرت بيت ربنا، ولو عايزة حاجة تحصل فهى إن الأسعار تنزل لأن الحاجة ولعت، من أسعار الأكل والشرب لحد العلاج».
مستوى أبسط الأحلام راودت بعض الباعة الجائلين فى شوارع المحروسة، «بتمنى أجوز أخويا الكبير، وأخلى أمى تروح الحج»، هكذا تمنى محمد عبدالغنى، 18 سنة، طالب بالصف الثالث الثانوى تجارى، الذى وقف أمام إحدى عربات الفواكه بالدقى، لكن أحلامه لم تتوقف عند هذا الأمر، فيضيف: «بتمنى كمان أعمل مشروع كويس.. علشان ما أتبهدلش فى الشارع، وأحس إن الناس بتعطف عليا وهى بتشترى منى»، وعلى فرشة أخرى لبيع المناديل جلست نادية على (64 عاماً)، مرتدية جلبابها الأسود، ويظهر على وجهها التجاعيد، تقول بنبرة حزن: «أنا بحلم أعيش زى الناس مش أكتر من كده، ابنى عيان ومأجرة أوضة بنام فيها أنا وهو وجوزى، وبدفع كل شهر 350 جنيه إيجار، غير الميه والنور، هجيب منين؟»، ويقول رزق عبدالمنعم (65 سنة)، أحد أبناء القليوبية الذى يجلس على كرسى خشبى أمام أحد المبانى التى يقوم بحراستها: «بتمنى أيام السادات ترجع تانى، وكل حاجة تكون حلوة، أيام السادات كل حاجة كانت رخيصة وليها طعم»، «عبدالمنعم» أحد محبى الرئيس الراحل أنور السادات، يضيف فى حديثه عنه: «الراجل ده بحبه، وعِشت فى أيامه أحلى فترة فى شبابى».
«رضا ربنا» كان على قائمة أحلام البعض أيضاً، فلا يتمنى حسان محمد (62 سنة)، فى كل ما تبقى من حياته أكثر من الفوز بـ«رضا ربنا»، فيتحدث عن أمله وهو يبتسم: «أنا حلمى مختلف عن الناس وبسيط جداً، أنا بتمنى رضا ربنا، سبحانه وتعالى»، وفى بساطة شديدة مماثلة يعبر «عبدالمنعم»، الرجل الثلاثينى، عن حلمه البسيط قائلاً: «عايز أفرح بولاد أخويا علشان أنا اللى ربيتهم وعلمتهم، وبحلم أشوفهم فى أماكن كويسة»، بينما قال هيثم محمد، الذى خرج إلى المعاش قبل عام واحد: «بحلم أشوف مصر تبقى أحسن بلد فى الدنيا، وتقضى على الإرهاب وتقف على رجلها وتبقى أقوى من الأول، أو تبقى قد الدنيا زى ما بيقول الريّس دايماً».
وقالت هبة مراد، خريجة كلية الآداب قسم اجتماع، إن حلمها يتلخص فى مفهوم «الطمأنينة»، بمعنى أن تشعر بأنها مطمئنة على نفسها وأهلها وأقاربها وزملائها، وتوضح: «نفسى يكون كل شخص نازل من بيته للشارع حاسس إنه مطمئن تماماً، ومفيش حد هيؤذيه بكلمة أو بفعل، خاصة البنات والسيدات اللى بيتعرضوا لمواقف كتيرة سيئة»، وأضافت «هبة»: «أتمنى إن حال البلد يتعدل، والناس تبقى مبسوطة وسعيدة ومش شايلين الهم بسبب ظروف اقتصادية صعبة».
أما عن تحقيق الحلم للمصريين من وجهة نظر خبراء علم النفس والإجتماع فتقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية: «قبل ثورة 25 يناير 2011، كان حلم المواطن المصرى، هو العدالة فى توزيع الثروات، وكان يعتمد اعتماداً كلياً على الدولة فى تحقيق أحلامه، لكن بعد الثورة تغير الفكر والحلم عند المواطن المصرى، حيث أيقن فكرة الاعتماد على النفس، دون انتظار مساعدة الدولة له، لأن الجميع أدرك أن الدولة معهاش عصا سحرية»، وتابعت قائلة: «اللى خلى الشباب يقوموا بثورة يناير، أنهم كانوا معتقدين إن الدولة مفروض تحقق لهم كل اللى هما عاوزينه، وإن الغلط فى النظام الحاكم نفسه، من غير أى جهد منهم، لكن دلوقتى بقى يعتمد على نفسه فى تحقيق أحلامه».
وتواصل «سوسن» حديثها: «عشان الحلم يتحقق، لازم يكون فيه تدريب وتأهيل نفسى مع إمكانيات الحلم، ويكون فيه وعى بالحلم اللى عاوز أحققه، لازم أكون عارف إمكانياتى، هل هى مناسبة للحلم ولا لأ، ولازم أكون عارف إمكانية الحلم اللى بحلمه، هينفع يتحقق ولا صعب تحقيقه».