قصة الصراع على الحكم فى تاريخ المسلمين (4) .. محاولات «بنى عبدالمطلب» إدراك الأمر
تشير الرواية التى تحدثت عن موضوع الوصية التى أراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يمليها فى حضور المسلمين إلى أن خلافاً قد نشب ما بين طرفين: الطرف الأول منهما يتمثل فى صحابة النبى وعلى رأسهم عمر بن الخطاب الذى رفض تمكين النبى من ذلك لأنه فهم من سياق الموقف أن النبى قد غلب عليه الوجع، أما الطرف الثانى فيتمثل فى «أهل البيت» الذين غضبوا من موقف عمر فى هذا السياق وكانوا أميل إلى ترك النبى يكتب وصيته للأمة قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلى الرفيق الأعلى.
ويقدم الطبرى فى تاريخه هذه الواقعة بروايتين مختلفتين لم يحدد فيهما شهود الواقعة:
1 - «حدثنا أحمد بن حماد الدولابى قال حدثنا سفيان عن سليمان بن أبى مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس، قال: اشتد برسول الله وجعه فقال ائتونى أكتب كتابا لا تضلوا بعدى أبدا، فتنازعوا ولا ينبغى عند نبى أن يُتنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه! فذهبوا يعيدون عليه، فقال: دعونى، فما أنا فيه خير مما تدعوننى إليه».
2 - «حدثنا أبوكريب وصالح بن سمال قال حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، قال ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله: ائتونى باللوح والدواة أو بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال: فقالوا إن رسول الله يهجر».
تحاول هاتان الروايتان الاجتهاد فى التغطية على شخص من قال إن النبى (صلى الله عليه وسلم) «هجر» -أى دخل فى هذيان الموت- وإن كانت واضحة فى تأكيد ابن عباس الذى نص على أن من ذكروا ذلك هم من خارج أهل البيت، إذ استخدم وصف «قالوا» عند الحديث عن الرافضين لكتابة الوصية (فقالوا ما شأنه، أهجر؟)، والأرجح كما تؤكد روايات أخرى أن الذى وصف حال النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك اللحظة هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
ومن الواضح أن الموقف الذى طلب فيه النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يكتب كتابا للأمة لا تضل بعده أبدا قد وقع فى غياب كبار «بنى عبدالمطلب»، وخصوصاً على بن أبى طالب. والدليل على ذلك هاتان الروايتان اللتان وردتا فى تاريخ الطبرى عن ابن عباس:
1 - قال ابن عباس إن «على بن أبى طالب خرج من عند رسول الله فى وجعه الذى توفى فيه فقال الناس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبدالمطلب فقال: ألا ترى أنك بعد ثلاث عبد العصا، وإنى أرى رسول الله سيتوفى فى وجعه هذا، وإنى لأعرف وجوه بنى عبدالمطلب عند الموت، فاذهب إلى رسول الله فسله: فيمن يكون هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان فى غيرنا أمر به فأوصى بنا، قال على: والله لئن سألناها رسول الله فمُنعناها لا يعطيناها الناس أبدا، والله لا أسألها رسول الله أبدا».
2 - قال ابن عباس «خرج يومئذ -أى يوم وفاة النبى- على بن أبى طالب فقال له العباس: انطلق بنا إلى رسول الله، فإن كان هذا الأمر فينا علمنا، وإن كان فى غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس، وزاد فيه أيضا فتوفى رسول الله حين اشتد الضحى من ذلك اليوم».
طبقاً لهاتين الروايتين يتضح أن أياً من العباس أو على رضى الله عنهما لم يحضرا موقف الوصية، ربما يكونان قد علما فقط بما دار فيه، والدليل على ذلك أن «العباس» طلب -فى الروايتين- من «على» أن يدخل على النبى ليعرف منه عهده ووصيته. ويغلب على الرواية الأولى عدم المنطقية بسبب ما تحمله من تناقض بين الطلب الذى طلبه العباس من على والرد الذى أجاب به الأخير. فقد طلب العباس من على أن يسأل النبى فيمن يكون الأمر من بعده، فأجابه علىّ بأنه يرفض أن يطلب من النبى العهدة له بالأمر، لأنه لو طلب ذلك ورفض النبى فلن يعطيها لهم الناس بعد ذلك. وهل طلب العباس من علىّ أن يسأل النبى عهداً بالحكم حتى يجيب بهذه الإجابة؟! الرواية الثانية هى الأرجح فقد همّ علىّ بسؤال النبى، لكن أمر الله سبق.