«الوطن» فى موقع الجريمة: جدران مخضّبة بالدماء وطلقات رصاص تخترق الأبواب
قوات الأمن فرضت كردوناً أمنياً فى محيط الحادث
على جدران كنيسة «مار مينا العجايبى» بحلوان انتشرت آثار طلقات الرصاص التى خلّفها هجوم إرهابى على الكنيسة، صباح أمس الجمعة، فيما استقر عدد من بقع الدماء على الأرض وعلى أبواب الكنيسة، يتجمع أهالى المنطقة فى الشرفات والنوافذ يتابعون ما يحدث، وسط زحام كثيف أحاط بالكنيسة عقب الهجوم الإرهابى الذى أسفر عن سقوط شهداء ومصابين.
فى العاشرة والنصف من صباح الجمعة، كان طالب الثانوية العامة «أحمد محمد» يتحرك ليجد ساتراً يحميه من رصاصات الإرهابى: «كنت رايح الدرس»، يقولها الشاب الذى سمع طلقات الرصاص تدوّى فى سماء المنطقة، ولكنه استمر فى طريقه، حتى وجد نفسه فى مواجهة الإرهابى، كان وقتها فى اشتباك مع أمين الشرطة الذى لقى مصرعه، بينما كان زميله أمين الشرطة الآخر يتوجه نحو بوابة الكنيسة، يقول إن المهاجمين الثلاثة بعدما قتلوه استداروا ليقتلوا الرجل العجوز الذى كان بداخل المحل يبيع صناديق الخشب المواجه للكنيسة.
«أحمد»، الذى شاهد الإرهابى، يقول إنه «كان يلبس جاكيت بنى ويحمل على ظهره حقيبة، وعلى رأسه خوذة صغيرة»، نظر فى عينيه، ثم استدار ليختبئ، وبعدما انتهى من قتل الموجودين فى محيط الكنيسة ظل يطلق النيران فى الهواء وعلى جدران الكنيسة لمدة استمرت لما يزيد على 20 دقيقة.
بجوار آثار الطلقات التى اخترقت الباب الحديدى للكنيسة، كان «أسامة عدلى» يشارك فى الكردون الذى شكّله الأقباط بأجسادهم حول محيط الكنيسة بعد الحادث بساعات، يقول إن المهاجمين كانوا ثلاثة، أحدهم كان يهاجم الكنيسة، ومن فى محيطها، والاثنان الآخران كانا يؤمّنان خطواته، يطلق النيران بعشوائية صوب كل الموجودين دون تفرقة.
«أحمد»: الإرهابى كان لابس «جاكيت بنى» وشايل شنطة على ضهره وعلى راسه خوذة.. وبعد ما قتل الموجودين قدام الكنيسة فضل يضرب رصاص فى الهوا أكتر من 20 دقيقة.. و«عدلى»: المهاجمين كانوا تلاتة.. ومحمود: أمين شرطة ومجند كانوا بيحرسوا الكنيسة طول الأسبوع اللى فات جوه كشك خرسانى
يؤيد «بباوى جرجس» رواية عدلى، فقد كان يقف إلى جواره، وكل ما يشغلهما هم الأطفال الذين كانوا موجودين داخل الكنيسة يتلقون تعاليم «مدرسة الأحد» التى يتجمعون فيها كل يوم جمعة خلال القداس، ولكن أنقذهم مَن يسميه «عماد الكهربائى» الذى أصابته رصاصات فى رأسه فلقى مصرعه، حيث قام عماد بدور يصفه الشاب بـ«البطولى»، حيث أنقذ الكنيسة من كارثة أكبر بدخول ذلك الإرهابى، حينما ضحّى بنفسه وأغلق الباب من الداخل وتحمل وابل الرصاص الذى كان يصوبه الإرهابى نحو أبواب الكنيسة: «لولا عماد كان هيبقى عدد الضحايا أكبر، خاصة من الأطفال، كانت هتبقى مذبحة بمعنى الكلمة».
