سميحة نصر: ندفع حالياً فاتورة «الفوضى» ولو فقدنا الثقة فى أنفسنا «هنقع على جدور رقبتنا»
سميحة نصر
«انتشار العنف أخطر الظواهر التى تُهدد المجتمعات»، هذا ما أكدته الدكتورة سميحة نصر، أستاذة علم النفس الاجتماعى والجنائى، رئيسة شعبة بحوث الجريمة والسياسة الجنائية بالمركز القومى للبحوث، التى حذّرت فى حوارها لـ«الوطن»، ضمن سلسلة حوارات ترصد وتحلل التغييرات التى طرأت على المجتمع، من ارتفاع معدلات العنف خلال السنوات الأخيرة التى سمتها بـ«سنوات الفوضى».. وإلى نص الحوار:
رئيسة «شعبة الجريمة» بالقومى للبحوث: معدلات العنف ارتفعت بعد 25 يناير
البعض يلمس زيادة معدلات العنف فى المجتمع خلال السنوات الأخيرة.. هل تتفقين مع ذلك؟
- نعم، بعد ثورة يناير 2011، وخلال سنوات الفوضى وسقوط المؤسسة الأمنية، حدث فراغ فى المجتمع، ومعه زادت معدلات العنف وانتشرت أنماط كثيرة من الجريمة، ومع زيادة الضغوطات اندفع قطاع واسع من المصريين إلى حالة جماعية من الهوس المجتمعى المؤدى إلى درجات متباينة من العنف. فقد كان العنف موجوداً قبل 2011، لكنه زاد وانتشر بعد الثورة فى السنوات التالية بسبب الفوضى.
وكيف أثر ذلك على المجتمع ككل؟
- أثر تأثيراً سلبياً بلا شك، وأصبحت سلوكياتنا تتسم بقدر كبير من العنف، بداية من العنف اللفظى الأكثر شيوعاً، إلى العنف الفكرى والعنف البدنى وتحولنا إلى مجتمع أشباح نخاف من بعضنا البعض منذ 2011.
هل التغييرات السياسية كان لها دور فى خلق هذه الحالة؟
- طبعاً، وتحديداً مع زيادة وانتشار جماعات العنف الدينى والحركات الإسلامية والمتطرّفة التى غذّت حالة العنف فى المجتمع، ولأول مرة رأينا مصريين فى مواجهة مصريين كانت خلال حكم الإخوان وميليشياتهم، والمجتمع المصرى يدفع حالياً فاتورة هذه الفوضى التى عشناها لأكثر من سنة.
التغييرات السياسية المتلاحقة أثرت سلباً على تماسك المجتمع والجماعات المتطرّفة أسهمت فى تغذية العنف بين المصريين
وكيف نُقلل «فاتورة الفوضى»، ونستطيع أن نحمى المجتمع سريعاً؟
- من خلال أن نتكاتف جميعاً، سواء مؤسسات الدولة أو منظمات المجتمع المدنى الشريفة، أو كل مواطن فى موقع مسئوليته، بحيث نعى حقيقة الأزمة ونواجهها معاً، ولا نُعطى الفرصة لمن يريد رفع مستوى الاحتقان والعنف فى المجتمع، سواء لأهداف سياسية أو غير سياسية. الوعى هو الطريق الأول للحفاظ على المجتمع والوطن، والتكاتف هو الخطوة الثانية، وإذا لم نتكاتف ونقاوم للحفاظ على مجتمعنا من تشويهه واختراقه يمكن أن تدخل مصر ضمن مخطط التفتيت، مثل العراق وسوريا واليمن، فسقوط الدول وتفتيتها لا يبدأ من إسقاط السلطة الحاكمة فيها، لكن من خلال تفتيت المجتمع واختراقه ودفعه إلى الاحتقان والعنف والجريمة والغضب والكراهية، عند هذه النقطة تكون التربة ملائمة تماماً لتنفيذ أى مخطط.
