«علام»: الدواعش ليسوا منا ولسنا منهم بل خوارج يجب قتالهم والرسول وصفهم بـ«كلاب جهنم» وطوبى لمن قتلهم
الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية
قال الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، إن عدداً من أئمة وفقهاء الأمة أيدوا تكفير المتطرفين على شاكلة تنظيم «داعش» الإرهابى، وغيره، ومن هؤلاء الأئمة «البخارى والشافعى ومالك بن العربى والسبكى والقرطبى وابن على»، مضيفاً أن الانشغال بمواجهة هؤلاء المتطرفين أولى بكثير من صرف الوقت فى الحديث عن تكفيرهم من عدمه.
وتابع المفتى، فى حواره لـ«الوطن»، أن دماء الركع السجود فى مسجد «الروضة» بشمال سيناء، ستظل لعنة تطارد المتطرفين التكفيريين إلى يوم القيامة، والاعتداء على المساجد «إفساد فى الأرض والدين وتخريب للأخلاق»، وفاعلوه أظلم الناس وأضلهم، ووعدهم الله بالخوف والخزى والعذاب العظيم.
مفتى الديار المصرية لـ«الوطن»: قتال الإرهابيين أولى من إهدار الوقت فى تكفيرهم
وفى قراءة لفكر سيد قطب قال «علام»، فى حوار مطول لـ«الوطن»، إنه صدَّر فكرة «جاهلية المجتمع» وحتمية الصراع بحيث يصبح القتل والتدمير داخلاً فى حيز الإباحة عنده من أجل إعادة الناس عن جاهليتهم. كما انتقد فكر ابن تيمية وتلاميذه لأنهم كفروا وأبدعوا كل من خالفهم وفتحوا الباب على مصراعيه لتكفير الناس دون ضابط أو رادع، وأن جماعات الضلال تنظر لممارسات التصوف التى عليها جماهير الأمة على أنها ممارسات شركية، وبالتالى فمساجدهم مساجد ضرار وأماكن لممارسة الشرك لا لعبادة الله عز وجل، من وجهة نظر المتطرفين.. وإلى نص الحوار:
كيف تابعتم الحادث الإرهابى الذى استهدف مسجد الروضة بسيناء؟
- أولاً أتقدم بخالص التعازى لمصر كلها فى شهدائها وقد ارتفعت أرواح شهدائها الأبرار إلى الرحاب المقدسة والجوار الكريم فى ساعة مباركة وعلى عمل صالح فهنيئاً لهم الجوار الكريم وألهمنا الله جميعاً وأهليهم وذويهم الصبر والسلوان على الفراق، وربما يتعجب القارئ إذا قلت إن هذا الحادث كان فيه من العلامات والآيات على أن هذا الوطن يسير على طريق الحق المبين؛ فهؤلاء الذين رفعوا السلاح باسم الدين زاعمين زوراً أنهم يطلبون الشريعة، أو يطبقون الإسلام فضحهم الله تعالى أمام العالمين واعتدوا بهذه الطريقة الوحشية المتجردة من كل قيمة دينية أو إنسانية فى سابقة تاريخية على المساجد والمصلين، ويكفى أن نقرأ فى البيانات الرسمية أن نحو 30 طفلاً ماتوا، فبأى ذنب قتلوا؟ لقد ظهر أن هؤلاء المتطرفين لا دين لهم وليسوا منا ولسنا منهم، وستكون دماء الركع السجود لعنة عليهم إلى يوم القيامة، ولنضع أيدينا فى يد بعض مع جيشنا الباسل وشرطتنا لنضرب جميعاً بيد من حديد على رؤوس هؤلاء المجرمين الفجرة الخوارج.