بجوار محل للحدادة يستقر فى مواجهة الكنيسة تقف «مارينا خليل»، الفتاة العشرينية التى أخذ والدها يثنيها عن الحديث، بينما هى تصر على وصف المشهد بعد الحادث، كانت الدماء فى كل مكان، والجثامين ملقاة هنا وهناك، ولم تأتِ الشرطة إلا بعد نصف ساعة من الحادث، وتقول إن المهاجمين استهدفوا الأطفال بالداخل، ولكن أحد المشاركين فى القداس أنقذهم بإغلاق الباب.
وقال ممدوح وليم، 55 سنة، عامل، إنه كان يقف على ناصية شارع مصطفى فهمى الذى يبعد قرابة 70 متراً عن كنيسة «مار مينا» التى تم استهدافها، وشاهد الإرهابى يطلق الرصاص فى الهواء بشكل عشوائى، ما أسفر عن سقوط أكثر من 5 أفراد أمام عينيه، وإنه لم يستطع التحرك من مكانه بسبب كثافة الطلقات النارية، فى حين كان يقف بجانبه أكثر من 15 فرداً من المارة عاجزين عن التصدى للإرهابى الذى بدأ بعدها فى إطلاق دفعة من الأعيرة النارية على باب الكنيسة، وتمكّن من قتل عماد الكهربائى أثناء محاولته غلق باب الكنيسة من الداخل، ونجح بالفعل بمعاونة آخرين من الكنيسة فى غلق الباب، أما الإرهابى الذى كان يريد دخول الكنيسة فقد أطلق دفعة أخرى من الأعيرة النارية على محل العجايبى المواجه للكنيسة والمخصص لبيع صناديق الموتى، فقتل أحد الأشخاص الموجودين داخل المحل، ثم توجه بعدها إلى شارع أحمد بدوى دون أن يجد أحداً يقف فى طريقه، ليهرب من مكان الحادث، قبل أن تلتقيه قوة أمنية، تبادلت إطلاق الرصاص الحى معه، حتى سقط على الأرض غارقاً فى دمائه، فحملته الشرطة داخل إحدى سياراتها وانصرفوا به من مكان الواقعة، وتولت باقى القوات أعمال تأمين المكان.
من جانبها قالت إحدى السيدات، رفضت ذكر اسمها، من جيران الكنيسة، إنها سمعت صوت الأعيرة النارية قبل صلاة الجمعة بقرابة ساعة، فنظرت من شرفة شقتها وشاهدت الإرهابى وهو يطلق النار أمام الكنيسة، فدخلت مسرعة للاستعانة بوالدها الذى انتظر 10 دقائق قضاها الإرهابى أمام الكنيسة، وعقب انصرافه نزلت مع والدها والجيران لإسعاف المصابين واتصلت بشرطة النجدة، والإسعاف، وأكدت السيدة أنهم لم يتمالكوا أنفسهم طوال مدة نصف ساعة حتى وصلت تعزيزات الشرطة وسيارة الإسعاف التى تولت نقل الشهداء، بينما كان الأهالى والجيران ينقلون المصابين بسياراتهم.
وتابعت الشاهدة أنها تلقت اتصالاً من جارتها أخبرتها فيه بوجود دراجة نارية مجهولة خاصة بالإرهابى أمام منزلها فى شارع مصطفى فهمى وأنهم أسرعوا بإبلاغ الشرطة عقب وصول التعزيزات الأمنية، وانتقل ضابط وأمين شرطة وتمكنا من التحفظ على الدراجة النارية وحملها داخل سيارة شرطة.
وقال محمود سيد، أحد سكان المنطقة، إن الحراسة المكلفة بأعمال التأمين كانت عبارة عن أمين شرطة ومجند فقط طوال الأسبوع الماضى، ولم تصل إليهما أى تعزيزات أمنية مع قرب احتفالات الأقباط بأعيادهم، وأضاف أن أفراد الحراسة كانوا يجلسون بشكل دائم داخل كشك معد من الخرسانة أمام الكنيسة ويضعون الحواجز الخشبية على بعد 10 أمتار من باب الكنيسة، مؤكداً عدم وجود أجهزة تفتيش إلكترونية تستخدمها قوات الأمن للتفتيش والفحص.