هل المجتمع المصرى معرّض للدخول إلى هذه الدائرة الخطرة؟
- طبعاً معرّض لذلك، إذا لم ننتبه جميعاً، وكما قلت إذا لم نتكاتف ويكون لدينا الوعى الجمعى الكافى لحماية المجتمع، وهذا ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من حديث له.
فى حديثك، هناك ربط بشكل دائم بين الجيش والمجتمع.. لماذا؟
- لأن الجيش جزء من المجتمع، وعندما يكون الجيش قوياً يكون المجتمع مؤهلاً ليصبح قوياً هو أيضاً، وهذه فرصة نستطيع أن ننتهزها، جيشنا المصرى فى حالة قوية جداً، وكل العالم العربى والدولى يشيد بإمكانياته وعقيدته ودوره الذى يؤديه، وبالتالى يقدر ياخد بإيد المجتمع إلى الأفضل، وهو ما يحدث الآن من خلال المشاركة فى أدوار اجتماعية وخدمية كثيرة من شأنها رفع كفاءة المجتمع، إضافة إلى دوره الأمنى فى محاربة الإرهاب والتطرّف، وهو ما يعيد الأمن والاستقرار إلى المجتمع ويخرجه من دائرة الفوضى التى حذّرت منها.
هل انتشار وسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونى لعب دوراً سلبياً خلال هذه السنوات؟
- لكل الأشياء جانب إيجابى وجانب سلبى، أو جانب مضىء وآخر مظلم كما نقول. وهذا الأمر حدث بالنسبة إلى وسائل التواصل الحديثة التى لعبت دوراً إيجابياً من جانب، لكنها من جانب آخر لعبت دوراً سلبياً بلا شك.
وما أهم السلبيات التى تسبّبت فيها التكنولوجيا الحديثة؟
- خلق رأى عام غير حقيقى وبلا وعى فى أحيان كثيرة، لأن هناك معلومات وأخباراً وأفكاراً خاطئة، سواء بحُسن نية أو سوء نية تنتشر بشكل واسع.
هل المواطن المصرى بيرفض إنه يشغّل عقله أحياناً؟
- بنشغله وقت ما يكون لينا مزاج، ونقفله بالضبة والمفتاح وقت ما نحب.
هل نحن شعب مزاجى أو «مودى»؟
- نعم، ولا ننتبه إلا فى الأزمات الكبيرة. يجب أن نُغيّر هذه الثقافة ونتحول إلى أمة منتبهة فى كل وقت.
كيف نواجه هذه الحرب النفسية؟
- رقم واحد التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، من يتعلّم جيداً لا يستطيع أحد أن يهزمه نفسياً. رقم 2 مهم جداً أن نحتوى الشباب، لأن الشباب المصرى كتلة كبيرة من المجتمع تصل إلى نحو 60 مليون نسمة من إجمالى عدد السكان، يعنى 60%، أى ما يعنى أن مجتمعنا مجتمع شاب، وبالتالى لا يمكن تجاهل شبابه أو التسفيه منهم.
المصرى معروف دائماً بأنه دؤوب وحريص على عمله واستطاع إنجاز أمور عظيمة فى تاريخه.. كيف تحولنا إلى هذه الصورة التى ذكرتها؟
- لأننا أصبحنا مجموعة من الكسالى، كل منا يعتمد على الآخر، ومقولة «العمل عبادة» أصبحت مجرد شعار معلق على الحائط، لكن على أرض الواقع لا أحد يعمل بجد وإخلاص حقيقى، بل نلجأ إلى الفهلوة والاحتيال والخداع، ومن يجد فرصة ليخدع بها الآخر لا يتردّد فى ذلك. نحتاج إلى ثورة فى ثقافة العمل لتفعيل معانى الانضباط والالتزام والجدية والإتقان، لاستعادة حضارة 7 آلاف سنة. بالعمل نستطيع أن نعيد الكثير.