"الوساطة واللجوء للمحكمة الدولية".. أبرز طرق تسوية المنازعات بين الدول
مجلس الأمن - صورة أرشيفية
تعتبر المنازعات الدولية معضلة العصر مما يستوجب ضرورة البحث عن القواعد الملائمة لحلها لتجنب عواقبها الوخيمة على الشعوب و الإلنسانية جمعاء.
إن حل المنازعات الدولية في الوقت المعاصر يعتمد أساسا على تطبيق قواعد القانون الدولي المنبثقة من التشريعات الدولية و الأعراف و المعاهدات الدولية، وذلك في إطار قانوني معين كأن يكون أمام محكمة العدل الدولية أو محكمة تحكيم دولية، غير أن اللجوء إلى هذه الوسائل يتوقف على إرادة الدول، ومن ثم يستوجب أن تنال هذه الأجهزة ثقة الدول سواء كانت كبيرة أم صغيرة ، وهذه الثقة يجب أن تكون فيا الأدوات المستخدمة أكثر منه في الإطار القانوني.
وأقر القانون الدولي العام منذ عهد عصبة الأمم مبدأ تسوية المنازعات بالطرق السلمية سعيا منه إلى نزع شرعية استخدام القوة مستقبلا، ليكرسه فيما بعد في ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وبذلك يفقد استخدام القوة علته و شرعيته يف حلأي نزاع دولي.
وحدد هذا المبدأ الوسائل السلمية المتاحـة لذلك ، فأناط للقضاء الدولي والتحكيم الدولي الدور الأساسي حلل المنازعات الدولية وحـث الدول علـى اللجوء إلى هذه الأساليب باعتبارها الأطر الكفيلة و الملائمة لمعاجلة شاملة للنزاع في إطار قواعد القانون الدولي، وتعرب بحق عن أدوات فعالة لتجنب تحقق المواجهات المسلحة بين الكثير من الدول.
وتتولى محكمة العدل الدولية الفصل في المنازعات الدولية الإقليمية وفقا للمادة 38 من نظامها الأساسي، كما أنها تقوم بوظيفـة أخرى وهي تقديـم الفتاوى في أية مسألة قانونية متنازع عليها بناء على أي طلب مقدم من هيئة مرخصة من ميثاق منظمة الأمم المتحدة طبقـا للمادة 65 من هذا النظام، وهي حسب التطبيق العملي، الجمعية العامة ومجلس الأمن والوكالات المتخصصة في إطار صلاحياتها.
تعتبر أحكام المحكمة ملزمة ونهائيـة بشروط معينة وتفاوت بسيط، بغض النظر عن رغبة أي من الطرفين المتنازعين، حيث تنص المادة 94 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على أنه إذا امتنع أحد أطراف النزاع عن تنفيذ التزامه طبقا للحكم، فإنه على الطرف الآخر اللجوء إلى مجلس الأمن.
وإذا أخفقت دولتان في الوصول إلى حل مرض لنزاعهما قد تقوم دولة ثالثة، بالتدخل الودي لمساعدتهما على حّله، فالمساعي الحميدة تعني أن دولة لا علاقة لها بالنزاع القائم تتدخل من تلقاء نفسها بكياسة بين الدولتين لحملهما على إنهائه، ومن شأن المساعي الحميدة إما العمل على الحيلولة دون تطور الخلاف إلى نزاع مسلح، أو محاولة القضاء على نزاع مسلح نشب بن الدولتين، والأمثلة كثيرة على كل من النوعين المذكورين فقد عينت منظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمرها الثالث المنعقد في الرياض أواخر عام 1980 ، لجنة إسلامية للمساعي الحميدة بين العراق وإيران، بهدف وضع حد للنزاع القائم بينهما، وقد جرت العادة منذ عهد الأمين العام الثاني للأمم المتحدة حتى عهد الأمين العام الحالي كوفي عنان.
أن يبذل الأمين العام للأمم المتحدة مساعيه الحميدة لحل النزاعات بين الدول، وقد نجح في بعضها كالمساعي الحميدة المبذولة عام 1955 ، بين الولايات المتحدة والصين، وأخفق في بعضها الآخر كالنزاع العراقي الإيراني قبل تفجره في الحرب الدموية ذات الثماني سنوا ت والحروب الجارية في التسعينات في البوسنة وكوسوفو ورواندة وأفغانستان.
والمساعي الحميدة هي الجهود السلمية التي يبذلها طرف ثالث ليس طرفا في النزاع هدفه تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة ومساعدتها على إيجاد صيغة ودية لتسوية ذلك النزاع بأنه وسيلة سلمية توافق عليها الأطراف المتنازعة.
كما توجد الوساطة الجماعية، وهي ما تقوم به عدة دول أو أشخاص من جهود دبلوماسية لتسوية نزاع ما بناءا على طلب من الأطراف المتنازعة، أو بموافقتها وقد تكون هذه الوساطة بتكليف من منظمة دولية أو إقليمية، فقد نجحت الوساطة التي قامت بها لجنة تنقية الأجواء العربية المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية الطارئ في الدار البيضاء عام 1985 في تسوية الخلافات بين سوريا والأردن.
أما عن الوساطة الفردية، وهي قيام دولة أو شخصية دولية بجهود للتوسط بين الأطراف على أن توافق هذه الأطراف على تلك الوساطة، وقد أخذ الاتجاه مؤخرا إلى تفضيل وساطة شخص يتمتع بمؤهلات دبلوماسية معروفة على وساطة الدولة، منها الوساطة التي قام بها الملك مهند بن عبد العزيز بين المغرب والجزائر، لحل مشكلة الصحراء الغربية حيث تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين 04/05/1987 يقضي بمواصلة الجهود المبذولة لحل النزاع بينهما.
وعن الوساطة التعاقدية، فهي أنه قد تتفق الدول بموجب معاهدة تعقدها على نص يلزمها اللجوء إلى وسيلة الوساطة في حالة خلاف معين بينهما، وهناك أمثلة كثيرة قديمة وحديثا على نجاح هذه الوسيلة في المنازعات مثل، الوساطة التي قامت بها بريطانيا 1867 بين فرنسا وروسيا لحل خلافهما حول مقاطعة لكسمبورج، والوساطة التي قام بها البابا ليو الثالث عشر في النزاع الألماني الإسباني حول مجموعة جزر كارولين في المحيط الهادي 1975، والوساطة الأمريكية بين روسيا واليابان لإنهاء الحرب بينهما عام 1905 والوساطة التي قامت بها الجزائر عام 1980 بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول الإفراج عن الرهائن الأمريكيين المحتجزين في طهران، في مقابل الإفراج عن الأموال المجمدة في البنوك الأمريكية، وقد نجحت الوساطة الجزائرية في إبرام اتفاقية الجزائر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 9 يناير1981 وسويت المشكلة عن طريق محكمة دولية للفصل في المنازعات الخاصة بالاستثمارات والادعاءات المتعارضة بين الدولتين.