الزعيم تمسك بمجانية الابتدائية والثانوية.. وأراد القضاء على الأمية
حال التعليم اليوم «لا يسر عدو ولا حبيب»
لم يكتف بما فعله طه حسين، حين أطلق شعار «التعليم كالماء والهواء» فى عام 1944 وأقر بمجانية التعليم الابتدائى والثانوى فى عام 1952، وإنما أراد أن يستكمل مسيرته حرصاً منه على إتاحة الفرصة للجميع لكى يتعلم، حسبما يقول الدكتور «شبل بدران»، عميد كلية التربية بجامعة الإسكندرية الأسبق، موضحاً أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر له العديد من الإنجازات فى مجال التعليم تحسب له، وسيظل التاريخ يتحدث عنها لأن دوره اختلف كثيراً عما سبقوه، ففى عام 1962 أقر «عبدالناصر» مجانية التعليم من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية، كخطوة منه لجعل التعليم فى مصر إلزامياً ومجانياً ومتاحاً لجميع أفراد الأمة المصرية على قدر من المساواة.
إنجاز حقيقى فعله «عبدالناصر» حين تمكن من إتاحة التعليم بقدر متساو للجميع بعدما كان فى مصر يقتصر على النخبة، ومن يريد أن يكمل تعليمه كان عليه إحضار شهادة فقر، وفقاً لكلام «شبل»، لافتاً إلى أنه أتاحه لجميع المواطنين دون تفرقة بين أى منهم، بجانب أنه استطاع أن يكرس قيم المواطنة القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بسبب الجنس أو اللون أو الديانة أو الوضع الاجتماعى.
ويتابع «شبل»: «كان لا يوجد بالمدارس حينها أى دور طبقى يميز شخصاً عن غيره، حتى المدارس الإنجليزية والفرنسية قام بتأميمها عقب العدوان الثلاثى فى عام 1956، وكانت المدارس الخاصة الموجودة فى ذلك الوقت مقصورة على الطلبة «الفاشلة» غير القادرين على الالتحاق بالمدارس الحكومية، وكان أيضاً لا يوجد أى نمط من أنماط التعليم الجامعى الخاص بمصر باستثناء الجامعة الأمريكية، حيث كان يعتمد الكل على التعليم الحكومى المجانى».
ويؤكد «شبل» أن عبدالناصر توسع فى التعليم بصورة غير مسبوقة فى كل المراحل التعليمية بدءاً من التعليم الابتدائى وحتى الجامعى إذ قام بإنشاء العديد من المدارس فى كافة القرى والمحافظات حرصاً منه على تشجيع الجميع على الالتحاق بها، كما أنشأ عدداً كبيراً من الجامعات الإقليمية فى نهاية الستينات، لافتاً إلى أن الرئيس الراحل عظّم دور الدولة المصرية فى تحقيق ما ورد فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى أصدرته هيئة الأمم المتحدة فى 10 ديسمبر عام 1948، ونص على أن «التعليم حق للإنسان وعلى الدولة أن توفره له أينما وجد وبصرف النظر عن أى عوائق اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية تحول دون وصول هذا الحق للإنسان»، مضيفاً: «طه حسين سبق الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بدعوته للتعليم كالماء والهواء، ثم أتى هذا الإعلان ومن بعده استكمل عبدالناصر المسيرة وجعله حقاً للإنسان وقام بتوفيره له فى قرى ونجوع ومدن الوطن المصرى».
تربويون: قدم الكثير للعملية التعليمية.. وتوسع فى التعليم بصورة غير مسبوقة وأتاحه للجميع.. واهتم بتفعيل هيئات محو الأمية
بالرغم من انخفاض نسبة الأمية فى عهد «عبدالناصر» بعد إتاحة التعليم لجميع فئات الشعب، فإنه اهتم بتفعيل هيئات محو الأمية التى توقف عمل أغلبها، وذلك مراعاة لمن حرم من التعليم قبل عهده أو لمن لم تسمح ظروفه الاقتصادية حينها أن يستمر فى التعليم كغيره، بحسب كلام «شبل»، موضحاً أن كل الإحصائيات تؤكد وجود فرق شاسع بين التعليم فى مصر عام 1952 وعام 1962، إذ زاد الإقبال على دخول المدارس عشرات الأضعاف مقارنة بالسنوات التى تسبق عهده.
لم يقتصر دور عبدالناصر على إتاحة فرصة التعليم للجميع مجاناً، وإنما كان يقوم بإرسال بعثات خارجية لدول الشرق والغرب بهدف التعرف على الثقافات الأخرى والاستفادة منها من خلال تطبيقها فى مصر، بحسب كلام «شبل» الذى أكد أن كل العلماء والمثقفين والمفكرين الذين حكموا مصر خلال عقد الثمانينات والتسعينات ومطلع الألفية الثالثة كانوا من أبناء البعثات الخارجية التى أرسلها ناصر لدول الشرق والغرب، ومن بينهم أسامة الباز، وعلى الدين هلال، وسعد الدين إبراهيم، وغيرهم من الأسماء التى لمعت فيما بعد.
