أمين الحسيني.. أول من أشعل فتيل المقاومة بالقدس المحتلة قبل 100 عام
الحاج أمين الحسيني
فلسطين التي لم تهدأ، أشعل "مُفتيها" فتيل ثورتها قبل ما يقرب 100 عام مضت، على نهجه اندلعت المظاهرات، وعلّت رايات الجهاد فتساقط الشهداء ولم تسقط الدولة يومًا، تنقل بين العواصم العربية، ينبت في كل منها زهر القدس والدفاع عنه، فبات "الحاج أمين الحسيني" رمزًا فلسطينيًا للنضال تتداعى صورته مع كل هتاف ومقاومة فلسطينية في وجه قوات الاحتلال.
القدس، مدينة منشأ محمد أمين بن الشيخ طاهر الحسيني في العام 1895، التي ترحلّ عنها وعاد إليها مرات عدة حتى توفى خارج أسوارها في بيروت عام 1975، ودفن في مقابر الشهداء عن عمر ناهز 79 عاما، وهو يعتبر أشهر من تولى منصب الإفتاء في فلسطين، وكان رئيسا للمجلس الأعلى الإسلامي، ورئيسا للعلماء.
كان مفتي فلسطين بين عامي "1921-1948"، ورئيسا للمجلس الأعلى الإسلامي "1922-1937"، وهو ابن لأسرة ميسورة، عرف عن والده اهتمامه بالتعليم، فقد تلقى تعليمه بداية في القدس، وتلقى تعليمه الخاص على يد عدد من العلماء والأدباء، كما التحق بكلية الفرير في القدس لتعلم اللغة الفرنسية، ثم التحق بالجامع الأزهر في القاهرة، وأدى خلال فترة دراسته فريضة الحج، فلازمته صفة "الحاج" طوال حياته، كما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
ألقت مصر عليه بظلال السياسة خلال فترة دراسته بها، فنسج علاقات مع قادة الحركة الوطنية في مصر آنذاك، وعلى إثره قرر الالتحاق في عام 1915 بالكلية الحربية باسطنبول، وتخرج فيها ضابطا، ثم التحق بصفوف الجيش العثماني لفترة وجيزة، وانتقل للعمل سرًا منضما إلى الثورة العربية الكبرى، من خلال لواء القدس والخليل، ثم انضم إلى جيش الشريف حسين بن علي، سعيًا إلى تحقيق حلم إقامة دولة عربية مستقلة إبان الحرب العالمية الأولى.
صدور وعد بلفور عام 1917، كانت شرارة قراره بالعودة إلى القدس، لخوض الكفاح والنضال ضد وجود اليهود والبريطانيين في فلسطين، وأول ما فعل بناء أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين الحديث، والتي عرفت باسم "النادي العربي"، الذي كانت من أبرز مهامه تنظيم مظاهرات في القدس خلال عامي (1918-1919)، وعقد في تلك الفترة المؤتمر العربي الفلسطيني الأول، بحسب "وفا".
أول اعتقال له كان في العام 1920، لكنه تمكَّن من الهرب إلى الكرك جنوب الأردن، ومنها إلى دمشق، لاحقه حكم غيابي بالسجن 15 عامًا، سرعات ما أسقطته السلطات في محاولة منها لتهدئة الغضب الشعبي في أعقاب حل الإدارة المدنية برئاسة هربرت صموئيل، وعاد الحاج للقدس مرة أخرى.
بعد وفاة كامل الحسيني المفتي السابق لفلسطين، انتخب الحاج أمينا لمنصب مفتي القدس، وأول ما اتخذ إنشاء "المجلس الإسلامي الأعلى"، للإشراف على مصالح المسلمين في فلسطين.
ودون المواجهات في الشارع، من على المنصة كانت له مواجهات في المؤتمر الصحفي الموسع الذي عقده في المجلس الإسلامي الأعلى بحضور مندوبين من مختلف الدول العربية والإسلامية، أصدر خلاله فتوى تُحرِّم بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، وبموجبها اعتبر سماسرة الأراضي الضالعين بصفقات بيع أراض لليهود خارجين عن الدين الإسلامي، ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، وفي تلك الأثناء اشترى الأراضي المهددة بالمصادرة من قِبل سلطات الانتداب البريطانية، وضمها للأوقاف الإسلامية.
تشكيل خلايا عسكرية كمقدمة لتأسيس "جيش الجهاد المقدس"، نشاط سري شرع إليه أمين الحسيني، إلى جانب رفضه قرار تقسيم فلسطين بين العرب اليهود الذي جرى طرحه عام 1936، وتصدى له بقوة واختار الحرم القدسي الشريف مقرا له، وبالتالي لم تتمكن السلطات البريطانية من اعتقاله.
من القدس إلى يافا حتى لبنان، كان مطاردًا يتنقل بين العواصم العربية بعد إصدار المندوب السامي البريطاني قرارًا، بإقالته من منصبه، لاعتباره طرفًا مباشرًا ومسؤولا عن العمليات "الإرهابية" التي نفذت بحق الجنود البريطانيين، وعلى رأسها اغتيال حاكم اللواء الشمالي اندروز، وبعد ضيق الخناق عليه وسعي بعض الدول إلى محاكمته كمجرب حرب هرب إلى مصر ليقود الهيئة العربية لعليا لفلسطين التي ترأسها في الثلاثينيات لتعزيز جيش الجهاد المقدس.
في أعقاب نكبة عام 1948، أوعزت الحكومة البريطانية للملك فاروق، بإصدار قرار يقضي بفرض الإقامة الجبرية عليه، واستمر هذا الحال إلى أن اندلعت ثورة مصر عام 1952، وهاجر عام 1959، إلى بيروت لاستئناف نشاطه السياسي من خلال رئاسته "الهيئة العربية العليا لفلسطين"، وأصدر مجلة "فلسطين" من بيروت، حتى وفاته هناك، حسب "وفا".
لقاؤه مع أدولف هتلر عام 1941، الذي طرح فيه العديد من المطالب الداعية إلى الاعتراف بحق العرب في إلغاء الوطن القومي اليهودي، وعدم الاعتراف بالوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، كان واعزًا لاتهام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الزعيم الفلسطيني في الأربعينيات الحاج أمين الحسيني بأنه هو الذي أقنع النازيين بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا، وذلك قبل أن يتوجه إلى برلين، وهو ما رفضه الناطق باسم أنجيلا ميركل إلى دحض تلك النظرية الخاطئة، معترفًا باسم المستشارة أن مسؤولية "الهولوكوست" هي مسؤولية ألمانيا بالكامل.