مصر تتبنى أحلام القارة السمراء فى التحرر والاستقلال
جمال ناصر القضايا الأفريقية ففاز بحب القارة السمراء
لا توجد دولة أفريقية لا تضم شارعاً أو مؤسسة تحمل اسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فضلاً عن وضع صورته داخل الاتحاد الأفريقى فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ووضع تماثيل له فى بعض الدول الأخرى، وآخر تلك التماثيل وأضخمها فى مدينة جوهانسبرج فى جنوب أفريقيا، الذى أزاح عنه الستار، الزعيم الراحل نيلسون مانديلا. ويظل اسم الرئيس ناصر فى قلب الكثير من الزعماء الأفارقة، وخاصة نيلسون مانديلا الذى حين جاء لمصر لأول مرة توجه من مطار القاهرة مباشرة إلى قبر عبدالناصر، وقال إنه كان يأمل زيارة مصر فى وجود عبدالناصر ليحظى بشرف استقباله له، ومن أبرز أقوال مانديلا أيضاً حين فازت جنوب أفريقيا بتنظيم كأس العالم فى العام 2010: «لو كان عبدالناصر حياً ما جرؤ أحد من الأفارقة على الدخول مع مصر فى منافسة، حتى إن كانت أشرف المنافسات وأعظمها».
ورغم ابتعاد مصر فى فترة ما عن العمق الأفريقى، لا يزال اسم عبدالناصر يقبع فى ذاكرة الكثير من الدول الأفريقية ويحتفظون بتاريخه وقيمته وما قدمه لتلك الشعوب الأفريقية، واستطاعت مصر منذ ثورة 30 يونيو أن تعيد أمجاد فترة الرئيس الراحل عبدالناصر من خلال تصحيح الصورة والعودة إلى العمق الأفريقى من خلال تعزيز الشراكات والتوجه لإنشاء الوكالة المصرية من أجل الشراكة والتنمية التى تقدم الكثير للشعوب الأفريقية من خلال توفير تبادل الخبرات عن طريق التدريب والمساعدات وغيرها من الأمور الأخرى، والتى كانت بمثابة الدبلوماسية الناعمة لإعادة نهج الرئيس عبدالناصر فى التعاون مع الدول الأفريقية باعتبار مصر جزءاً من تلك القارة السمراء.
وقال مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق، السفير كمال عبدالمتعال: «لو تتبعنا دور مصر فى أفريقيا خلال العقود الماضية سوف نجد أن الدور المصرى تميز بالاعتدال والعقلانية فى التصدى لمواجهة القضايا الأفريقية، ما يجعل مصر طرفاً مقبولاً كوسيط إقليمى من جانب العديد من أطراف النزاعات، ولا سيما فى وقت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والذى أسهم فى قيام العديد من الدول المستقلة داخل القارة الأفريقية وتحريرها من الاستعمار بعد ثورة يوليو 1952.
«عبدالمتعال»: الدور المصرى فى حقبة «ناصر» تميز بالاعتدال والعقلانية.. و«حجاج»: كانت لمصر شعبية كبيرة
وأوضح «عبدالمتعال» أن الرئيس الراحل ناصر كان يوصى دائماً بتنشيط الجهود الدبلوماسية المكثفة من قبل مصر لتهدئة الخلافات وحل العديد من النزاعات، منها أزمة النزاع بين موريتانيا والسنغال، ومشكلة النزاع بين تشاد وليبيا، مشيراً إلى أن هناك إجماعاً أفريقياً على الإشادة بفاعلية الدور المصرى تجاه القارة، وهى محصلة لتراكمات تاريخية لممارسات الدبلوماسية المصرية فى أفريقيا منذ أن بدأت ثورة 23 يوليو والتى وضعت أسس الاستراتيجية السياسية المصرية تجاه القارة انطلاقاً من حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية، واستهدافاً لتحقيق مصالح الأمن القومى المصرى. الأمر الذى أشار إليه أيضاً مساعد وزير الخارجية الأسبق عبدالمتعال هو أن مصر تدعم علاقتها بالدول الأفريقية دون التركيز على مصالحها فقط ولم تفعل ذلك فى الوقت الراهن من أجل الحفاظ على مياه النيل، ولكن دعم مصر للدول الأفريقية جاء انطلاقاً من دورها فى القارة، وأنها جزء من المنطقة الأفريقية ويجب عليها القيام بذلك. ولعل بزوغ حركات التحرر الوطنى فى القارة واحتدام الصراع بينهما وبين الاستعمار والعنصرية وأن هذه العوامل الدولية والإقليمية الجديدة كانت ماثلة بوضوح أمام عبدالناصر وهو ما حدد استراتيجية السياسة المصرية الخارجية فى مستهل الخمسينات واستهداف الرئيس الراحل ناصر خلال الفترة ما بين 1963، وحتى عام 1967 مساندة حركة التحرر الوطنى بكل وسيلة ممكنة، ما أسهم فى نيل العديد من الدول الأفريقية استقلالها، ممارسة دبلوماسية التنمية من خلال تقديم قروض ومساعدات مالية محدودة لبعض الدول الأفريقية منها غينيا ومالى، وكذا المساعدات الفنية، التصدى للنشاط الإسرائيلى فى القارة وقد قامت مصر بدور أساسى فى إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، وكان عبدالناصر حريصاً كل الحرص على الاشتراك فى كل مؤتمرات القمة الأفريقية منذ ذلك الحين وقوع العدوان الإسرائيلى عام 1967.