وهل نحن أمام نقلة نوعية فى عنف تلك الجماعات؟
- نحن بالفعل أمام نقلة نوعية جديدة من عنف الجماعات الإرهابية، فقد أظهرت العملية الأخيرة خبث نواياهم ومقاصدهم، وأن الهدف ليس إعلاء راية الإسلام كما يدّعون، وأنهم من أجل تحقيق مصالحهم ومطامعهم مستعدون لإراقة الدماء كائناً من كان حتى يصلوا إلى ما يصبون إليه من زعزعة للأمن والاستقرار، فالكل مستهدف سواء مسلم أو مسيحى أو مدنى أو عسكرى، لأن الهدف هو مصر، وهم يستهدفون مصر فينا.
نواجه نوعية جديدة من عنف الجماعات هدفه تدمير مصر.. وحمل السلاح لإرهاب الناس أو التجارة فيه دون ترخيص محرم شرعاً.. ومرتكبو حادث الروضة أظلم الناس وأضلهم ويريدون توصيل رسالة بأنه لا أمان حتى فى بيوت الله.. وجزاؤهم الخوف والخزى والعذاب العظيم
استباحة المساجد فى الإسلام، هل سبق أحد إليها من قبل؟ وكيف كانت عاقبته؟ وحكم الإسلام فيهم؟
- الذى تعلمناه من الشرع أن الذى يعتدى على المساجد هو أظلم الناس وأضلهم، وتوعد الله من يعتدى على المساجد بالخوف والخزى والعذاب العظيم، قال تعالى «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم»، فكيف بمن قتل المصلين فى وقت صلاة الجمعة، إنه إفساد فى الأرض وإفساد للدين وتخريب للأخلاق، وللأسف إذا عميت الأبصار والبصائر بهذه الطريقة جارت على أماكن العبادة ولم تفرق بين مسجد ولا غيره، والخوارج لهم تاريخ أسود فى الاعتداء على المساجد، هم قتلوا أمير المؤمنين الإمام على بن أبى طالب وهو متجه للصلاة بالمسجد، وفى ولاية يزيد بن معاوية قذفت الكعبة بالمنجنيق واحترق جزء من أستار الكعبة والمسجد، كما سُرق الحجر الأسود من المسجد الحرام واستباحه البغاة، وهؤلاء لا تكون العاقبة لهم إلا الخزى وأن يورثهم الله الخوف والخزى والعذاب العظيم فى الدنيا والآخرة.
ما منطلقات هؤلاء الإرهابيين فى الهجوم على مصلين آمنين؟
- هؤلاء بعد ما تمكن عندهم الكبر والاستعلاء على الخلق وابتلوا باحتقار إلى الناس عادوا يظنون أنهم هم المؤمنون ومن سواهم ممن يختلف معهم كفار أو مرتدون، ونزلت الغشاوة على أبصارهم بصورهم أكبر فلم يعودوا ينظرون إلى عبادة عابد ولا قداسة مسجد ولا كنيسة ولا عصمة الشيوخ الكبار ولا الأطفال الصغار، وحرمة الإنسان أعظم عند الله من حرمة كل بنيان، وقد بُحّت أصواتنا ونحن نردد قوله تعالى «الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً»، وماذا تصنع وقد قال تعالى «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون»؟ فهم يريدون أن يوصلوا إلينا رسالة أنه لا يوجد مكان آمن حتى بيوت الله، وأنهم يستهدفون الجميع حتى ولو كانوا ساجدين مصلين، وهو ما يبين درجة ما وصلوا إليه من فجور بأنهم فوق حرمة الدماء التى يسفكونها، فإنهم مستعدون لسفكها فى بيوت الله التى هى أحب الأماكن إلى الله، ولكنهم لن يفلحوا لأن الله توعدهم ووعده الحق.
ما إسهام الدار فى مراجعة مؤلفات فكر سيد قطب وحسن البنا وغيرهما من الأدبيات المتطرفة؟
- الدار عكفت على مؤلفات سيد قطب وحسن البنا وإخوانهما من دعاة التطرف على مدار التاريخ القديم والحديث، وحللت الأفكار وردتها لأصولها، وتابعت آثارها عبر مرصد الفتاوى والأفكار التكفيرية والشاذة، وأخرجت التقارير المتتابعة للرد على الأفكار أولاً بأول، وناقشت هذه الأفكار أيضاً فى سلسلة من الفتاوى الصادرة رسمياً من أمانة الفتوى بالدار، وصدرت بحمد الله موسوعة الرد على الفتاوى المتشددة والإرهابية فى أول عمل موسوعى لذلك.
