«التوازن» كلمة السر فى العلاقات الخارجية.. والصين وروسيا أوراق ضغط ضد واشنطن
العلاقات المصرية الروسية فى مراحل متقدمة من الشراكة الاستراتيجية
«التوازن» هو العنوان الأساسى لعلاقات مصر الخارجية خلال السنوات الأربع الماضية، بعد أن نجحت القاهرة فى إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من جديد بعد توترها فى عهد «أوباما»، وفتح آفاق واسعة للتعاون مع روسيا التى زار رئيسها فلاديمير بوتين مصر مرتين خلال ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى اتجه لتطوير العلاقات مع الصين التى أصبحت تصف مصر بالشريك الأساسى لها فى الشرق الأوسط.. التوازن جعل بوصلة السياسة الخارجية المصرية تتحول إلى النشاط فى جميع دوائر النفوذ والحضور المصرى التقليدية، جنباً إلى جنب مع التأسيس لحضور فعال فى دوائر فرعية مهمة بالنسبة للأمن القومى المصرى مثل شرق المتوسط وشرق أفريقيا، بجانب تنويع أدوات هذا الحضور اقتصادياً ودبلوماسياً وأمنياً وثقافياً، ما جعل من مصر شريكاً استراتيجياً للجميع.
وتعليقاً على هذا الاتجاه قال الدكتور عاطف سعداوى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن عام 2017 كان عاماً استثنائياً للسياسة الخارجية المصرية، وربما كان هو العام الأفضل لها منذ ثورة يناير 2011، مشيراً إلى وجود آفاق واسعة خلال العام الحالى بعد أن سجل العام المنصرم حضوراً بارزاً لمصر فى العديد من الملفات الإقليمية ووجوداً لافتاً على الساحة الدولية، وتحركاً بمرونة عالية بين الأقطاب الدولية المختلفة، فاستطاعت مصر أن تعمق علاقات الشراكة مع الولايات المتحدة لكنها ردت على مضايقات الجانب الأمريكى المتعلقة بتقليص وتجميد جزء من المعونات العسكرية والاقتصادية بتسجيل تقارب ملحوظ ترجم بزيارات متبادلة بين مسئولى مصر وروسيا وباتفاقيات فى مجالات عدة، أهمها اتفاقية إجراءات استخدام المجال الجوى والبنية التحتية للمطارات المصرية والروسية، التى تسمح للبلدين باستخدام المجال الجوى لكل منهما، واستخدام طائراتهما العسكرية للقواعد الجوية فيهما، وهو ما يعكس رغبة الطرفين فى إحداث نقلة نوعية فى العلاقات الدفاعية بين البلدين، وفى نفس الوقت يعد مثل هذا التحرك رداً مصرياً على القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية سواء المتعلقة بالمساعدات أو المتعلقة بسجل حقوق الإنسان فى مصر، فالاتفاقية أثارت حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية التى تنظر بارتياب شديد إلى الحضور الروسى فى منطقة تعتبرها واشنطن ضمن دائرة نفوذها، خاصة أن هذه النوعية من التعاون العسكرى لم يسبق لمصر أن أقامتها مع أى قوى دولية كبيرة، بما فيها الولايات المتحدة، وهو ما يستفز الإدارة الأمريكية التى تعتبر أن أى تقارب مصرى روسى موجه ضدها بالأساس.
