الصيادون: الكبار يهربون «الزريعة».. وبعضهم جفف مساحات كبيرة من المياه وباعها بعقود وهمية
صيادو بحيرة البرلس يبحثون عن تشريعات تضمن حقوقهم
«معندناش لنشات كبيرة لرصد أماكن تهريب الزريعة، إحنا صيادين غلابة، لا نملك إلا المراكب الصغيرة لكننا ضحايا لحملات الإزالة، وطالبنا باعتماد جهاز الـG.P.S لتحديد حرم البحيرة عن طريق الاستشعار عن بعد»، بهذه الكلمات بدأ صيادو بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ حديثهم لـ«الوطن»، مؤكدين أنه فى عام 2009 قامت هيئة الثروة السمكية باعتماد الجهاز لفصل الملكية وتحديد حدود البحيرة، إلا أنه لم يحقق الهدف منه، حيث أكد الصيادون أن الـG.P.S رصد نقاطاً وترك أخرى، حيث يتحكم فيه أشخاص بناءً على ما يقوم مسئولو الثروة السمكية بتلقينه للجهاز، وتم اعتماد الجهاز فى بداية هذا العام إلا أنه لم يتم تجديد إحداثياته.
جهاز الـ«G.P.S» الذى اعتمدته «الهيئة» عام 2009 لتحديد حدود البحيرة يضلل المسئولين بـ«إحدثيات وهمية».. و«لنشات» المافيا تفلت من الحملات الأمنية دائماً
رمضان البدوى، صياد منذ أكثر من 40 عاماً، أكد لـ«الوطن» أن جهاز الـG.P.S هو عبارة عن إحداثيات يتحكم فيها الشخص بإعطائه إحداثيات وهمية وبالتالى يتم تضليل المسئولين، وفى عام 2009 رصد الجهاز نقاطاً لصغار الصيادين وترك أراضى تم تجفيفها من بحيرة البرلس بقرى بر بحرى وعماد، رغم وقوعها داخل المسطح المائى، وبالتالى عند تنفيذ حملات الإزالة لن تتم إزالة تلك التعديات وهو ما حدث فى الحملة الأمنية الأخيرة، حيث تم ترك 4 مزارع للدواجن داخل المسطح المائى بحجة أن الجهاز لم يرصدها.
أضاف «البدوى» أن الجهاز رصد نقاط المسطح المائى فقط عام 2009 ولم يرصد المسطح المُجفف، وبالتالى لم يستطع تحديد حدود البحيرة كاملة، ولم يأت بفائدة، وطالبنا بنزول الجهاز مرة أخرى قبل الحملة الأمنية إلا أن الأجهزة قامت بتنفيذ إزالات على قياس جهاز الـG.P.S القديم وكافة التعديات بعد هذا الوقت لم تتم إزالتها رغم أنها تتعدى الـ30 ألف فدان.
أوضح «البدوى» أن كل لنش من لنشات «المافيا» به جهاز جى بى إس ليستطيع تحديد أماكن التهريب عن طريقه أما صغار الصيادين فلا يملكون اللنشات وبالتالى فهم «ضحايا» للدولة مرة وللمافيا مرة أخرى، حيث قامت بعض العائلات بالاستيلاء على مساحات كبيرة من بحيرة البرلس وتجفيفها، وإعادة بيعها بعقود «وهمية» للغلابة وبناءً عليه قاموا ببناء مساكن لهم ولأولادهم على تلك المساحات إلا أنهم فوجئوا بأن الدولة تقوم بإزالة البعض منها، رغم أن الثروة السمكية لم تستطع مواجهة «المافيا» وتركتهم حتى قاموا بتجفيف البحيرة وبيعها للأهالى بسعر يبدأ من 100 جنيه إلى 400 جنيه للمتر وقام الأهالى بالتوقيع على إيصالات أمانة للمافيا وسداد قيمة الأرض عن طريق الأقساط.
وأشار «البدوى» إلى أن مشاكل البحيرة لم تتوقف عند هذا الحد بل وصلت إلى تقسيم التعديات إلى نوعين هما «تعدٍ على المسطح المائى، وهذا يتم عن طريق إقامة جسور وعلب وتحاويط وسدود وصيد جائر، والآخر تعدٍ لسرقة أرض البحيرة وتجفيفها وعملها مزارع سمكية وأحواض سمك ومزارع دواجن أو مشروعات كـ«منشر ومفحمة» أو بيعها مساكن للغلابة، والسبب فى الاستيلاء على بحيرة البرلس هو غياب الدور الأمنى لمدة تزيد على 10 سنوات، إضافة إلى قيام مسئولى الثروة السمكية بتقسيم البحيرة وبيعها لأصحاب رؤوس الأموال والمصالح، وهذا ما أكده عدد من الصيادين.
