تربويون: التعليم يحتاج لإعادة بناء وليس إلى أفكار خيالية لا تتفق مع ثقافة المجتمع
تطوير التعليم يتطلب الإرادة السياسية
أكد عدد من الخبراء التربويين أن مشكلة التعليم تتمثل فى غياب الإرادة السياسية لإصلاح المشكلات التى تعانى منها المنظومة التعليمية فى مصر منذ سنوات طويلة، لافتين إلى أن بعض أفكار التطوير التى أعلنت الوزارة عنها مؤخراً غير مدروسة من جانب الوزارة، وبها تناقض كبير، ولذلك لا بد من تجربة هذه الأفكار على عينات عشوائية من المدارس قبل تعميمها للتأكد من نجاحها، وطالب بعضهم وزارة التربية والتعليم بالإفصاح عن خطة التطوير التى سيتم تطبيقها، بآليات تنفيذها وتكلفتها، حتى يقوموا بدراستها لتقييمها وضمان نجاحها.
وقال كمال مغيث، الخبير التربوى، إن مشكلة التعليم فى مصر تتمثل فى غياب الإرادة السياسية عن أى إصلاح جذرى للمشكلات وإيجاد حلول لها، خصوصاً أن أغلب المشكلات التى تعانى منها المنظومة التعليمية ليست جديدة، وإنما هى مشكلات متكررة عبرت عنها الدراسات والشهادات والتقارير الدولية التى صنفت مصر أكثر من مرة فى آخر مراتب نظم التعليم المعتبرة، بجانب مشكلة المعلمين بالمدارس الحكومية والخاصة، إذ أصبح المعلم مضطراً أن يقف أمام 70 طالباً فى الفصل الواحد مقابل راتب شهرى لا يتعدى الـ1500 جنيه، ما يجعله يشعر بأن مؤسسته لا تحترمه وبالتالى يبادلها نفس الشعور، على حد قوله.
«مغيث»: أغلب مقترحات الوزارة للتطوير أشكال للهروب من المشكلات الحقيقية و«شحاتة»: تعليمنا يعتمد على الحفظ وليس الفهم وأغلب المطروح «رؤية فردية» و«طارق»: لا بد من الحصول على نسبة التعليم كاملة من الدخل القومى
وأضاف: «المهنة أصبحت بالنسبة للمُعلم مُذلة، ومع تدهور كفاءة المدرسة بحسب كلام بعض الوزراء الذين ذكر أحدهم أن هناك مليوناً و200 ألف طالب فى المرحلة الابتدائية لا يعرفون القراءة والكتابة، وأصبح من يريد أن يتعلم يبحث عن التعليم خارج المدرسة، ولذلك أعطى المدرس وقته وجهده واهتمامه كله للدروس الخصوصية، بدلاً من المدرسة، لأنها توفر له حياة كريمة»، ويشير «مغيث» إلى أن أغلب المقترحات التى ظهرت مؤخراً لتطوير التعليم من جانب الوزارة، هى مجرد أشكال للهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية فى التعليم، مبرراً ذلك بأن من يصدر مثل هذه القرارات غير معنى بالعملية التعليمية بشكل أساسى، ولذلك يتم التراجع عن أغلبها نتيجة عدم وجود إرادة حقيقية ملمة بملف التعليم وأولوياته، مضيفاً: «لا يمكن أن يتم تطبيق التعليم «الأوبن بوك» أو التعليم «أون لاين» إلا فى وجود معلمين مهنيين ليس دورهم فقط هو تحفيظ المنهج للطالب، وفى ضوء نسق ونظام تعليمى غير قائم على حفظ الكتاب المقرر، وامتحانات تقيس المهارات العقلية العليا للطالب، فبعض الدول المتقدمة تعتمد على هذا الأسلوب لكن لا بد قبل تطبيقه أن تنجز الوزارة ما عليها من واجبات حتى تتمكن من تطبيق أى نظام جديد بشكل صحيح».
