«آخر الرجال فى حلب» يضع العرب فى قائمة الأوسكار القصيرة
مشهد من فيلم «آخر الرجال فى حلب»
يراهن العرب كل عام على وجودهم فى قوائم ترشيحات الأوسكار عبر فئة «أفضل فيلم أجنبى»، الأمر الذى حققته أفلام عدة ذات خلفيات عربية، ولكن هذا العام شملت القائمة القصيرة للأفلام الوثائقية فيلم «آخر الرجال فى حلب» للمخرج السورى فراس فياض، ليكون الفيلم السورى الأول الذى يصل إلى القائمة القصيرة للجائزة. أكاديمية فنون وعلوم الصورة المانحة لجوائز الأوسكار أعلنت عن القائمة القصيرة للأفلام المتنافسة فى فئة أفضل فيلم وثائقى، وضمت 15 فيلماً، ومن المقرر أن يتم الإعلان عن قائمة تضم 5 أفلام فى مؤتمر صحفى يوم 23 يناير المقبل، يشمل الكشف عن أسماء المتنافسين على جوائز النسخة الـ90 من الـ«أوسكار»، على أن يتم إعلان الجوائز يوم 4 مارس المقبل فى حفل على مسرح دولبى، كما هو معتاد.
تدور أحداث الفيلم الوثائقى فى 104 دقائق، حول حياة عمّال الدفاع المدنى «أصحاب الخوذ البيضاء»، ويُسجّل تفاصيل الحياة اليومية فى أثناء الحرب، مصوراً مأساة الأحداث وتناقضاتها، التى تتشابه مع قصص العديد من السوريين الذين يعيشون تحت نيران الحرب، وقد حصد الفيلم مجموعة من الجوائز، منها جائزة لجنة التحكيم الكبرى بقسم السينما العالمية فى مهرجان ساندانس السينمائى.
ووصف منتج الفيلم كريم عابد وصول الفيلم إلى الأوسكار بالأمر المهم للغاية بالنسبة لهم كصنّاع للعمل وكونهم سوريين، بخاصة أن ذلك سيضيف قيمة إضافية للعمل، ويجعله يصل إلى أكبر عدد من الجمهور حول العالم، سواء بالنسبة للمهتمين بالقضية السورية أو من لا يعلمون شيئاً عنها. وتابع: «سبق أن قُدمت أعمال عن عمال فرق الدفاع المدنى، ولكن (آخر الرجال فى حلب) يغوص بشكل أكبر فى تفاصيل حياتهم، ويرصد معاناتهم وأحلامهم من الجانب الإنسانى، والتغيرات التى طرأت على مدينة حلب من خلال الشخصيات، فهو يعمل على توثيق فترة زمنية أو جزء من تاريخ المنطقة، ويسلط الضوء بشكل كبير على تفاصيل صغيرة فى حياة سكان المدينة من خلال بعض العاملين فى الدفاع المدنى (خالد ومحمود)، وعلاقتهم بعائلاتهم وأفرادها».
104 دقائق تلخص معاناة «رجال الدفاع المدنى» فى سوريا.. و«عابد»: تغلبنا على ضعف الإمكانات وتعرضنا للموت أثناء التصوير.. و«قطان»: استغرقنا ثلاث سنوات للانتهاء من العمل.. وتناولنا حياة «أصحاب الخوذ البيضاء» بشكل أكثر عمقاً
وأضاف «عابد» لـ«الوطن»: «كنا نقصد التركيز على الجانب الإنسانى أكثر من الوضع السياسى، عمال الدفاع المدنى يقومون بعمل إنسانى داخل سوريا ليس له موقف سياسى، ولا يمكن اعتباره تابعاً للمعارضة، ففى الأوقات التى شهدت تحريراً للمناطق أو المدن كانوا موجودين أثناء القصف وينقذون الجميع، وفى كثير من الأحيان أنقذوا عناصر تابعين للنظام من تحت الأنقاض فى المناطق التى تم تحريرها».
وتحدّث عن طبيعة وفكرة الفيلم، قائلاً: «فى ربيع عام 2014، وبعدما شهدنا طريقة عمل الدفاع المدنى كمتطوعين، ومعاناتهم خلال عملهم فى التأمين والإنقاذ، وكان لديهم الكثير من الصعوبات، بخاصة أنهم يعملون بأيديهم، وبالتالى كانت الفكرة فى أن نقدم شيئاً عن هؤلاء الشباب الذين يعملون بإمكانات بسيطة فى سبيل إنقاذ الناس من تحت الأنقاض، والتصوير كان ينفذ بشكل متقطع لمدة 3 أشهر مع أغلب العاملين فى الدفاع المدنى فى مدينة حلب».
