العملية السياسية تتغير: روسيا تفرض كلمتها.. وأمريكا تتراجع.. وقطر تفقد دورها
إحدى المناطق السورية بعد تعرضها للقصف
بدأ النزاع السورى محلياً عام 2011، بعد تحول الانتفاضة الشعبية فى سوريا إلى نزاع عسكرى مسلح راح ضحيته أكثر من 300 ألف، بحسب بعض المؤشرات، إلا أنه سرعان ما تحول إلى نزاع دولى أعاد ترتيب مواقع القوى الإقليمية والدولية مرات عديدة بحسب تغيرات ميزان القوى على الأرض. خريطة المواقف الدولية والإقليمية كانت من جهة الحكومة السورية تتمثل فى الدعم الإيرانى القوى، حيث تعد إيران الحليف الإقليمى القوى للرئيس السورى بشار الأسد، وأرسلت آلاف العناصر من «الحرس الثورى» لمساندة الجيش فى معاركه، بالإضافة إلى مستشارين عسكريين، إلى جانب توفير مساعدات اقتصادية لـ«دمشق». وقد تمكن الرئيس السورى، الذى كان قريباً من الهزيمة أمام قوات المعارضة المسلحة، ومجموعات إرهابية كتنظيم «داعش»، من استعادة زمام المبادرة، بفضل الدعم الجوى الروسى له منذ نهاية سبتمبر 2015، إلى أن بات «الأسد» الآن فى كفة المنتصر فى مواجهة المعارضة.
خبراء: الأزمة كانت باب العودة الروسية للمنطقة.. و«واشنطن» تركت لـ«موسكو» الدور الرئيسى مقابل مقايضات بقضايا أخرى
على الجهة الأخرى، فإن تركيا وقطر والسعودية منذ بداية النزاع دعمت المعارضة المسلحة، وأيدتها فى المطالبة برحيل الرئيس السورى بشار الأسد، ولا تزال تركيا تحديداً تحتفظ بدور بارز، بعد أن قامت بعملية عسكرية بمشاركة فصائل معارضة فى شمال سوريا ضد تنظيم «داعش» والمقاتلين الأكراد على حد سواء. ونشرت مؤخراً قوات فى الشمال السورى، قالت إنها لضمان إقامة منطقة خفض توتر تم الاتفاق عليها مع «موسكو» و«طهران»، مع تراجع بعض القوى الدولية كالولايات المتحدة وفرنسا فى مواقفها نسبياً من مسألة استمرار الرئيس السورى فى منصبه، مع دعم أمريكى قوى لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، ذات الغالبية الكردية، وصولاً إلى الانتصارات التى حققتها جبهة الحكومة السورية، لتفرض كثيراً من أوراق اللعبة على الساحة الإقليمية والدولية، مع دعوة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للبدء فى عملية سياسية خلال لقائه مؤخراً الرئيس السورى فى «سوتشى».
وقال مدير «مركز دراسات المناطق الدولية» بـ«جامعة القاهرة»، الدكتور محمد كمال، لـ«الوطن»، إن «الأزمة السورية كان لها تأثير كبير جداً، والتأثير والمؤشر الأول للتغير الإقليمى خلال سنوات الحرب هو تصاعد الدور الروسى، فالأزمة السورية فتحت الباب لروسيا لدعم وجودها فى المنطقة، وكانت بوابة لعودتها، بدليل استقبال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للرئيس السورى بشار الأسد». وأضاف: «انتصار الحكومة السورية كان بالأساس سببه الدعم العسكرى الروسى».
وأضاف «كمال»: «الآن الباب مفتوح كذلك لزيادة الدور التركى والإيرانى بشكل كبير، والمؤشر على ذلك الاجتماع الذى عُقد مؤخراً فى سوتشى بروسيا بين الرئيس الروسى ونظيريه الإيرانى والتركى والذى تم الاتفاق خلاله على عدد من النقاط بخصوص التسوية السياسية فى سوريا». وتابع: «روسيا تبدو أنها تحاول لعب الدور الرئيسى فى الملف وأن تكون بديلاً للأمم المتحدة، ودليل على هذا الأمر دعوتها لانعقاد المفاوضات فى روسيا».
فى المقابل، أشار «كمال» إلى أنه «ظهر أيضاً بوضوح ضعف الدور الأمريكى فى الأزمة، وهذا الأمر مؤشر لتراجع الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط بشكل عام». وحول دور السعودية فى الأزمة، قال أستاذ العلوم السياسية بـ«جامعة القاهرة»: «السعودية تحاول أن تلعب دوراً وتستمر فيه، بدليل دعوتها إلى اجتماع توحيد المعارضة فى الرياض، وهذا الدور يأتى فى مواجهة الدوحة». وأضاف «كمال»: «أما بالنسبة لقطر، فإن دورها تراجع وهى تلعب دوراً مسانداً الآن فقط لإيران وتركيا وروسيا، لكنها لم تعد الآن لاعباً رئيسياً كما كانت بسبب الضغوط المفروضة عليها التى جعلت اهتمام الدوحة ينصرف إلى الداخل أكثر».
وقال أستاذ العلاقات الدولية فى «الجامعة الأمريكية»، الدكتور طارق فهمى، لـ«الوطن»: «التسوية السياسية التى ستحدث لاعتبارات سياسية وميدانية، وبعد اللقاء الثلاثى بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران ترسم الحدود الآن بالدم، وآخر ما توصل إليه الأطراف فإن حدود الدم هى الحل فى وجهة نظرهم، والولايات المتحدة الأمريكية تراضت وتركت للروس هذا الأمر».
وأضاف: «واشنطن تركت لموسكو هذا الدور مقابل مقايضات فى قضايا أخرى كالبرنامج النووى الإيرانى وتسوية الأمن فى الخليج وغيرها من القضايا، وسوريا ستكون أول تسوية تتم ثم القضية الفلسطينية». وتابع: «فى هذا الإطار بات ترتيب القوى الدولية فى سوريا كالتالى: روسيا أولاً على المستوى الدولى، وعلى المستوى الإقليمى تأتى إيران وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى كإسرائيل والأردن، أما تركيا فهى لاعب مركزى مهم نتيجة وجودها فى بعض الأماكن الجغرافية فى شمال سوريا، لكن روسيا هى التى ستقرر التسويات وليس أى طرف آخر».