"إن غداً لناظره قريب" مقولة دارجة على ألسنة الكثير منا ولها أصل في التاريخ فأول من قالها هو قرد بن أجدع للنعمان بن منذر.
خرج النعمان بن منذر على فرسه اليحموم للصيد ومشى على إثر بعير قبله فذهب به الفرس وانفرد عن أصحابه فلم يقدر عليه فسار إلى أن وجد بناءً بداخله رجل من طي يقال له حنظلة ومعه زوجته فطلب منه أن يأويه في منزله فأواه الطائي ولم يكن يعرف النعمان بن منذر.
لم يكن لدى الطائي سوى شاه واحدة فقال لزوجته أرى رجلاً ذا هيئة وما أخلفه أن يكون شريفًا فما الحيلة؟ فقالت زوجته عندي شيء من طحين كنت ادخرته وأذبح الشاة كي نحسن ضيافته، فقام الطائى وحلب الشاة كى يذبحها ويتخذ من لحمها مرقة فأطعمه من لحمها وسقاه من لبنها وأخذ يحدثه باقى الليلة، بحسب كتاب "المنتقى من أمثال العرب".
وفى الصباح لبس النعمان ثيابه وركب فرسه فقال :"يا أبا طى أطلب ثوابك أنا الملك النعمان" ثم مضى نحو الحيرة، ومكث الطائى زمناً حتى أصابته نكبه وساءت حالته، فقال لزوجته لو أتيت الملك لأحسن إليكى فذهب إلى الحيرة فى يوم بؤس للنعمان وكان واقفاً وسط خيله والسلاح، فنظر إليه وعرفه فقال له النعمان أفلا جئت فى يوم غير هذا فقال وما علمى بهذا اليوم ؟ فقال النعمان والله لو جاء لى فى هذا اليوم ابنى قابوس لم أجد بد من قتله فطلب حاجتك من الدنيا واسئل ما بدا لك فإنك مقتول.
فقال الطائى وما أصنع بالدنيا بعد نفسى فقال النعمان إنه لا سبيل إليها، فقال الطائى إن كان لابد فأجلنى حتى أذهب إلى أهلى فأوصى إليهم وأهيئ حالى ثم انصرف إليك، فطلب منه النعمان كفيلا حتى يرجع إليه مرة أخرى، فالتف الطائى خلفه فلم يجد سوى عمرو بن قيس الذى أبى أن يتكفل به، فوثب إليه قرد بن ابن أجدع وقال للنعمان أنا كفيل له، فضمنه وأمر للطائى بخمسة مائة ناقة.
فمضى الطائى إلى أهله وجعل الأجل عاماً من يومه ذلك إلى مثل اليوم فى العام القادم، فلما حال عليه الحول وبقى من الأجل يوم قال النعمان لقرد "فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غداً لناظره قريب"، فلما أصبح الصباح ركب النعمان فى خيله ورجله متسلحاً وأخد معه قرد فقال له وزراءه ليس لك أن تقتله حتى يستوفى يومه، فتركه النعمان وكان يشتهى قتله حتى يفلت الطائى من القتل.
وبينما يستعد النعمان لقتل قرد فإذا بشخص أتى من بعيد وقد رفع يده، فكف النعمان عن قتل قرد حتى وصل إليه الرجل فإذا به الطائى فقال له النعمان ما حمللك على المجئ بعد إفلاتك من القتل، فأجابه الوفاء فقال له وما حملك على الوفاء فقال الطائى دينى فقال له وما دينك قال النصرانية فعرضها عليه وتنصر النعمان وأهل الحيرة كلهم وأبطل سنة القتل وعفى عن الطائي وقرد.
تعليقات الفيسبوك