الصوفية أكابر الأمة والتصوف علم «شريف».. وجماعات الضلال تنظر لممارسات المتصوفة على أنها شرك ومساجدهم «ضرار»
وكيف ترى وصف سيد قطب للمساجد بأنها معابد للأوثان؟
- كيف تسمى مساجد الذاكرين العابدين مساجد ضرار؟ وبم تسمى أوكار المتطرفين المجرمين القتلة؟ كأننى بقوله تعالى «وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون»، فسيد قطب صدَّر فكرة «جاهلية المجتمع»، واعتبر أن المجتمعات الآن قد عادت إلى الجاهلية ولا بد من عودتها مرة أخرى إلى الإسلام، وأنه لكى يحدث ذلك فلا بد من قوة فيما وصفهم بـ«فتية آمنوا بربهم» ليعيدوا الناس إلى المسار الصحيح على زعمه، وأفكار سيد قطب هذه تؤكد حتمية الصراع مع المجتمع بجميع مكوناته سواء القوات الأمنية والعسكرية أو المجتمع المدنى لنشر تلك الأفكار، وبالتالى يصبح القتل والتدمير وأخذ الأموال داخلاً فى حيز الإباحة عنده من أجل إعادة الناس عن جاهليتهم.
أجمع الفقهاء أن مستبيح الذنب كافر، ونحن أمام من استباحوا أعظم الذنوب وهو قتل النفس واستباحة بيوت الله، فهل الدواعش كفار وفقاً لعقيدتنا الإسلامية الأشعرية؟
- الدواعش خوارج قطعاً، والخوارج يجب بكل المعايير قتالهم ومواجهتهم على كل حال، وهذا ما يجب أن نوجه النظر إليه، هم باتفاق ليسوا منا ولسنا منهم، ومآلهم قطعاً إلى الجحيم، وقد جاء التصريح الصريح من المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنهم «كلاب جهنم»، وأنهم شر قتلى قُتلوا تحت ظل السماء، وطوبى لمن قتلهم وقتلوه.
دعنى أقل إن العناية بقتالهم أولى من صرف الوقت فى تكفيرهم وعدم تكفيرهم، التكفير فلا يكون إلا بجحود الإسلام والشهادة بوحدانية الله تعالى وبنبوة سيدنا محمد. أما الذنوب والجرائم رغم فجورها ومخالفتها للشرع والإنسانية فلا يمكن أن تكون مبرراً لتكفير شخص، فالأولى بدلاً من تبادل التكفير أن نبين فساد منهج الجماعات المتطرفة والرد عليهم وتفكيك أفكارهم المنحرفة حتى يحذرهم الناس، وكذلك بيان أساليبهم التى يجذبون بها الشباب من أجل تحصينهم من الوقوع فى براثن التطرف.
الإرهاب يستهدف مصر فينا.. والمواجهة الفكرية هى السبيل الأمثل لمحاربته والقضاء عليه.. والحل الأمنى والعسكرى وحده لا يكفى.. ومن يعين الإرهابيين ولو بالكتمان يلقى الله مكتوباً بين عينيه «آيس من رحمة الله».. وأقول للمتعاطفين «ألا يكفى دماء 30 طفلاً وأشلاء الشيوخ؟»
الفكر الضال منذ «ابن تيمية» يفسق ويبدع ويكفر التصوف، فهل كان لذلك تأثير فى حادث الروضة؟
- فكر «ابن تيمية» أصابه كثير من الضبابية والتغبيش، لأن مَن يقرأ فكره يلاحظ هذه الإجابة، وكأن أكثر من شخص له مشارب متعددة كتب هذا الفكر، مما جعل الأجيال المتتالية ممن انتسبوا لهذا الفكر يتبنون هذه الأفكار الخاطئة، ولديهم العداء الواضح للتصوف. واضح أن لديهم العداء للتصوف والأخلاق، وواضح غياب البُعد الإنسانى والوطنى، والتصوف هو الجانب النورانى للدين وهؤلاء ظلاميون وللأسف من جاء بعد «ابن تيمية» من تلامذته ومن يتبعون فكره ومنهجيته كانوا أكثر عداوة للصوفية وأطلقوا الكثير من الأحكام التكفيرية الجائرة على الصوفية وغيرهم فأصبح كل من يخالفهم مبتدعاً أو كافراً أو مشركاً من أهل النار، ففتحوا الباب على مصراعيه لتكفير الناس دون ضابط أو رادع.