ويقول حسن شحاتة، خبير تربوى: «إن التعليم فى مصر يحتاج إعادة بناء وليس أفكاراً خيالية لا تتفق مع ثقافة المجتمع المصرى، وأغلب ما يتم طرحه على الساحة حالياً ناتج عن رؤية فردية»، متابعاً: «الوزير عزل نفسه عن التربويين ولم يستفد من الخبرات الاستراتيجية التى سبقته، ولذلك كانت قراراته إما فوقية غير قابلة للتطبيق، أو قرارات تصطدم بعد تطبيقها بالواقع المصرى ويتم التراجع عنها»، ويوضح «شحاتة» مشكلات التعليم فى مصر، قائلاً: «ثقافة التعليم فى مصر تعتمد على الحفظ وليس الفهم، نتيجة لعدم وجود مدارس كافية على مستوى محافظات مصر، وعدم استخدام التكنولوجيا فى المدارس، بجانب عدم إعداد المدرسين بشكل جيد قبل بداية العام الدراسى، والمشكلة الثانية هى التمويل، إذ لا بد من تنويع التمويل لأنه ليس هناك إنفاق كاف على التعليم، سواء فى رواتب المعلمين أو على المدارس نفسها».
ويقول «طارق نور الدين»، معاون وزير التربية والتعليم الأسبق، إنه لا بد من أن تكون القرارات التى تصدر من قبل الوزارة مدروسة بشكل جيد قبل إطلاقها حتى لا يتم التراجع عنها فيما بعد، وهو ما ينتج عنه فقدان الثقة بينها وبين الرأى العام، مضيفاً: «ما يتحدث عنه الوزير فيما يخص تطوير نظام الثانوية العامة و«الأوبن بوك» وغيرها، لا يخرج عن كونه تصريحات، لأنه لم يخرج للرأى العام أو النواب خطة حقيقية مكتوبة حتى يتسنى لنا أن ندرسها جيداً لتقييمها وإعطاء رأينا كمتخصصين وخبراء فيها»، لافتاً إلى أن المنظومة التعليمية بأكملها تحتاج إلى تغيير، خصوصاً المرحلة الثانوية، لكن فى وجود خطة واضحة يتم الإفصاح عنها بآليات تنفيذها وتكلفتها وميعاد محدد لبدء تنفيذها والانتهاء منها، حتى نضمن نجاح المشروع بنسبة100%».
ويشير «نور الدين» إلى أن بعض المقترحات التى أُعلنت مؤخراً تتناقض بشكل كبير مع الواقع المصرى وتحتاج إلى دراسة بشكل أكبر، بحسب كلامه، قائلاً: «على سبيل المثال نظام الأوبن بوك متناقض تماماً مع فكرة إلغاء الكتاب المدرسى الورقى لأنه يعتمد على الكتاب الورقى، فضلاً عن أنه يحتاج إلى معلمين متخصصين فى وضع الأسئلة، وتدريب الطلبة، لأن إذا لم يحدث ذلك، سيكون النظام عبارة عن غش مُقنّع»، لافتاً إلى أنه من المفترض قبل تعميم أى قرار أن يتم تجريبه على عينة من المدارس وحالة ثبوت نجاحه تعمم التجربة، ويوضح «نور الدين» أن الدستور المصرى ينص على أن الإنفاق على التعليم يجب أن تكون نسبته 4% من الدخل القومى، إلا أن وزارة المالية لم تنفذ ذلك حتى الآن، مشيراً إلى أنه فى حالة تفعيل هذا النص سيتم حل نسبة كبيرة من مشكلات التعليم، مثل رواتب المعلمين وصيانة المدارس وتجديدها، مضيفاً: «لا بد من التفكير خارج الصندوق، فهناك موارد فى حالة استغلالها ستوفر مبالغ كبيرة للوزارة، فعلى سبيل المثال فى 2014 تم تركيب ألواح شمسية على بعض المدارس فى الإسكندرية، وبالتالى وفرنا حينها فى الكهرباء، والفائض قامت هذه المدارس ببيعه لوزارة الكهرباء، وكان ذلك يعتبر دخلاً شهرياً لها». وعن زيادة حالات التحرش والعنف فى المدارس، يؤكد «نور الدين» أن الأسرة لها دور كبير فى انتشار تلك الظاهرة، إذ لا بد على الأسرة متابعة أطفالها بشكل جيد فى المنزل والمدرسة وتعليمهم عوامل الأمن والسلامة من التحرش، كما أن المدرسة لها دور من خلال عمل ندوات للمعلمين ومتابعتهم متابعة دقيقة بجانب معاقبة المخطئ.