الصحة.. أمل الفقراء والأغنياء
المرضى ينتظرون نهاية عصر «الداخل مفقود والخارج مولود»
الحصول على خدمة صحية جيدة بات حلماً للجميع، فى ظل تراجع مستوى الأداء والتجهيز والاستعدادات فى كثير من المستشفيات والعيادات الصحية بمختلف أنواعها، سواء الحكومية أو الخاصة، مما يدفع الكثير إلى الشكوى المستمرة من واقعة إهمال هنا، وأزمة علاج هناك، فيما أكدت وزارة الصحة أنها اتخذت خطوات جيدة فى سبيل تحقيق هذا الحلم، واستطاعت أن تُقدّم تجارب ناجحة مثل حملتها لمواجهة فيروس سى، وحدّد خبراء ومتخصّصون عدة تحديدات ما زالت قائمة، أبرزها ضعف الميزانية المخصّصة للصحة.
ودلّل الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، على المجهودات التى تبذلها الوزارة بالكثير من التجارب الناجحة التى تم تدشينها خلال العامين الماضيين، ونجحت على مستوى كبير وصل إلى الاستشهاد بها عالمياً، منها التجربة الناجحة فى علاج مرضى فيروس الكبد الوبائى سى، مؤكداً أن الدول الأفريقية والآسيوية تسعى لنقل التجربة المصرية لمواجهة هذا الفيروس. وأضاف الوزير: «هناك تحديات كثيرة واجهتنا كثيراً فى ملف فيروس الكبد الوبائى سى، الذى كان يعد حلماً صعب التحقيق، لكن تم التغلب عليه، حتى أصبح الحلم حقيقة على أرض الواقع، ونحلم حالياً بالقضاء على المرض تماماً، ومن تلك التحديات فى ملف فيروس سى الأسعار الباهظة للدواء وقوائم انتظار المرضى وعدم دراية المصابين بإصابتهم بالفيروس»، لافتاً إلى أنه تم بذل جهود كبيرة ممثّلة فى التفاوض مع الشركات لتوفير سعر منخفض لعلاج عدد أكبر من المرضى وإنهاء قوائم الانتظار الطويلة، متابعاً: «قمنا بالتغلب على ذلك من خلال تشجيع الشركات المحلية لإنتاج الدواء والقضاء على قوائم الانتظار، وتجربة مصر الرائدة أصبحت قصة نجاح تُروى فى أغلب المحافل الدولية، وهناك بعض الدول طالبت بنقل التجربة الناجحة إلى بلادها، مثل المغرب والبرازيل وروسيا، وبعض الدول الأفريقية».
وفى مجال صحة المرأة، قال وزير الصحة إنه تم إعطاء الأولوية للوقاية من الأمراض، وليس فقط العلاج منها، لافتاً إلى تكثيف الجهود لتمكين المرأة وتعزيز حقوقها الصحية، من خلال تنفيذ برامج ناجحة، مثل البرنامج القومى لمكافحة سرطان الثدى، والعيادات المتنقلة للمناطق المحرومة، والبرنامج القومى لتنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، مضيفاً: «استطاعت مصر أيضاً أن تقدّم تجربة أخرى ناجحة فى خفض معدل وفيات السيدات، وفى عام 1992 كان معدل وفيات السيدات 174 سيدة لكل 100 ألف امرأة، وانخفضت هذه النسبة فى 2015 - 2016 بنسبة 72%، وأصبحت 49 سيدة لكل 100 ألف، مما يعكس الجهود الناجحة للوزارة فى الاهتمام بصحة المرأة».
المرضى ينتظرون نهاية عصر «الداخل مفقود والخارج مولود».. والوزارة تُدلل على جهودها بالتجربة الناجحة فى محاربة «فيروس سى».. و«عماد الدين»: العالم يستشهد بما نبذله.. والخبراء يُحدّدون 3 تحديات تواجه تحقيق الحلم: ضعف الميزانية.. ونقص الأسرة.. وقلة عدد الأطباء والممرضين
ورغم التحديات والشكاوى التى ما زالت مستمرة، أكد «عماد الدين» أن مصر أصبحت بما تمتلكه من مقومات قبلة للسياحة العلاجية، خصوصاً من الدول الأوروبية، وذلك من خلال توافر الأدوية بأسعار زهيدة، مقارنة بالدول، بالإضافة إلى المناخ الجاذب للسياحة فى مصر، كما أن الحكومة ستسعى لتعزيز هذا الاتجاه خلال السنوات المقبلة.
وفى مجال التعاون مع الدول الأفريقية بمجال الدواء، أشار إلى أنه تم إنشاء شركة مصرية متخصّصة باسم «أفرى فارم»، لتتعاون مع الدول الأفريقية فى مجال صناعة الدواء والرعاية الصحية، وقامت الشركة بتوقيع بروتوكول تعاون مع عدد من الدول الأفريقية، مثل دول غينيا الاستوائية وتنزانيا وبوركينا فاسو، تحت إشراف وزارة الصحة المصرية.