ويشير عميد كلية التربية الأسبق، إلى أن حجم عدد البعثات التى أرسلها عبدالناصر إلى الغرب، وتحديداً أمريكا كانت ضعف ما أرسله إلى الشرق رغم اتهام البعض بأنه كان يميل إلى التيار اليسارى، مضيفاً: «كان يرسل طلبة العلوم الطبيعية لروسيا وطلبة العلوم الإنسانية لأمريكا، وهى تعتبر مفارقة غريبة تعمد فعلها رغم ميوله للتيار اليسارى والاشتراكى، كما زعم البعض».
سنوات عديدة مرت تغير فيها وضع التعليم فى مصر، بحسب كلام «طارق نورالدين»، معاون وزير التربية والتعليم الأسبق، الذى يرى أن كل ما فعله الرئيس الراحل فى مجال التعليم لم يعد موجوداً، لافتاً إلى أن مجانية التعليم الموجودة حالياً فى المدارس الحكومية تعتبر موقوفة، فهى لم تعد تقدم للطلبة أنشطة أو خدمات تدفعهم إلى الذهاب إليها، فى حين أن مجانية التعليم التى أقرها «عبدالناصر» كانت تقوم على تقديم تعليم عالى الجودة للطلاب فى مختلف المراحل التعليمية دون تفرقة بينهم.
ويتابع «نورالدين» حديثه، قائلاً: «فى السنوات الأخيرة ظهر ما يسمى بالتعليم الموازى للتعليم الحكومى، حيث أنشأت العديد من المدارس الخاصة، بجانب أن الطلبة والمعلمين يعتمدون بشكل أساسى على الدروس الخصوصية، وفقدت المدارس الحكومية هيبتها نظراً لكثافة الفصول بالطلبة وعدم الاهتمام بما يحفزهم على الالتزام بالحضور فيها، وتحول التعليم إلى سلعة حتى وصلنا لمرحلة من لا يملك لا يتعلم».
«نورالدين»: المجانية فى المدارس الحكومية موقوفة.. و«شبل»: المدارس الخاصة كانت للفاشلين
ويوضح «نور الدين» أن عبدالناصر ألغى مسمى وزارة المعارف، وأطلق عليها وزارة التربية والتعليم، لإدراكه أهمية التربية فى تأسيس الأجيال المقبلة، وكان لإدخال عنصر التربية فى الوزارة صدى كبير، حيث شهدت المدارس فى مختلف المحافظات ألواناً عديدة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية وكانت المدرسة فى ذلك الوقت تحل محل الأسرة، لكن الوضع حالياً اختلف بنسبة 100% عن أيام «عبدالناصر»، إذ افتقدت المدارس الدور الأساسى لها، بحسب كلام «نورالدين»، مضيفاً: «حتى الإصلاح القائم على المدرسة والذى اعتمد عليه عبدالناصر طوال عهده فقد دوره وذلك يعد أحد أسباب الظواهر السلبية التى انتشرت مؤخراً بين الطلبة فى المدارس».
ويؤكد «نورالدين» أن عبدالناصر اهتم كثيراً بمشروع محو الأمية الذى كان من المخطط أنه سيمحو أمية مصر خلال 3 سنوات، لكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فبعد وفاته، ومضاعفة عدد السكان أصبحت الأمية خطراً يهدد المجتمع، ولم يستطع المسئولون من بعده القضاء عليها، حتى المبادرات والبرامج التى وضعت ضمن برامج الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعى فى 2014 والتى كان من المفترض أننا سنجنى ثمارها بعد 3 سنوات، توقفت وأصبحت حبيسة الأدراج.
ويرى معاون وزير التربية والتعليم الأسبق، أن ما يحدث فى التعليم الآن عكس ما فعله «عبدالناصر» فى جميع المراحل، إذ اهتم بالتعليم الابتدائى وأضاف له سنة أخرى لأهميته، إضافة إلى أنه قام بعمل ما يسمى بالتعليم المتخصص، ففى المناطق الريفية خصص حصتين لمادة الزراعة، بحيث إن الطالب بمجرد أن ينهى المرحلة الابتدائية أو الإعدادية يستطيع العمل فى مجال الزراعة، لكن حالياً قد ينهى الطالب المرحلة الابتدائية ولا يعرف الكتابة والقراءة، مضيفاً: «منذ نحو عامين قامت الوزارة بعمل اختبار لقياس مستوى القراءة والكتابة، لكن نتائجه كان صادمة بالنسبة لهم إذ فوجئوا بأن أكثر من مليون طالب لا يجيد الكتابة والقراءة رغم التطور التكنولوجى، ولذلك تعتبر المقارنة بين التعليم حالياً والتعليم فى عهد عبدالناصر ظالمة».
وتابع: «بحكم علاقاته الجيدة بزعماء العرب فى ذلك الوقت، كان عبدالناصر يعتمد على إرسال بعثات خارجية، سواء فى مرحلة التعليم الجامعى أو قبل الجامعى، ووضع برنامج لإرسال المبعوثين فى بعثات صيفية وأخرى طويلة لكافة أنحاء العالم، لكن بعد عهده وحتى أوائل التسعينات انخفض معدل إرسال مبعوثين، ثم انتعشت إلى حد ما فى عهد حسين كامل بهاء الدين وزير التربية والتعليم الأسبق، وبعدها توقفت تماماً لعدة سنوات حتى أعادها مرة أخرى الدكتور محمود أبوالنصر، وزير التعليم الأسبق، ثم توقفت نهائياً رغم أهميتها فى نقل ثقافات أخرى لبلدنا، وفقاً لكلام «نور الدين».