محللون: 2017 استثنائى للسياسة الخارجية المصرية منذ ثورة يناير.. و2018 عام التحديات الثلاثة.. ومصر كشفت ازدواجية الحرب على الإرهاب
واعتبر «سعداوى» أن مصر استطاعت أن تكسب حلفاء دوليين جدداً، خصوصاً اليونان وقبرص، اللتان أصبحتا تشكلان مع مصر تحالفاً مصغراً لمواجهة المخاطر المشتركة المقبلة من الجانب التركى، كما أصبحت مصر لاعباً رئيسياً فى الملف الليبى، وأصبحت القاهرة بوابة الحل للقضية الليبية بعد أن أمسكت بأطراف الأزمة، وأصبح من الصعب تخيل أى حل بعيداً عن الرؤية والمصلحة المصرية، وعادت مصر للعب دور رئيسى فى القضية الفلسطينية سواء من بوابة المصالحة الفلسطينية التى أنجزت فيها القاهرة ما فشلت فيه العديد من العواصم العربية خلال عدة سنوات، أو من خلال التحرك المصرى فى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لمحاصرة قرار «ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، كما كانت مصر حاضرة بشدة فى الملفين السورى واللبنانى، فلعبت دوراً بارزاً فى مساندة النظام السورى والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ولعبت الدور الأبرز بالتعاون مع فرنسا فى منع انفجار الأزمة اللبنانية وصولاً إلى سيناريو الحل العسكرى عقب استقالة سعد الحريرى.
وأضاف أنه رغم هذه النجاحات سيظل عام 2018 مليئاً بالتحديات، سواء التى عجزت مصر عن حسمها فى العام الماضى مثل أزمة سد النهضة، أو التى استجدت مع نهاية العام مثل التوغل التركى فى السودان أو المستمرة منذ عدة سنوات والمتعلقة بالحرب على الإرهاب.
وتابع أنه فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، وهى أهم التحديات للسياسة الخارجية المصرية، تبدو خيارات مصر محدودة فى التعامل مع هذه الأزمة فى ظل تعثر المفاوضات وتشبث الجانب الإثيوبى بموقفه، مستقوياً ربما بدعم أطراف إقليمية تناصب مصر العداء، ومع استبعاد الخيار العسكرى نظراً لتبعاته السلبية إقليمياً ودولياً، أصبح خيار اللجوء للمجتمع الدولى والمنظمات الدولية مساراً إجبارياً وليس اختيارياً لصانع القرار المصرى؛ نظراً لعدم قدرة المسارات الأخرى على تحقيق أى تقدم فى هذا الملف ومنها المسار التفاوضى الذى لم يسفر عن شىء، ورغم أن مصر نجحت دبلوماسيتها خلال العام المنصرم فى تفكيك أزمات لها بين دول حوض النيل واستقطبت وحيدت دولاً أفريقية أخرى، وستستمر فى هذا المسار بكل تأكيد بشكل غير مسبوق خلال الفترة المقبلة، لكنها ستواجه دبلوماسية إثيوبية تتحرك وتدافع، لذلك سيصبح خيار القانون الدولى خياراً جيداً وجدياً للتعامل مع الأزمة.
«سعداوى»: الولايات المتحدة تنظر بقلق إلى الشراكة المصرية الروسية.. و«لبيب»: تركيا ترد على التحالف مع اليونان وقبرص بالتقرب من إثيوبيا والسودان
وأوضح «سعداوى» أن التغلغل التركى فى القارة الأفريقية لا سيما فى السودان بعد زيارة الرئيس التركى للخرطوم وتوقيعه عشرات الاتفاقيات مع حكومتها وعلى رأسها اتفاقية استراتيجية تسمح لدولته بالتمركز فى جزيرة «سواكن» السودانية، التى تقع على بعد نحو 350كم من الحدود السودانية المصرية، لتأهيلها خلال مدة زمنية غير محددة، وهو ما يسمح للأسطول التركى بالتحرك بشكل شبه دائم فى هذه المنطقة المطلة على البحر الحمر، الممر المائى الأهم فى العالم، لتضيف إلى حلبة البحر الأحمر المكتظة، لاعباً جديداً يسعى إلى حيازة النفوذ وأوراق القوة، فى منطقة تمس بشكل أساسى الأمن القومى المصرى، وهنا يبدو أن هناك مواجهة إقليمية جيوسياسية قد تحدث بين القاهرة واسطنبول، فهذه الخطوة يمكن تفسيرها من الجانب التركى بأنها جاءت رداً على توثيق مصر لعلاقاتها السياسية والعسكرية بدولتى اليونان وقبرص، اللتين تقعان فى المجال الحيوى التركى، كما يمكن تفسيرها سودانياً بأنها محاولة للضغط على مصر فى قضية حلايب وشلاتين، وتثبت هذه التحركات صحة الإجراءات التى اتخذتها مصر خلال العام الماضى، مثل تدشين الأسطول البحرى الجنوبى، والشروع فى إنشاء ميناء حربى فى منطقة رأس بناس، ومطار وقاعدة جوية فى منطقة برنيس؛ لمواجهة أى محاولة للعبث بمجال مصر الحيوى أو محاولة حصار دورها الإقليمى.