وذكر «عبدالرحمن»، أحد الصيادين، أن بعض العائلات تتحكم فى صيد الزريعة المخالفة، حيث يمتلكون أسطولاً من اللنشات تستطيع صيد الزريعة، مشيراً إلى أن أحد أفراد إحدى هذه العائلات حصل على 220 فداناً عن طريق الإيجار بحرم بحيرة البرلس وبرغم القرار الصادر عام 2013 بعدم التأجير أو البيع، فإنه تم التأجير له إبان حكم الإخوان وبأمر من المحافظ الإخوانى وتم تقسيمها وبيعها لأكثر من 50 فرداً، مشيراً إلى أن الـ220 فداناً أدت إلى تعديات جديدة تبلغ مساحتها 830 فداناً لم تستطع الدولة إزالتها.
«عبدالرحمن»: بعض العاملين فى «الثروة السمكية» يقومون بإبلاغ أصحاب اللنشات بمواعيد الحملات الأمنية مقابل الحصول على أموال
وأضاف «عبدالرحمن» أن هناك بعض الأشخاص من هيئة الثروة السمكية يقومون بإبلاغ أصحاب اللنشات بمواعيد الحملات الأمنية وأماكنها مقابل الحصول منهم على أموال وبالتالى عندما تنزل الحملة لتلك الأماكن لم تجد المخالفين رغم إنفاق ملايين الجنيهات على تأجير المعدات، إضافة إلى التشكيلات الأمنية التى تشارك فى أعمال الحملة، مشيراً إلى أن بحيرة البرلس لم تعد إلى سابق عهدها لأن بعض موظفى الدولة هم من ساعدوا كبار «المافيا» على تجفيف واستقطاع أجزاء كبيرة منها وكل ما يتم من تطهيرات بأكثر من 50 مليون جنيه لا فائدة كثيرة منه فى ظل وجود «مافيا» عبارة عن شبكة كبيرة تتحكم فى البحيرة مع قلة الإمكانيات.
وأكد أحد الصيادين، رفض ذكر اسمه، أن بوغاز البرلس هو أصل تهريب زريعة الأسماك، حيث تقوم المافيا بوضع «الشبك» الصغير واللنشات لصيد الزريعة وتنشيرها وتجفيفها واستخدامها كعلف لمزارع الأسماك أو ضخها بالمزارع لتصبح أسماكاً، وبالتالى تنمية إنتاج تلك المزارع وقلتها فى البحيرة، مشيراً إلى أن مافيا الزريعة يعملون تحت أعين الجميع، لأنه ليس هناك قانون يجرم صيد الزريعة «القانون الموجود ضعيف جداً، الغرامة تصل لـ٥٠٠ جنيه فقط، إضافة إلى تلقى بعض مسئولى الثروة السمكية وأفراد المسطحات المائية ضعاف النفوس «رشاوى» لترك هؤلاء. وأوضح أن بحيرة البرلس كانت تتميز بإنتاج أنواع كثيرة من الأسماك كـ«البساريا - البلطى - البياض - الجمبرى - الحنشان - الدنيس - البورى - القاروص - القراميط - قشر بياض - الكابوريا - اللوت» لكنها اختفت بفضل التجريف والتجفيف والحشائش والبوص وعدم الاهتمام. وأشار إلى أن وزارتى الداخلية والزراعة، متمثلة فى هيئة الثروة السمكية، نفذتا حملة أمنية مكبرة خلال العام الحالى لإزالة التعديات على البحيرة طبقاً لإحداثيات جهاز الـG.P.S، الصادرة فى 2009 والتى رصدت بعض نقاط التعدى ولم ترصد البعض الآخر، استهدفت التعديات بطول 47 كيلومتراً من بداية بر بحرى إلى مطوبس، وبمنطقة عماد السكنية، لكنها لم تؤت ثمارها بالشكل المطلوب.
