انهيار صناعة «سجاد دمنهور» بفعل فاعل.. و«الأوقاف» تخيّب آمال العمال.. ومصادر عمالية: شركة خاصة تتعمد تعطيل الإنتاج
مصنع سجاد دمنهور
أظهرت مؤشرات البيع والشراء بمصانع «سجاد دمنهور»، هبوطاً حاداً بعملية بيع منتجات المصانع، ولجوء مساجد البحيرة وغيرها من المحافظات، إلى شراء السجاد من الشركات الخاصة، وعزوف المواطنين عن شراء ماركة «سجاد دمنهور»، الذى طالما احتل الصدارة على مدار عقود مضت، إلا أن حالة الكساد التى تعانى منها الشركة، أصابت ماكينات التصنيع بالشلل، وانعكس ذلك على مرتبات وأجور العمال والموظفين، وهو ما أظهرته الاضطرابات والوقفات الاحتجاجية التى شهدتها الشركة خلال الفترة القليلة الماضية، وهروب بعض قيادات وعمال المصانع إلى القطاع الخاص، الذى فتح لهم ذراعيه، للاستفادة من خبراتهم فى مجال تصنيع السجاد.
54 عاماً هى عُمر الشركة العربية للسجاد والمفروشات «مصنع سجاد دمنهور»، الذى أنشأه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى أوائل الستينات، ومثل العديد من المشروعات وقتها، انطلق المصنع لينافس بمنتجاته فى السوق المحلية والدولية، واستطاع أن يتربع على عرش الصدارة فى منطقة الشرق الأوسط على مدار عقدين من الزمان، مما جعله مطمعاً للعديد من الهيئات الخاصة، الذين اعتبروه مصدراً مهماً للتمويل وضخ الأموال، وبالفعل تم طرح فكرة بيعه للقطاع الخاص، ليلحق بقطار الخصخصة فى فترة التسعينات، إلا أن أبناء المصنع وقياداته، آنذاك، تصدوا للفكرة، وطالبوا بالحفاظ على مكتسبات المصنع وتبعيته للدولة، وما كان أمام الحكومة وقتها إلا ضمه إلى وزارة الأوقاف، مع التعهد بالحفاظ على جميع حقوق العمال والموظفين، وكانت بداية الألفية الثالثة هى نقطة التحول إلى وزارة الأوقاف.
هيئة الأوقاف بالمدينة تخطط لوقف العمل بالمصنع والاستفادة مادياً ببيع الأصول
وتوقع القائمون على المصنع وقتها أن تحقق هذه الخطوة زيادة فى الإنتاج، خاصةً أنها تضمن توريد منتجات المصنع من السجاد والمفروشات إلى جميع المساجد بمختلف المحافظات، بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة فى الدول العربية أمام ماركة «سجاد دمنهور» الشهيرة، ولكن خابت الآمال بسبب ما شهده المصنع من هبوط وتدهور الإنتاج، ووضع القائمون عليه علامات استفهام كثيرة أمام هبوط أسهم البيع، فيما أوضح آخرون أن سوء الإدارة، واعتماد مسئولى البيع والتسويق على الأوقاف، أهدر فرصة المنافسة لمنتجات الشركة، خاصة أن الأجواء كانت مثالية لتحقيق انطلاقة جديدة، فاعتقد القائمون على الشركة أن مشكلات التمويل لن تمثل عائقاً أمام وزارة غنية كالأوقاف، وتسويق الإنتاج مضمون لتغطية احتياجات آلاف المساجد على مستوى الجمهورية، بخلاف الأسواق الطبيعية، التى لا تزال تنظر باحترام للعلامة التجارية الشهيرة، وهو ما ثبت عكسه تماماً خلال الفترة السابقة.
«سعيد مبروك»، عامل وقيادى نقابى سابق بالشركة، تحدث لـ«الوطن» قائلاً: «تربعنا على عرش الصدارة لسنوات طويلة، حينما كانت مصانع سجاد دمنهور، تقوم بتصنيع السجاد اليدوى والآلى والصوف والمخلوط، بالإضافة إلى سجاد وموكيت الصلاة المخصوص، وهو ما انفردت به مصانع الشركة العربية دون غيرها، وأدخلنا صناعات البطانيات وأطقم ومفارش الأسرّة، والتى كان يتم تصنيعها من أجود الخامات، ما ساعدنا على فتح أبواب السوق المحلية والدولية أمام منتجاتنا، وكان العديد من المستهلكين يبحثون عن ماركة سجاد دمنهور بالاسم»، وأضاف: «يبدو أن هناك من لا يريد للمصنع النهوض واستعادة ريادته»، مشيراً إلى أن المصنع شهد العديد من الأزمات على مدار السنوات السابقة، وتوقفت ماكينات التصنيع أكثر من مرة، نتيجة الوقفات الاحتجاجية للعمال الغاضبين بسبب سوء أحوال المصنع، واختفاء المواد الخام، وتابع بقوله: «لم نشاهد أى مسئول تدخل بشكل جاد لحل مشكلات المصنع، وهو ما أعطى انطباعاً سلبياً لدى العاملين بالشركة، ودفعهم إلى الهروب للقطاع الخاص، وأمام ذلك انخفضت مستويات التصنيع، بسبب فقد عناصر الخبرة، وهو ما انعكس أيضاً على منتجات الشركة، الأمر الذى بدأ يلاحظه الكثير من المستهلكين».
