القداس يوحِّد المصريين ضد الإرهاب فى كنيسة مارجرجس بطنطا
الشمامسة يبدأون قداس عيد الميلاد
فى الصفوف الأولى لقداس عيد الميلاد، كان جلوس عدد من الأزهريين والسيدات المحجبات أبرز مشاهد ليلة الاحتفالات داخل كنيسة مارجرجس والشهداء الأبرار فى طنطا، مساء أمس، فى تحدّ قوى للإرهاب، بعد مرور 8 أشهر على استهداف الكنيسة بعملية إرهابية، خلال الاحتفالات بـ«أحد الشعانين»، العام الماضى.
لم تفارق الابتسامة وجوه الحضور، الذين اضطر كثير منهم للوقوف طوال فترة القداس، بسبب الزحام الشديد، حتى بدأ شباب كورال الكنيسة فى عزف ترنيمة «صعب الفراق»، إحياء لذكرى 30 شهيداً غابوا عن عيد الميلاد هذا العام، بعدما خطفتهم يد الإرهاب فى آخر احتفال تشهده الكنيسة، بالإضافة لـ70 مصاباً آخرين، أصر كثير منهم على الحضور.
دعوات الأطفال بالانتقام من القتلة.. ومصابو «أحد الشعانين»: سنستمر فى الصلاة ولا نخشى الشهادة
بخطوات ثابتة، عبر المئات من أهالى طنطا لجان الفرز والنقاط والتمركزات الأمنية المحيطة بكنيسة مارجرجس والشهداء الأبرار فى شارع على مبارك، حتى الوصول إلى بوابة التفتيش الأخيرة، عندها تظهر الخطوة الأهم فى سلسلة إجراءات التأمين، ويشارك فيها كشافة الكنيسة فى التعرف على هوية الزوار، بالتنسيق مع رجال الأمن.
«ده ما أعرفوش»، قالها أحد شمامسة الكنيسة، أندرو عبدالملك، بينما يشير إلى مراسل «الوطن»، وبعد إبراز تحقيق الشخصية، والتأكد من إدراج الاسم فى كشوف المصرح لهم بالدخول، تحدث إلينا قائلاً: «كنت أحد المصابين فى هجوم أحد الشعانين، لكننى تمسكت بالوجود فى الكنيسة خلال هذا العيد، فأنا لا أخاف الشهادة، فكل إخوتى نالوها، لذلك كنت مصراً على الوجود اليوم، وارتداء ملابس الشمامسة، رغم صعوبة الموقف».
على باب القاعة الرئيسية للكنيسة، وقف الشاب جوزيف جورج، متذكراً صديقه الشهيد بيشوى دانيال، الذى اعتاد أن يحضر معه كل القداسات السابقة، وآخرها قداس أحد الشعانين، حيث نال فيه «بيشوى» الشهادة، مشيراً إلى أن مشاهد الدمار الناتجة عن التفجير الإرهابى ما زالت عالقة فى ذاكرته حتى الآن، وإن كانت أعمال ترميم الكنيسة محت معظمها.
يقول جوزيف: «حرصت مع أصدقائى على الوجود فى الكنيسة منذ بداية اليوم، للمشاركة فى إتمام الاستعدادات للقداس»، مضيفاً: «الأعمال الإرهابية تزيدنا قوة وعزيمة وارتباطاً، والصلوات تزيدنا أخوة ومحبة»، فيما قاطعه كيرلس مجدى، أحد مصابى أحد الشعانين، قائلاً: «قداس عيد الميلاد، هو أول عيد يمر بنا بعد تفجير 9 أبريل، وما تعرضنا له من مشاهد مؤلمة».
وأشار كيرلس إلى أن مشاعره فى مناسبة كبيرة مثل قداس الميلاد هذا العام، مزيج من الفرحة بالعيد، والحزن على غياب الأصدقاء، وخلو أماكنهم فى قاعة الصلاة، مضيفاً: «تمسكت بحضور القداس والصلاة فى نفس الكنيسة، وعدم الذهاب إلى كنيسة أخرى، تأكيداً للإرهابيين بأننا لن نخاف، وأن دماءنا لا تغلو على مصر، وأصررت على الحضور قبل ساعتين من بدء القداس والاحتفالات، وكان يمكننى أن أذهب إلى كنيسة أخرى أقل زحاماً، إلا أننى جئت هنا لأفخر بأن دماء إخوتى سالت فى هذا المكان».
«حسونة»: على المواطنين ممارسة حياتهم الطبيعية.. والأنبا بولا: أنحنى لكل فرد شرطة وقف فى البرد لحمايتنا
عند هذه الكلمات من كيرلس مجدى، تذكر جوزيف جورج، الواقف بجواره، صديقه الشهيد بيشوى دنيال، قائلاً: «كان الصديق المقرب لى، والأكثر حرصاً على حضور الصلوات فى الكنيسة، واليوم جئنا لنقول للإرهاب: إننا نحتفل بعيدنا داخل كنيستنا، وإنه لن ينتصر علينا، وإننا سنستمر فى الصلاة مهما وجه لنا من ضربات».
كان حضور الأطفال القداس مع ذويهم أحد أبرز المشاهد اللافتة داخل الكنيسة، وقال دانيال بطرس، 8 سنوات، إنه جاء برفقة أسرته للعب مع أصدقائه وحضور القداس، «اتفقنا على تخصيص وقت من القداس لندعو الرب بأن ينتقم من الإرهابيين»، بينما قال صديقه صموئيل جرجس: «جئنا للصلاة والدعاء على الإرهاب والاحتفال بوجود شهدائنا فى الجنة».
ومنذ بداية القداس حتى نهايته، وُجد اللواء طارق حسونة، مدير أمن الغربية، فى محيط كنيسة مارجرجس والشهداء الأبرار، لمتابعة إجراءات التأمين، وقال فى تصريحات لـ«الوطن»، إن «وظيفة رجال الشرطة هى تأمين جميع كنائس المحافظة، والحفاظ على سلامة وأمن الأقباط فى أعيادهم، والظهور بالشكل المطلوب، لتأكيد أن وزارة الداخلية هى حصن الأمان لكل مواطن».
وأشار إلى وضع خطة أمنية مكبرة بالتنسيق مع القوات المسلحة، لتأمين جميع المنشآت العامة والخاصة الحيوية، ودور العبادة، فيما شدد على أن «الإرهاب لن ينال من عزيمة المصريين ولا رجال الشرطة، ونُصرّ على استكمال المشوار، والقضاء على الإرهاب»، موضحاً أن «الخطة تضمنت إنشاء حرم آمِن حول كل كنيسة، ووضع نقاط تفتيش لفحص المترددين عليها، والاستعانة بكاميرات مراقبة لرصد وإيقاف أى مشتبه فيه».
ودعا «حسونة» المواطنين فى مدن ومراكز المحافظة لممارسة حياتهم بشكل طبيعى، مؤكداً أن «كل أرجاء المحافظة مؤمّنة بشكل كامل، وعلى المواطنين عدم التأثر بالشائعات التى يروجها المغرضون، بجانب مساعدة الشرطة فى الحفاظ على استقرار الأوضاع الأمنية».
من جهة أخرى، قدّم وفد من مديرية أوقاف الغربية التهنئة إلى الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها، بمناسبة عيد الميلاد، فيما وجّه الأنبا بولا التحية إلى رجال الشرطة على دورهم فى تأمين الكنيسة، قائلاً: «أنحنى فخراً لكل فرد شرطة وقف فى البرد لحمايتنا».