وقالت «حنان محمد»، من أهالى منطقة عماد بالبرلس، إنها بنت منزلاً عبارة عن غرفتين ودورة مياه منذ أكثر من 7 سنوات لتقيم فيه بعد انفصالها عن زوجها، وأقامت فيه هى وأولادها لكن تمت إزالته فى الحملة الأمنية الأخيرة، مضيفة: «مش لاقيين حتة نعيش فيها وقالوا لى ربنا يعوض عليكى وحسبى الله ونعم الوكيل»، مشيرة إلى أنها لا تمتلك مكاناً آخر وأن زوجها قام بشراء تلك القطعة من عائلة «ش»، ووقع على إيصالات أمانة ولم يتم تسديدها حتى الآن، وأنه تم إزالة منزلها لوقوعه أمام الخط الفاصل الذى تقيمه الأجهزة. وقال محمد شحاته حسين، صياد هجر المهنة وبدأ فى العمل بـ«اليومية» ليستطيع توفير نفقات أسرته، إنه ضحية من ضحايا «مافيا» بيع أراضى بحيرة البرلس، حيث قام بشراء قطعة أرض عبارة عن 130 متراً وقام بتدبير أموال لبنائها بدلاً من سكنه بالإيجار فى منطقة مجاورة للجسر الواقى الذى هدمته قوات الشرطة لإنقاذه من بحيرة البرلس بعد سنوات من الإهمال، إلا أن الحملة قامت بإزالة «الخرسانة» التى شيدها بأكثر من 10 آلاف جنيه، قائلاً: «الغلبان ملوش حظ، أزالوا لى وسابوا 4 مزارع للدواجن على بعد 40 متراً داخل بحيرة البرلس ولم تستطع قوات الأمن إزالتها بسبب أنها خارج ما يسمى (جى بى إس)، ولأن إحداها مملوكة لأحد كبار المافيا دفع فلوس علشان ميجيبوش الحتة بتاعته داخل الإحداثية بتاع الـ(جى بى إس) اللى عبارة عن أرقام، وأنا علشان غلبان أزالوا لى».
بينما أشارت رضا، زوجة أحد الصيادين، إلى أنه رغم قيام الأجهزة المعنية بإزالة ما يُسمى بالتعديات التى كانت عبارة عن منازل نسكن فيها بزعم أنها داخل حرم حدود البحيرة فإن البعض قام ببنائها مرة أخرى، وأن مشاكل بحيرة البرلس تتمثل فى تملك الكبار مساحات شاسعة، مضيفة أن زوجها توقف عن المهنة وبدأ البحث عن أخرى، وتمنت أن يكون مشروع الاستزراع السمكى ببركة غليون بشرى خير للصيادين الذين عانوا لسنوات طويلة من التهميش والإهمال. وأكدت «صبرة»، إحدى السيدات، أن الحملات قامت بإزالة سور لها بُنى بالطوب «البلوك» وكانت ستُشيد منزلاً لنجليها اللذين بلغا من العمر 28 30 عاماً ولم يتزوجا، قائلة: «جيت اشتريت قطعتين أرض من شقا ولادى المتغربين بقالهم سنين من أحد أفراد عائلة مهنا علشان ابنى بيت، لكن حظى وحش جم وزالوا لى السور»، ووقفت السيدة حائرة عندما استمعت لكلام مسئول الثروة السمكية عن أنه سيتم إطلاق المياه فى تلك الأماكن التى تمت إزالتها، قائلة: «إحنا ملناش دعوة الدولة سابت البلطجية يتحكموا فى البحيرة من سنين وجاية تحاسبنا دلوقتى بعد ما اشترينا أرض وضع يد فما ذنبنا فى ذلك؟»، مطالبة بتطهير البحيرة من المافيا.
وتابعت «صبرة»: «إحنا اشترينا فى حرم الـ200 متر الخاصين بالبحيرة بعد الطريق الدولى زى عشرات من الأسر فكيف تتم إزالة منازلنا البسيطة ويتم ترك مزارع الأسماك والدواجن، المساواة فى الظلم عدل»، كلمات ختمت بها تلك السيدة المسكينة حديثها ودموعها تنهمر من عينيها، مطالبة الدولة بمحاسبة مافيا بحيرة البرلس الحقيقيين وعدم أخذهم ككبش فداء على حد قولها.
وقال «على»، صياد: «إن بحيرة البرلس مش للغلبان ولا الصياد اللى بيطلع علشان يأكل ولاده، دى للحيتان وللمافيا وكبار العائلات، بجانب تلوثها من الصرف الصحى والزراعى اللى بيقضى على الأسماك، إضافة إلى استغلال بحيرة البرلس فى تخزين السلاح من قبل المافيا والتجار، واستيلاء البهوات على الجزر اللى فيها، وكل مرة تنزل الحملات للصغيرين وتسيب اللى بيدفعوا ويشخللوا جيوبهم للموظفين، إحنا نفسنا ترجع البحيرة زى الأول نأكل كلنا منها ويبقى فيها رزق يصرف علينا بدل إخواتى التلاتة ما همّا متغربين علشان يقدروا يوفروا نفقتنا».