والصوفية هم أكابر الأمة وعلماؤها، فالتصوف كما قال الإمام الحافظ السيوطى رحمه الله: «إن التصوف فى نفسه علم شريف، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدعة والتبرى من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليم لله والرضى به وبقضائه وطلب محبته واحتقار ما سواه».
وما رأيك فى ربط استهداف مسجد الروضة بأنه يتبع الطريقة الجريرية الصوفية؟
- الذى ينبغى التوقف عنده فى هذه الحادثة اختيار المسجد المستهدف كونه مسجداً للصوفية يجتمعون فيه لذكر الله تعالى وممارسة شعائرهم الدينية، وإقامة الصلوات كسائر المسلمين، والصوفية فعلاً ينالهم النصيب الأكبر من فتاوى التكفير والاستباحة فى فكر وتراث هذه الجماعات الضالة، فهم ينظرون إلى ممارسات التصوف التى عليها جماهير الأمة الإسلامية على أنها ممارسات شركية، وبالتالى فمساجدهم مساجد ضرار وأماكن لممارسة الشرك لا لعبادة الله عز وجل، ومن ثم فالرابط أو التلازم الدائم بين التكفير والقتل موجود دائماً، ويريدون من الصوفية أن يتخلوا عن وسطيتهم وعن منهجهم السمح وتأييدهم للوطن أو أن يدفعوا ثمن موقفهم من دمائهم وأشلائهم، وهذه الجماعات مطمئنة تماماً إلى أن هناك من أفراد اللجان الإلكترونية من سيقوم بالتغطية والتعمية.
أئمة عظام واجهوا تكفير الفكر السلفى للصوفية، فوجدنا الإمام السبكى فى «القديم» و«الكوثرى» فى «الحديث»، فلماذا ضعفت مقاومة هذا الفكر وبات يحتل الساحة ويدعى امتلاك الحقيقة؟
- لا نمل التعليم والدعوة وتصحيح مسار الإفتاء تحت سقف المقاصد الشرعية الكبرى «عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس»، ورددنا على كل انحراف، وكان من أواخر الفتاوى التى أخرجناها من دفاتر دار الإفتاء المصرية الرد على من حرم تحية العلم الوطنى والرد على من أنكر مشروعية الاحتفاء بالمولد النبوى الشريف وهكذا ونحن مستمرون، ولكن فى كثير من الأحيان يعلو صوت الضجيج على صوت العقل والحكمة، وللأسف ساعد على ذلك كثير من القنوات الفضائية فى فترة من الفترات التى كانت تفتح المجال لأصحاب هذه الأفكار الهدامة والمنحرفة المخالفة لجمهور علماء الأمة الإسلامية، فبثوا سمومهم فى عقول الناس، وغسلوا عقول الشباب تارة باسم السنة وتارة باسم الخوف من البدعة وتارة ثالثة باسم تنقية الدين مما يعتقدون أنها بدعة أو شركيات.