من جانبه، اعتبر الدكتور علاء غنام، عضو لجنة إعداد قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، أن القانون سيسهم فى حل الكثير من الأزمات العالقة بالقطاع، خصوصاً بعد أن نجحت وزارة الصحة فى إدراجه حيز التنفيذ بعد فترة طويلة من المناقشات حوله تصل إلى نحو 9 سنوات ظل خلالها القانون حائراً، موضحاً أن وزير الصحة أعلن أنه سيتم تطبيق القانون على أرض الواقع خلال 2018، وأنه أصبح «حلماً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع»، مشيراً إلى أن تكلفة تطبيق القانون عقب إقراره ستتراوح بين 120 و130 مليار جنيه، طبقاً للدراسة الاكتوارية المحدّدة للتكلفة المالية اللازمة لتطبيق القانون على أرض الواقع، والتى تم إعدادها بمكتب عالمى. وأضاف: «الحكومة قادرة على توفير ميزانية تطبيق التأمين الصحى، وضرائب السجائر منفردة ستوفر 40 مليار جنيه، سيتم ضمّها إلى تكلفة تطبيق القانون، ومتوسط نصيب الفرد سنوياً من التأمين الصحى 1300 جنيه سنوياً، وسيتم تطبيق القانون على 6 مراحل خلال فترة تتراوح بين 10 و12 سنة.
وحول أهم التحدّيات التى تواجه الحكومة، قال «غنام»: «البنية التحتية للمستشفيات على رأس التحديات التى تواجهنا، والوزارة تعمل على تطويرها حالياً، وكذلك الفرق الطبية من أطباء وممرضين التى تعانى من نقص أحياناً، وأيضاً هناك خطة للوصول إلى المستوى المطلوب الذى لا يتسبّب فى حدوث أزمات».
وعن كفاءة المنظومة الصحية فى الوقت الحالى، قال الدكتور محمد حسن خليل، رئيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، إن تقييم كفاءة المنظومة يعتمد على تقييم عناصرها الأولية، مشيراً إلى أن أول مشكلة تواجه المنظومة فى الوقت الحالى تتعلق بعدد الأسرة، حيث إن الإحصائيات تشير إلى أنه يوجد فى مصر 1.1 سرير لكل ألف مواطن فى المستشفيات الحكومية والجامعية، وبإضافة المستشفيات الخاصة يصبح نصيب المواطن 1.4 سرير لكل ألف مواطن، بما يُمثّل أقل من نصف المتوسط العالمى، موضحاً أن المتوسط العالمى 2.9 سرير لكل ألف مواطن، مضيفاً: «المعدل فى الستينات كان 2.2 سرير لكل ألف مواطن، وذلك يوضح أن هناك تراجعاً فى عدد الأسرة، كما أنه لا يتم مواجهة الزيادة السكانية، مما يتسبّب فى تفاقم الأزمة». وأوضح أن الأزمة تنتشر تحديداً فى مجالى الرعاية المركزة ورعاية القلب، حيث تزداد شكاوى المرضى، لا سيما فى شهور نوفمبر وديسمبر ويناير، بالتزامن مع انتشار أزمات القلب والفشل التنفسى فى هذه الفترة من كل عام.
وأضاف «خليل» أن الأزمة الثانية تتعلق بالنقص الشديد فى العنصر البشرى، موضحاً أن هناك نقصاً شديداً فى عدد الأطباء بنسبة 30%، وبحسب الإحصائيات فإن هناك 0.7 طبيب لكل ألف مواطن، بينما الحد الأدنى المقبول فى الدول النامية 2 طبيب لكل ألف مواطن، ويتراوح المتوسط العالمى بين 6 و7 أطباء لكل ألف مواطن كما فى إنجلترا. وتابع أن النقص فى التمريض يمثل أزمة كبيرة أيضاً، مشيراً إلى أن نسبة العجز تصل إلى 55%، وثلث أسرة الرعاية المركزة مغلقة لنقص التمريض، مشدداً على أنه لا بد من حل مشكلات توفير العنصر البشرى، سواء الأطباء أو التمريض، للنهوض بالمنظومة الصحية.
والأزمة الثالثة التى تمثل تحدياً كبيراً لتحقيق حلم توفير خدمة صحية جيدة لكل مريض، هى نقص ميزانية الصحة، الأمر الذى يؤثر سلباً بشكل كبير على توفير خدمة طبية لائقة، وعلى جذب الأطباء والممرضين وعدم سفرهم إلى الخارج، منوهاً بأن الدستور ينص على تخصيص 3% من الناتج المحلى الإجمالى للصحة، على أن ترتفع لتصل إلى المعدلات العالمية، وتبلغ نحو 6% بحسبه، بينما ميزانية الصحة فى مصر حالياً تقف عند 2% من الناتج المحلى الإجمالى، مطالباً بتفعيل النص الدستورى، حتى تستعيد المنظومة الصحية عافيتها بمستوى خدمة طبية جيّدة للمرضى وأجور عادلة للأطباء والممرضين والعاملين.