«رفيق».. مصاب بـ«عيب خلقى» فى العمود الفقرى.. وعلاجه جراحة بمليون جنيه
«رفيق» على كرسى متحرك
قبل نحو عامين كان له أب «أرزقى» يخرج فى الصباح الباكر من منزله المكون من غرفتين وصالة ومطبخ وحمام، والمسقوف بـ«ألواح الخشب والقش»، قاصداً رب العرش الكريم أن يرزقه ببضع جنيهات تسد جوع أولاده الثلاثة، بالإضافة إلى توفير نفقات علاج نجله الأكبر «رفيق السيد» البالغ من العمر 18 عاماً، الذى يعانى من عدة أمراض أهمها عيب خِلقى فى العمود الفقرى أدى لاعوجاجه، وأجرى له عدداً من العمليات الجراحية أملاً فى أن يرى ابنه البكر يتحرك ويجرى ويدخل المدرسة مثله مثل آلاف الأطفال، لكنه الآن مات وترك زوجته تواجه وحدها صعوبات الحياة وتتحمل تربية الأطفال الثلاثة، ما اضطرها للخروج للعمل باليومية فى أراضى الأهالى تارة وفى بيع «حزم الخضراوات» تارة أخرى لتستطيع سد جوع أطفالها.
«زوجى توفى منذ عامين وترك لى حملاً ثقيلاً فى زمن صعب، تركنى أواجه الحياة، وكأننى انحت فى صخور صعبة، حتى اشتد علىّ الألم فخرجت للعمل باليومية وبيع حزم الخضراوات لأستطيع توفير نفقات أطفالى وتعليمهم وتوفير ثمن علاج ابنى الأكبر الذى يحتاج لعملية جراحية تتكلف أكثر من مليون جنيه خارج مصر، وتحديداً فى دولة ألمانيا. وعندما عجزت عن توفير العلاج ناشدت كافة الجهات الحكومية لكن دون جدوى، فاضطررت لإجراء عمليات جراحية بسيطة له كى يستطيع الوقوف على قدميه عقب ولادته بعيب خلقى فى فقرات الظهر».. بهذه الكلمات بدأت إنصاف مشهود طه، البالغة من العمر 38 عاماً، والمقيمة بقرية السحايت التابعة لمركز الحامول.
الشاب القعيد: نفسى أقف على رجلى وأكمل تعليمى وأشتغل علشان أصرف على إخواتى.. ووالدته: لا نملك من حطام الدنيا شيئاً.. وبنعافر علشان نعالجه
وقالت «إنصاف» إنها لاحظت ولادة نجلها بتقوُّس فى العمود الفقرى فذهبت به للأطباء فى سنوات عمره الأولى إلا أنهم كتبوا له علاجاً لمدة عامين، وبعدها اشتد الألم وبدأ الطفل يصرخ من شدته، فبدأت هى ووالده فى رحلة علاجه عند الأطباء فى عياداتهم الخاصة، تكلفت عشرات الآلاف من الجنيهات، بالإضافة إلى إجراء عملية جراحية وتركيب جهاز بمعهد ناصر فى القاهرة. ومع نمو الطفل بدأ يجرى ويلعب وتحسنت حالته الصحية إلى أن حدث «اعوجاج» فى الجهاز الذى تم تركيبه بفقرات الظهر، وتم قص جزء منه، وبعدها تدهورت حالته.
وأضافت والدة الشاب: «ذهبنا للأطباء فأزالوا الجهاز، ما أدى لضغط فقرات العمود الفقرى على بعضها البعض، وأعطيناه علاجاً إلى أن وصل لسن المدرسة، ومع الجرى واللهو فى المدرسة بدأ يشعر بألم، ما أدى لتدهور الحالة مرة أخرى وهو فى الابتدائية، وبدأت رحلة علاج أخرى فى مستشفيات حكومية وخاصة، وكنا نعافر لعلاجه، لكنه أصيب بشلل نصفى ولم يستطع استكمال مشوار التعليم، فقررنا أن يجلس فى المنزل ويذاكر حتى أصيب بشلل كامل، وهو فى الصف الأول الثانوى الأزهرى، فأخرجناه من المدرسة نهائياً لعدم استطاعتى حمله والذهاب به بشكل يومى».