ألا يمكن للإفتاء دعوة أساطين الفكر السلفى لمراجعة أفكارهم تلك؟ والدخول فى نقاش معلن؟
- باب دار الإفتاء مفتوح لكل من يريد فى إطار المصلحة الدينية والوطنية وقواعد البحث العلمى السديد، وبالفعل نحن على استعداد لاستقبال العائدين التائبين من هذه التنظيمات المتطرفة الذين يبحثون عن الحق ما دامت لم تصب أيديهم دماً حراماً، لدراسة أفكارهم ومناقشتها وبيان صحيح الدين فيما وقعوا فيه من أخطاء وشبهات، ما دام المعيار هو المعالجة الفكرية وليست الجدال من أجل الجدال.
الاعتداء على المساجد إفساد فى الأرض والدين وتخريب للأخلاق.. ودماء الركع السجود لعنة ستطارد المتطرفين ليوم القيامة
كيف يمكن مواجهة المتشددين؟ وهل النقاش معهم مجدٍ أم المواجهة بالسلاح؟
- المواجهة لا بد أن تكون بكل وسيلة أمنية وتعليمية واجتماعية على التوازى وبما يناسب حال هؤلاء، فهم كذلك ليسوا على درجة واحدة، والتطرف منه ظاهر ومنه تطرف كامن، والكامن ربما ظهر وحمل السلاح فى يوم من الأيام، والأمر يحتاج إلى تكامل جهد الجميع، والمعالجة والمواجهة الفكرية هى السبيل الأمثل لمواجهة التطرف والإرهاب، وهى المعالجة الفكرية؛ لأن داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة تقوم على تفسيرات منحرفة للنصوص الدينية، لذلك نؤكد دائماً أن الحل الأمنى والعسكرى وحده لا يكفى، بل يجب استئصال التطرف من جذوره، وذلك لن يتم إلا بالمواجهة الفكرية، لذا نحن فى دار الإفتاء أدركنا منذ البداية هذا الأمر وسعينا لتفنيد ودحض شبهات المتطرفين والرد عليها بطريقة علمية عبر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذى أنشأته الدار عام 2014، وذلك عبر وسائل مختلفة، من أهمها استغلال الفضاء الإلكترونى للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الناس وبلغات عدة، لتحصين الشباب من الوقوع فى براثن التطرف.
ماذا تقول لمن تعاطفوا مع هذه الأفكار من عامة الشعب وأيدوها واعتبروها جهاداً؟
- ألا يكفى ما أظهره الله من آيات وعلامات؟ ألا تكفى دماء الأطفال الثلاثين وأشلاء الشيوخ المائة والثلاثين للوعظ والتذكير، ألا يكفى ذلك لنضع يدنا فى أيدى بعض من منطلق الدين والمصلحة الوطنية والمعانى الإنسانية لنواجه ونتحدى المعتدين؟ فالمتطرفون ضيقوا مفهوم الجهاد وفسروه بأنه القتل والذبح، بل وادعوا زوراً وبهتاناً أن هذا المفهوم المشوه هو الجهاد الذى شرعه الله، مع أن الجهاد فى جوهره هو الجهد البشرى الساعى إلى تحسين حياة الفرد والمجتمع والدفاع عن الأوطان تحت راية الدولة، فإحياء الناس وعمارة الأرض هو النموذج الإلهى للجهاد، فهؤلاء عصابات إجرامية لا هم دعاة ولا هم مجاهدون، ومنهم من يعلم ومن مضلل مغرر به، فالدفاع عن الوطن هو الجهاد الحقيقى بأى وسيلة كانت سواء بالجانب الفكرى أو الأمنى أو الوقائى والعلاجى.
الحادث الأخير أوضح حجم عنف العدو الذى يواجهه رجال الجيش والشرطة منذ سنين فماذا تقول لهؤلاء الجنود والقيادات؟
- أقول ما قاله النبى لمواجهة هؤلاء المجرمين «طوبى لمن قتلهم وقتلوه من قتلهم هو أولى بالله منهم»، وقال الله عن المتطرفين «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض»، والجندى عندما يقاتل هؤلاء الإرهابيين فإنه يكون فى رتبة قد تفوق ذلك الجندى الذى يقاتل الأعداء المعروفين، فحربنا ضد الإرهاب تسعى لتحقيق انتصار يعيد إلينا أمجاد 6 أكتوبر وغيرها من الانتصارات المصرية، والقتال لأجل إعلاء كلمة الله وإعلاء كلمة الوطن والدفاع عن مقدرات الوطن والشعب يعتبر جهاداً بالمفهوم الشرعى، لأن الرسول قال «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قُتل دون نفسه فهو شهيد».