«حجازى»: «عبدالناصر» سعى لتأمين النطاق الجغرافى المحيط بمصر عربياً وأفريقياً عقب ثورة يوليو
وسعى الرئيس الراحل ناصر إلى توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية، وساعد ناصر تلك الدول فى الحصول على حريتها والتحرر من الاستعمار الأجنبى، فضلاً عن تقديم مساعدات اقتصادية لها، وتقديراً لجهود عبدالناصر ودعمه لتلك الدول، قررت غينيا إنشاء أول جامعة تحمل اسمه فى القارة الأفريقية، فضلاً عن قيام الكثير من الدول بتقدير الرئيس الراحل عبدالناصر من خلال إطلاق اسمه على العديد من الشوارع فى كثير من الدول الأفريقية. وقال رئيس الجمعية الأفريقية، السفير أحمد حجاج، إن مصر وقت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت لها شعبية كبيرة للغاية فى القارة الأفريقية حيث أسهمت مصر فى دعم قيام الدول المستقلة فى أفريقيا، حيث كان لا يوجد وقتها سوى دولتين أو أكثر، وباقى الدول كانت حركات تحرير استقلت عن الاستعمار وشكلت دولها.
وأوضح السفير أحمد حجاج أن الرئيس الراحل عبدالناصر كان يسير بشكل جيد فى أفريقيا وأن القيادة المصرية تعمل الآن بشكل جيد للغاية فى القارة السمراء، ولا يجب أن نمجد أو نهول من جهد الرؤساء السابقين، حيث الظروف تختلف فى كل وقت وفى كل مكان وكل حقبة لها ظروفها وتغيراتها. وأشار رئيس الجمعية الأفريقية إلى أن الكثير من الدول الأفريقية يقدرون جهد الرئيس الراحل عبدالناصر ولابد أن يأخذ ما يستحقه، ولكن الأهم أن مصر تسير بشكل جيد للغاية فى القارة الأفريقية، ولكن هناك بعض الأمور التى يجب الإشارة لها هو ضرورة العمل على توعية الشعب المصرى بأهمية الدول الأفريقية من خلال التعليم والدورات التدريبية والثقافة المصرية، فضلاً عن تعزيز فكرة الاحتفال بيوم أفريقيا ليكون احتفالاً شعبياً وليس دبلوماسياً فحسب.
وشدد السفير أحمد حجاج على أن التحرك المصرى فى أفريقيا جيد ولكن يحتاج لبعض التصحيحات، التى تتمثل فى تحسين الصورة الذهنية عن الأفارقة لدى الشعب المصرى، وأن يكون المصريون متواضعين، مشيراً إلى أن مصر تدرب الكثير من الصحفيين والضباط والأطباء الأفارقة من خلال الوكالة المصرية من أجل الشراكة والتنمية ومن خلال جهات أخرى من أجل المساهمة فى دعم وتعزيز الشعب الأفريقى.
من جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية، السفير محمد حجازى إن الرئيس الراحل عبدالناصر تبنى حركات التحرر الوطنى فى أفريقيا كأساس استراتيجى على أن تثبيت دعائم الثورة المصرية الوليدة فى بداية خمسينات القرن الماضى، والتى كانت تستلزم تأمين النطاق الجغرافى المحيط بمصر عربياً وأفريقياً فى المقام الأول، ثم آسيوياً ولاتينياً كذلك، بحيث يكون القضاء على الاستعمار مدخلاً لتأمين الثورة ومصر الوليدة من المخاطر التى تتهددها بفعل مؤامرات الاستعمار ووجوده على حدودها، وبحيث تكون الحالة الوطنية الاستقلالية هى السلاح الأمضى للقضاء على الاستعمار وأعوانه.
وأوضح السفير حجازى أنه بنفس النهج، فإن مصر بعد ثورة 30 يونيو وما حققته من مكاسب واستقرار داخلى وتصدٍّ للإرهاب، بدأت تتحرك باتجاه استعادة دور الدولة القومية فى محيطها العربى والإقليمى فساندت كلاً من سوريا وليبيا والعراق، وأسهمت فى أمن الخليج والاستقرار فى النطاق الاستراتيجى بشرق المتوسط وتعمل بفاعلية لتأمين محيطها الأفريقى من خلال سياسة واعية تضمنت كذلك الانفتاح شرقاً باتجاه الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية مع تثبيت صلاتها بدول أمريكا اللاتينية، إضافة لعلاقات متوازنة واستراتيجية مع كلٍ من القوى الكبرى وروسيا وأمريكا، بحيث تتمكن الدولة المصرية الحديثة من تحقيق أهدافها فى ظل تواصل خارجى واستقرار داخلى مطلوب لانطلاق مصر فى مساعى بناء الدولة الحديثة.