وأضاف: «يتبقى التحدى الأخير المرتبط بمجمل التحديات السابقة، وهو مواجهة الإرهاب، فلا يمكن فصل الحرب التى تخوضها مصر على الإرهاب عن الدور المصرى فى العديد من الملفات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو الليبية، فالواقع الإقليمى ودور مصر المحورى كان له تأثير كبير على حجم العمليات الإرهابية فى سيناء وفى الداخل المصرى، والواضح جلياً أن مصر تخوض حربها على الإرهاب منفردة، دون مساندة حقيقية من دول كبرى تدعى فى العلن أنها تدعم مصر فى حربها على الإرهاب، لكنها تتخذ سياسات تتناقض تماماً مع المواقف المعلنة، وربما كان تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسى عقب مجزرة الروضة بأن مصر تخوض الحرب على الإرهاب نيابة عن العالم، وتصريح سامح شكرى أمام منتدى روما بأن دولاً كبرى ترفض تزويد مصر بمعدات الكشف عن المتفجرات، ربما هذان التصريحان يعكسان ازدواجية خطاب بعض القوى الكبرى تجاه الحرب على الإرهاب، ويعكسان أيضاً حجم التحدى أمام الدولة المصرية لكسب حربها على الإرهاب».
من جانبه اقترح صلاح لبيب، الباحث فى الشئون التركية، ملفين أساسيين يمكن أن تتعاون فيهما تركيا ومصر رغم التوتر فى العلاقات بين البلدين، قائلاً: «أعتقد أن الملف الفلسطينى هو الملف الرئيسى الذى يمكن التعاون فيه كما جرى فى الأمم المتحدة خلال نهاية العام الماضى رداً على قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن القدس، وكذلك الترتيبات النهائية للحل فى سوريا، فمع التوتر والتباين فى المواقف حول سوريا، ولكن لو تعاظم الدور المصرى فى 2018 على الساحة السورية كوسيط سيجرى التعاون بين الدولتين».
واعتبر «لبيب» أن الوضع العام للعلاقات مع تركيا سيواصل المشهد المتأزم منذ منتصف 2013، وما لم تظهر عوامل لتحقيق مصالحة ستظل العلاقات كما هى بما يتضمن تعاوناً فى الحدود الدنيا وعزل التعاون الاقتصادى عن مجمل التوتر. وقال إن السعودية لم تنجح فى تقريب وجهات النظر بين البلدين، وإنه لم يعد أولوية خليجية فى ضوء دخول الدولتين فى صراع فى أكثر من منطقة، فتركيا قبل نهاية العام بدأت فى السعى لتأسيس وجود عسكرى لها على البحر الأحمر، ما قد يشكل تهديداً للقاهرة، خاصة وجودها فى السودان والصومال وسعيها لوجود دائم أيضاً فى جيبوتى وإثيوبيا. وتابع: «أظن أن القاهرة أسست لعلاقات استراتيجية مع اليونان وقبرص أساسها التعاون فى أمن البحر المتوسط وأمن الطاقة، وجرت عدة لقاءات سياسية وأمنية تضم عسكريين من هذه الدول وهذا يقلق تركيا إلى حد كبير».