شهدت الحرب العالمية الثانية "الجاسوس الميت" الشهير بوليام مارتن والذي يعد أشهر جاسوس شهده العالم، فعندما تسمع هذا الاسم تجده محاطا بالغرابة ويثير التساؤل حوله، لكن هذا الجسوس ميت بالفعل، وهو استثاء في تاريخ الجاسوسية، ليس هذا بسبب تفوقه أوخبرته، فهو أمي لا يعرف شيئا عن فنون الجاسوسية، والأغرب من ذلك أنه لقي مصرعه قبل أن يقوم بمهامه.
عندما نحجت قوت الحلفاء "بريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفييتي" عام 1943 في هزيمة القوات النازية الألمانية في شمال إفريقيا، بدأت تستعد لمرحلة قتال جديدة أوروبا، وقف رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ونستون تشرشل، يلقي خطابه على الشعب وأكد أمام الجميع أن جزيرة صقلية ستكون هي البداية في المرحلة المقبلة للحلفاء، وبهذا التصريح الذي قاله تشرشل يكون قد كشف خطة سرية مهمة للغاية.
اجتمع القادة لبحث هذا الأمر واقترح بعضهم تغيير مكان الهجوم من صقلية إلى اليونان ولكن القائد البريطاني كان مصراً على تصحيح الخطأ الذي وقع فيه رئيس وزرائه، وقال "أيها السادة أرى أن أفضل ما نفعله هو أن نحول هذا الخطأ إلى صالحنا ونبدل الهزيمة إلى نصر، فالنازيون لن يتصوروا ما قاله تشرشل وسيظنون أنها خدعة لتكديس قواتهم في صقلية وسيتعاملون مع الأمر بشك وخطتنا هي أن ندعم هذا الشك ونحوله في أعماقهم إلى حقيقة".
وتابع القائد البريطاني قائلا "هذه مهمة خبراء الجاسوسية" فكان ذلك إيذانا ببدء العمل في أكبر خدعة عرفتها الحرب العالمية الثانية وطوال عدة أسابيع ظل خبراء التجسس يدرسون الأمر ويضعون خططهم واقترحاتهم إلى أن توصلوا إلى فكرة عبقرية وهي الجاسوس الميت الذي أصبح فيما بعد أشهر جاسوس في التاريخ، حسبما ذكر الدكتور نبيل فاروق في كتابه "حرب الجواسيس".
كان عماد الخطة هو الجثث التي تطفو فوق سطح البحر في المعارك الحربية، وهذا الجاسوس أنه لم يكن موجودا على قيد الحياة أصلاً، فاندهش القادة من هذا الأمر، ووقف القائد البريطاني ليكشف عن الجاسوس قائلاً: "جاسوسنا هو جثة لضابط إنجليزي تطفو بالقرب من السواحل الخاضعة للقوات النازية وسنضع معه المستندات الكاذبة لتضليل النازيين".
ولكى تتم الخطة بشكل محكم، طلب القائد من الخبراء بحث التفاصيل، فعثروا على شاب توفي في أحد المستشفيات الإنجليزية، فحفظوا جثته ووضعوا عليها ثياباً عسكرية لتبدوا كضابط بريطاني لقي مصرعه أثناء مهمة خاصة، وربطوا بمعصمه حقيبة جلدية محكمة بها مستندات مزيفة لتبدو كما لو أنها تحوي أسرارا خطيرة، واختاروا شاطئ هولفا في إسبانيا التى توجد بها بعض الوحدات العسكرية الألمانية.
طفت الجثة في المكان المحدد لها وبدأت مهمة الضابط المزيف الذي أطلقوا عليه اسم "وليام مارتن" ومعه متعلقاته الخاصة به مثل بطاقته العسكرية وجزء من تذكرة سينما وخطاب غرامي من فتاة مجهولة كتبته فتاة حقيقية حتى لا يلاحظ خبير الخطوط الألماني فرق بين الخط الأنثوي والخط الذكورى، وعثر الصيادون الإسبان على الجثة وأدركوا أنها جثة ضابط بريطاني واندهشوا من وجود تلك الحقيبة الجلدية فأبلغوا السلطات التي أبلغت بدورها قائد القوات النازية على الفور.. لتبدأ أدق وأخطر مراحل الخطة.
هرع الألمان لفحص الجثة والحقيبة وتأكدوا أن الجثة لضابط بريطاني يدعي وليام مارتن ولم تكن حقيبة عادية كانت بل مزودة بأرقام سرية لها جهاز دفاعي فى حالة فتحها عنوة ينطلق منه حمض نيتريك يفسد كل الوثائق الموجود بها، وكان الألمان يعرفون هذا الطراز من الحقائب ويجيدون التعامل معه وكان البريطانيون يدركون هذا وفي صبر وحنكة، وفتح الألمان الحقيبة دون أن يعمل جهازها الدفاعي والتقطوا صورا واضحة للمستندات ثم أعادوا اغلاقها بحيث لا يبدو عليها أثر لفتحتها إلا أنهم فقدوا شعرة دقيقة وضعها البريطانيون في قفل الحقيبة السري.
ظل البريطانيون يطالبون الحكومة الإسبانية بتسليم جثة ضابطهم، وكان الألمان قرأوا الوثائق التي أشارت إلى أن هجوم قوات الحلفاء سيكون عبر اليونان، وتسلم البريطانيون جثة ويليام، وفتحوا الحقيبة في لهفة ثم تنهدوا في ارتياح حيث وجدوا الشعره الدقيقة التي وضعوها في قفل الحقيبة السري اختفت وهذا يعني نجاح خطتهم.
تم دفن جثة الشاب الذي أصبح جاسوساً بعد موته ويحمل حتى هذه اللحظة اسم "وليام مارتن" في احتفال مهيب، واستعد الألمان للقاء الحلفاء في اليونان، إلا أن الهجوم تم في صقلية ولم تجد قوات الحلفاء مقاومة تذكر فقد أخلى الألمان الجزيرة من قواتهم وحشدوها في اليونان في انتظار هجوم الحلفاء الزائف، ووقعت صقلية في أيدي الحلفاء وكانت البداية لاستعادة أوروبا وإنهاء الحكم النازي وهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وأصبح وليام مارتن أشهر جاسوس في الحرب العالمية الثانية بل أشهر جاسوس في تاريخ الحروب وأشهر جاسوس ميت.
تعليقات الفيسبوك