«بسملة».. تعيش بقدم معوجة.. والفقر يؤخر شفاءها
«بسملة»
فى حجرة بُنيت بالطوب الأبيض «البلوك»، وعُرشت بألواح الخشب وقش الأرز، تعيش بسملة شمس الدين خليل، البالغة من العمر 4 أعوام والمُصابة بضمور فى عضلة إحدى القدمين، والتى أصبحت غير قادرة على المشى بشكل طبيعى بسبب إعاقتها، كما أنها مُصابة بـ«الحوَل» فى عينيها.
تعيش «بسملة» مع أسرتها المكونة من أب وأم وشقيقين، بقرية العزبة السمراء التابعة لمركز الحامول فى كفر الشيخ، فى ظروف مادية صعبة، وتعانى من المرض والجوع فى آن واحد، فوالدها عامل بهندسة الرى والصرف، ووالدتها تعمل باليومية فى أراضى الأهالى تارة، وتجلس فى المنزل لمراعاة أطفالها الثلاث تارة أخرى، لم يستطع رب الأسرة بناء منزل آدمى ليقطن به أطفاله، أو توفير نفقات علاج الطفلة فتركها بدونه.
الأم: ظروفنا على قدّنا وأهملنا فى علاجها.. لا نملك من حطام الدنيا سوى جنيهات قليلة تسد جوع أطفالنا
فى إحدى جنبات الحجرة تجلس الطفلة مُرتدية ملابس مهلهلة تنم عن حال الأسرة ووضعها الصعب، تبتسم وكأنها لم تدرك ما بها من آلام، لكنها تنسى مرضها عندما تلهو مع أقرانها من الأطفال فى الشارع، لتعود بعد كل لعبة مُنهكة، تشتد عليها الآلام، طالبة من أمها أن تذهب بها للأطباء، لكنها لا تستجيب بسبب ضيق ذات اليد.
تجلس الطفلة على «كرسى» خشبى وتظهر قدمها العاجزة المعوجة قائلة: «رجلى معووجة مابقدرش أمشى عليها والعيال فى الشارع بيقولولى يا ام رجل وحشة، بروح ألعب معاهم لكن برجع معيطة علشان بيقولولى كده، أنا نفسى أخفّ وأمشى زىهم بس أبويا ممعهوش فلوس، وكل أمى ما تقول له عاوزين نعالج بسملة، يقول لها أجيب منين، إحنا بنستلف تمن الأكل، وبيدينى نص جنيه بروح أجيب بيه حلاوة أو لبان».
بابتسامة عفوية لا تفارقها تقول الطفلة: «بلبس شبشب مقطوع وتيرينجات اخواتى الولاد لما بتصغر عليهم، علشان مش بيجيلى لبس جديد، ونفسى أصحى وأمشى زى العيال، وعينى تخف ورجلى، وألبس هدوم كويسة»، هذه كل أمنيات بسملة، أما والدتها «أم السعد محمد»، البالغة من العمر 40 عاماً، فتجلس باكية على حالها، وتقول: «اكتشفنا إصابة بسملة بالعجز وهى عندها سنة ونص، حسينا إن رجليها معووجة، والأطباء قالولى اعملى أشعة وتحاليل وتعالى، عملت الأشعة ورُحت للدكاترة قالوا عندها ضمور فى عضلة القدم وتحتاج لعملية جراحية». وتضيف الأم: «العملية وقتها كانت هتتكلف كتير وزوجى عامل فى هندسة الرى والصرف بيتقاضى مكافآت قليلة يا دوب تسد جوع الأطفال، وعندى طفلين، واحد 6 سنين والتانى 8، ووقتها ماقدرتش على العلاج، وطلبوا منى إجراء جلسات علاج طبيعى، لكن ظروفنا المادية ماسمحتش لأن الجلسات دى فى مراكز خاصة، ومن يومها وسيبناها لحد ما رجلها اتعوجت خالص وبقت بتمشى على رجل واحدة، والتانية فيها ألم لما بتضغط عليها».
وبصوت تخنقه الدموع قالت الأم: «ظروفنا على قدّنا وأهملنا فى علاج الطفلة، لكن هنعمل إيه لا نملك من حطام الدنيا شيئاً سوى جنيهات قليلة تسد جوع أطفالنا الثلاثة، وليس لدينا أرض زراعية تطعمنا، وإنما نعيش على مساعدات أهل الخير، ومع كل زرعة يتعطّف عدد من أهالى القرية ويرسلون لنا الأرز والحبوب، ونشترى باقى الاحتياجات بالفلوس، وأنا نفسى بسملة تتعالج وتخف وتجرى وتلعب قدامى».
وتختتم الأم حديثها قائلة: «المستشفيات مش بتعالج حد، والمراكز الخاصة تكلفة علاجها مرتفعة، والمواصلات للذهاب ليها أيضاً غالية، فقعدنا وسلّمنا أمرنا لله، لكن عندنا أمل إن بنتنا تتعالج وأنا نفسى صوتى يوصل للرئيس السيسى وبقول له بص لحالتنا يا ريس، إحنا عايشين تحت خط الفقر ولا نملك شيئاً من الدنيا، وبطلب من أهل الخير يصبّولى بيت ليحمينا من برودة الجو، لأنه فى الشتاء مياه الأمطار بتنزل على رؤوسنا».
والدة «بسملة» وأشقاؤها
«بسملة»