نقابى: هناك من يريد هدم الصرح الصناعى.. وهروب الخبرات للقطاع الخاص أفقدنا أسواقنا المحلية والخارجية
وقال عبدالحميد أحمد زهران، عامل بالشركة، إنه فى عام 2001، بعد صدور قرار ضم المصانع إلى هيئة الأوقاف، ارتفعت الروح المعنوية لدى العمال، اعتقاداً منهم بأنهم أفلتوا من قطار الخصخصة، إلى نعيم الرعاية الحكومية، وبدأت الشركة وقتها بالعمل وتحقيق خطتها لتوفير الموكيت لمساجد الأوقاف، وبالفعل تحقق الهدف باستقرار العمل فى الشركة، وتوفير احتياجات هيئة الأوقاف وقتها، ولكن أعقب حالة الاستقرار مرحلة تدهور بالشركة، بعد اختيار قيادات من الهيئة ليست على مستوى المسئولية، وترتب على ذلك توقف العمل بالأقسام الفنية «غزل 1 و2»، بالإضافة إلى قسمى «الغسيل والصباغة»، وفرع إسكندرية، ولم يتبق سوى قسم النسيج، الذى حقق الخطة المطلوبة، ثم توقفت بعد ذلك 18 ماكينة، ولم تتبق سوى 5 ماكينات فقط تعمل داخل المصنع.
والتقت «الوطن» بأحد القيادات بالشركة العربية، رفض ذكر اسمه، الذى قال: «هناك تواطؤ وتعمد لتصفية المصنع لصالح المنافسين الأساسيين له، وأرى أن إحدى الشركات بالقطاع الخاص تتعمد توريط المصنع فى صفقات خاسرة، لهدم الصرح المنافس بالأسواق»، مشيراً إلى قيام تلك الشركة بتوريد مواد خام رديئة لمصنع سجاد دمنهور، وأضاف أن «المنافسة غير الشريفة»، بحسب وصفه، تمثلت أيضاً فى تعمد الشركة إيقاف توريد الخامات فى أوقات محددة عن المصنع، معتبراً أن «هذا الوضع يسير على أهواء بعض القيادات فى هيئة الأوقاف»، وذكر أن مصادر فى الهيئة ألمحت فى أكثر من مناسبة، إلى أن الهيئة لديها خطة لإيقاف العمل بالمصنع، وبيع الأرض المقام عليها، والمعارض الخاصة به، والاستفادة من الأموال التى تعود عليها نتيجة عملية البيع.
ولفت المصدر إلى أن هذا التوجه انعكس على عملية التصنيع داخل الشركة، وأدى إلى حدوث وقفات احتجاجية من العمال، الذين يخشون تسريحهم ومواجهة شبح البطالة، أو الخضوع إلى قوانين ولوائح القطاع الخاص، التى لا تلبى تطلعاتهم وخبراتهم، مشيراً إلى أن مطالب العمال بالشركة انحصرت على تشغيل المصنع، والالتزام بتحقيق خطة إنتاج 80 ألف متر، من خلال تشغيل 5 ماكينات، هى كل ما تبقى بالمصانع، وأضاف: «ما يؤكد صحة كلامى، هو تعمد هيئة الأوقاف توريد الخامات للمصانع بكميات ضئيلة لا تكفى لتشغيله لعدة أيام»، وهو ما يُعد مخالفة صريحة للقانون ونظام التشغيل، ومن الأمور الأخرى التى تظهر رغبة الأوقاف فى تعطيل العمل بمصنع الشركة، بحسب المصدر نفسه، هو إجبار الموظفين والعمال على ترك وظائفهم تمهيداً لإغلاقه، بالإضافة إلى مخالفة الهيئة قانون المزايدات والمناقصات رقم 89 لسنة 98، بعد أن لجأت إلى الشراء المباشر من شركة، صدر حكم قضائى بمنع التعاقد معها، وهى الشركة ذاتها التى تتعمد حجب الخامات عن المصانع، بهدف تعطيل الإنتاج، بهدف هدم هذا الصرح العملاق، لافتاً إلى أن هناك «علاقات غير واضحة» بين قيادات الهيئة والشركة الموردة، التى تم منحها حق التوريد بالأمر المباشر، واختتم حديثه بالتأكيد أنه «لا أمل فى إنقاذ سجاد دمنهور، سوى بالتدخل الفورى من قبل مجلس الوزراء»، على حد قوله.