الحادث هز بعنف يقين البعض فى دينهم، فماذا تقول لهم؟
- اقرأوا العلامات والآيات يتجلى أمامكم قوله تعالى «ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً»، نحن موقنون وإنا لمنتصرون، والنص الشرعى يبين أن المسلم بين دائرتين؛ دائرة الشكر ودائرة الصبر؛ لذا فالإنسان مبتلى فى الكون وعليه فهو بين دائرة الشكر ودائرة الصبر، والمسلمون عبر التاريخ ومنذ عهد النبوة مروا بالكثير من الابتلاءات والأحداث، لكن ما وهنوا وما استكانوا، بل كانوا على يقين بنصر الله وتأييده، وهو ما حقق لهم الثبات والفوز فى النهاية، ولم تزعزع تلك الأزمات حب الله وحب النبى فى قلوبهم قيد أُنملة، لذا علينا أن نكون على يقين بنصر الله وأنه لا يصلح عمل المفسدين، ولا بد أن نعمل على مواجهة هذا الفكر العفن المنحرف، وأن نبنى مهما واجهنا من صعاب ونتأسى بفعل النبى وصحابته الكرام.
وما حكم من أعان الخوارج على القتل؟
- من أعان على القتل ولو بالكتمان فهو مشارك فى القتل، فقال النبى «من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقى الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله»، بل من يكتم لديه من المعلومات شيئاً ويخفيه فهو آثم يحق فيه قول النبى «لعن الله من آوى محدثاً»، ولهذا أدعو الجميع إلى مساعدة الدولة فى تحقيق العدالة، وأن من يدلى بشهادته يجب أن يكون صادقاً وأميناً ولا يحرف الحقيقة فيضلل العدالة، كما أدعو المواطنين بأن يكونوا إيجابيين وأن يساعدوا رجال الأمن فى الكشف عن الإرهابيين وعدم التستر عليهم لأنه أمر محرم شرعاً ويجرمه القانون.
وماذا عن حكم الإسلام فيمن يحمل علينا السلاح بقصد التخويف؟
- حمل السلاح لإرهاب الناس محرم شرعاً، فقال النبى «من حمل علينا السلاح فليس منا»، أما التخويف، فقال الله «لئن لم ينته المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجفون فى المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً»، فليس حمل السلاح فقط بل حتى يحرم استخدامه أو التجارة فيه بيعاً وشراءً أو تصنيعه أو إصلاحه بدون ترخيص من الدولة، تعامل الشريعة الإسلامية مع قضايا السلاح يأتى من منطلق الحفاظ على النفس والأمن الفردى والمجتمعى باعتباره مقصداً من مقاصد الشريعة الإسلامية، ولذلك جعلت الشريعة الأصل فى الدماء والفروج هو الحرمة، وسنَّت من الأحكام والحدود ما يكفل الحفاظ على نفوس الآدميين، ويحافظ على حماية الأفراد واستقرار المجتمعات وسدَّت من الذرائع ما يمكن أن يمثل خطراً على ذلك ولو فى المآل.
حدثت بلبلة كبرى بسبب قوائم الشيوخ المصرح لهم بالإفتاء فى الفضائيات.. كيف تابعتم هذه الأزمة؟
- هذه قوائم مرشحة للإسهام بتقديم كوادر وسطية يستطيع الإعلام الاستعانة بها من دون احتكار ولا إقصاء ولا استبعاد ولا حجر على رأى، وقد طُلب منا كثيراً تقديم الكوادر المناسبة للخطاب العام، فلم هذه الضجة!