وأوضحت والدة الشاب، والدموع تتساقط من عينيها، أن «الأطباء قرروا أن ابنى يحتاج إجراء عملية جراحية فى دولة ألمانيا تتكلف نحو مليون جنيه»، وهى لا تملك من حطام الدنيا شيئاً سوى بضع جنيهات تتحصل عليها يومياً من عملها بـ«اليومية»، تسد بها جوع أولادها، حيث إن الاثنين الآخرين فى مراحل التعليم الابتدائى والإعدادى.
وعلى كرسى بلاستيكى تعلوه «مخدة» صنعتها له والدته من القماش والقطن للراحة، وبجواره عصاً خشبية يتكئ عليها إذا أراد المشى أو الذهاب لدورة المياه، وجهازه المخصص للسير داخل المنزل، يجلس «رفيق» ذو الجسد النحيل الذى أنهكته العمليات الجراحية، يندب حظه لعدم استكمال تعليمه، ووجهه تعلوه ابتسامة يواجه بها زائريه، لكنه يقول فى نفسه إنها ابتسامة زائفة أجبرته ظروف الحياة على التعايش معها حتى لا يُحمّل والدته هماً أكبر، يستقبلنى ذلك الشاب ذو البشرة السمراء، مرحّباً بى ومعتذراً عن حالة منزله البسيط الذى يحتاج لإعادة بنائه أو ترميمه.
يتذكر ذلك الشاب طفولته التى لم يعشها كباقى الأطفال والتى حرمته من استكمال تعليمه، قائلاً: «كنت طفلاً وُلد بعيب خلقى فى فقرات الظهر، وذهب بى أهلى للأطباء، وبعد رحلة عذاب مع العلاج، أكد لى الأطباء أننى أعانى من شلل بنسبة 25%، وأجروا لى عدة عمليات جراحية، لكنها باءات بالفشل، حتى أُصبت بشلل كلى، وأصبحت أحتاج لإجراء عملية جراحية فى ألمانيا، بالإضافة إلى زرع نخاع شوكى»، وبعد تدهور حالته عقب ضغط الفقرات وإصابته بشلل فى النصف الأسفل، يقوم بعمل جلسات علاج طبيعى بـ500 جنيه أسبوعياً أى بواقع 2000 جنيه فى الشهر حتى يتم إجراء عملية.
يصمت الشاب متألماً لعدم قدرة والدته على توفير نفقات جلسات علاجه الطبيعى أو إجراء العملية لتقويم انحناء الظهر وتثبيت الفقرات، والتى تحتاج لأكثر من مليون جنيه خارج مصر، ثم يتابع: «كان نفسى أقدر أتحرك وأصرف على أمى واخواتى بعد وفاة أبويا، لكن القدر منعنى، وبشوف دموع أمى وهى بتبكى لما مابتقدرش توفر تمن الجلسات وبتستلف من أيادى الجيران، بتشتغل فى الأراضى من الصبح لحد بعد العصر وتيجى جرى علشان تلحق تعمل لنا أكل، وطول المدة دى بعتمد على نفسى فى الحركة عن طريق الجهاز أو العصا، ورغم إننا بنقبض معاش من التأمين الاجتماعى لكن مابيعملش حاجة، والعلاج وحده بيتكلف 3 آلاف جنيه شهرياً جلسات وأدوية، غير إن كل مرة لازم نأجّر عربية مخصوص بـ150 جنيه، علشان ماينفعش أروح مواصلات، وكل اللى طالبه إنى أتعالج على نفقة الدولة، أو حد يتكفل بعلاجى وتوفير مشروع لأسرتى لتستطيع والدتى الإنفاق علينا بدلاً من العمل باليومية فى أراضى الأهالى»، موجهاً رسالة للرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية: «أرجوك يا ريس عالجنى، نفسى أقف على رجلى مرة تانية وأكمل تعليمى».