واستطرد: «اجتمعنا مع المخرج فراس فياض فى شتاء 2014، وكانت فكرته أن يتم البحث عن شخصيات عاشوا قصصاً فى حياتهم، شريطة أن يوافقوا على التصوير، واستخدمنا الكاميرات الموجودة لدى المصورين فى مركز حلب الإعلامى، ولم يكن لدينا معدات ذات تقنيات عالية، وتم الاتفاق على الشخصيات وبدأنا بالفعل العمل وكان لدينا اقتراحات عدة، أولها أن نصور العمل لتليفزيون الـ(BBC)، بحيث يحصلون على الفيلم كاملاً ويقومون بعرضه تليفزيونياً، وكانت مدته حينها 60 دقيقة، ولكن قررنا طرحه للسينما، لأن تأثيرها أكبر ولها جمهور ومتابعون أكثر خصوصاً فى العالم الغربى، ووضعنا هذا القرار فى إشكالية كبيرة وهى التمويل».
وأكمل: «بسبب ضعف الإمكانات المادية قمنا بشراء كاميرا واحدة فى شهر أبريل 2016، بالإضافة إلى المشكلة التى واجهتنا فى معدات تسجيل الصوت خلال الفترة الأولى، حيث لم تكن على جودة عالية، وبالتالى انتظرنا فترة حتى نستطيع توفيرها، العمل لم يكن مخاطرة بمقدار الوجود داخل الحمم البركانية المسماة (حلب) التى كانت أخطر مدينة بالعالم ولا يستطيع أحد حصر نوع الخطر الذى يتعرض له كل شخص يعمل فى مجال التوثيق داخل تلك المدينة، والأمر ينطبق أيضاً على عمال الدفاع المدنى، وهناك مقاطع فى الفيلم تكشف تعرُّض المصورين للموت بسبب استهداف تلك الفرق أثناء عمليات انتشال الجرحى والمصابين».
وفى السياق ذاته، قال حسن قطان، المخرج المنفذ للفيلم، إن العمل على الفيلم استغرق ما يقرب من 3 سنوات كاملة، متابعاً: «تم تصوير المشاهد فى الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وكانت فترة صعبة للغاية، حيث كانت تشهد قصفاً يومياً من قبَل النظام، إلى جانب التدخل الروسى فى المنطقة، وتأثير هذا العنف على حياة الناس فى حلب، وبسبب طبيعة الفيلم التى ترصد عمل أصحاب الخوذ البيضاء (رجال الدفاع المدنى) تعرضنا لمواقف خطرة كادت أن تتسبب فى القضاء على حياتنا، وهذا ما يراه الجمهور بوضوح فى المشاهد».
وكان فيلم «الخوذ البيضاء» للمخرج أورلاندو فون آنسيديل، حصل على جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقى قصير العام الماضى، مع العلم أنه يتناول القضية نفسها التى يناقشها الفيلم الوثائقى الطويل «آخر الرجال فى حلب»، وحول الاختلاف بين الفيلمين أوضح «قطان» لـ«الوطن»: «كنت أحد المصورين فى فيلم (الخوذ البيضاء)، حيث كان يتناول مؤسسة الدفاع المدنى فى سوريا وآليات عملها، ولكن التعاطى مع الشخصيات يُعتبر سطحياً مقارنة بفيلم (آخر الرجال فى حلب)، فهناك تعمق فى حياة العاملين وتفاصيلها بالإضافة إلى الصراعات الدرامية، المدة الزمنية الطويلة والتقرب من الشخصيات أضفيا على الفيلم بُعداً سينمائياً حقيقياً، حيث يقدم الواقع بتناقضاته، كيف يفرحون ويتألمون، وكيف تتوالى مشاهد الموت والحياة». وأردف: «بما أننى عملت فى الفيلمين، أنا أفضّل (آخر الرجال فى حلب)، وأشعر أن أى شخص يريد معرفة كيف عانى السوريون من بطش النظام وناضلوا من أجل الحياة، عليه أن يشاهد الفيلم، والذى أفخر بكون فريق عمله من المصورين والمخرجين السوريين، هو أول عمل سورى يترشح للأوسكار، ومع احترامى للأجانب الذين نفذوا أعمالاً عن سوريا، فى اعتقادى أن الشخص عندما يحكى عن مأساته يستطيع أن يكون أقرب للواقع».