الترميم يكسر لعنة "عبدة الشيطان".. "البارون" منتزه ثقافي بأمر "الآثار"
قصر البارون
تحفة معمارية شامخة بتصميم فريد في قلب مصر الجديدة، في واجهته تماثيل أسطورية، لا تغيب عنه الشمس طوال النهار، لا تستطيع العين تجاوزه، تحيطه مبانٍ حديثة تبدو للوهلة الأولى ضئيلة بالنسبة لسوره العالي وحديقته الضخمة التي تعاني من إهمال شديد، ونوافذه المحطمة جزئيًا، والطابع الأوروبي الذي يتخلله، يجذب الجميع لدخوله ومعرفة تفاصيل قصر البارون إدوارد إمبان، مؤسس مصر الجديدة.
لم تمحُ السنين آثار هذه التحفة المعمارية التي غطاها التراب، وشوهت جدرانها الداخلية بالتصدعات، ما دفع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إلى تكليف شركة المقاولون العرب بالتعاون مع وزارة الآثار، بأعمال تطوير وترميم قصر البارون، في يوليو الماضي، التي تفقدها اليوم، الدكتور خالد العناني وزير الآثار، حيث كشف عن أنه سيتم توفير مراكز خدمية ومطاعم و"كافيتريات" وتقديم عرض "الكالتشوراما" لإثراء زوارة بالمعلومات الأثرية والتاريخية عن قصر البارون وتراث مصر الجديدة، وخاصة لتوعية أهالي مصر الجديدة من خلال برامج تعريفية، طبقًا للمقترحات الخاصة بإتاحة القصر للزيارة، لاعتباره أنه ليس فقط مزارًا أثريًا سياحيًا وإنما تحويله إلى متنزه اجتماعي ثقافي يجذب الجميع له.
بني القصر منذ آلاف السنين، على مساحة تبلغ نحو 12.5 ألف متر، قابعًا في مكانه بشموخ وكبرياء، يُطل على شوارع "العروبة، وابن بطوطة، وابن جبير، وحسن صادق"، من جهاته الأربع، ورغم حالة الإهمال الشديدة التي يعاني منها القصر، فإنه ما زال صامد العقود، حاملًا ملامح الهيبة والرعب، لما أثير حوله من أقاويل وحوادث.
حارس واحد فقط يعمل على حماية القصر الضخم، ويمنع دخول الفضوليين، إضافة إلى عدد من حراس المباني المجاورة له، ولكن تحت ضغط "الإكرامية" يتجاوز الحارس عن زيارة بعض الشباب للقصر في مدة لا تزيد عن ساعة، عبر القفز من أقصر سور له في شارع ابن بطوطة، للتعرف على البناء الأثري من داخله ورؤية مقتنيات البارون، ولكنهم يكتشفون أنه فارغ تمامًا من الداخل سوى من التماثيل المخيفة الضخمة، وبعض الكتابات على الجدران، وتهتك الآخر منها نتيجة الإهمال لسنوات طويلة.
ورغم الإهمال الذي يضرب القصر، فإنه بات قبلة الكثير من الأعمال الفنية، حيث صورت فيه عدد من المشاهد، كانت بدايتها عندما دخله حسين فهمي والمطربة شادية لتصوير فيلم "الهارب"، ثم أغنية لمحمد الحلو، وآخرها فيلم "آسف على الإزعاج" للفنان أحمد حلمي ومنة شلبي، كما أقامت به شركة "فيليبس" الشهر الماضي حفلًا حضره وزير الثقافة، بعد تغيير نظام الإضاءة له.
"البارون إمبان" بلجيكي جاء إلى مصر عقب افتتاح قناة السويس، وقرر أن ينشئ بها "مدينة الشمس" أو "هليوبوليس" لشدة حبه وولعه بها، بعد أن اختار مكانها بعناية شديدة في الصحراء الغربية، في نهاية القرن الـ19، وجعل لنفسه به مكانًا مخصصًا شيده بعناية واهتمام خاص، ما دفع السلطان حسين كامل للاستيلاء عليه.
رفض "البارون" ترك القصر للسلطان حسين لكونه الوحيد في العالم الذي لا تغيب عنه الشمس طوال النهار، حيث شُيد برجه على قاعدة خرسانية على "رولمان بلي" تدير القصر بمن فيه ليرى الواقف في شرفته كل ما يدور حوله وهو في مكانه، حتى لا تغيب عنه الشمس.
صمم القصر "ألكسندر مارسيل" الفنان الفرنسي، حيث كان تصميمه شديد الجاذبية للبارون وخليطًا رائعًا بين فن العمارة الأوروبي وفن العمارة الهندي، واكتمل بنائه في العام 1911، مكون من طابقين وملحق صغير بالقرب منه تعلوه قبة كبيرة، وعلى جدرانه تماثيل مرمرية رائعة لراقصات من الهند وأفيال، لرفع النوافذ المرصعة بقطع صغيرة من الزجاج البلجيكي، وفرسان يحملون السيوف، وحيوانات أسطورية على جدرن القصر، والغرفة الوردية بالبدروم، والتي تفتح أبوابها على مدخل السرداب الطويل الممتد لكنيسة البازيليك التي دُفن فيها البارون بعد موته.
وبسبب إغلاقه المستمر، نسج الناس حوله الكثير من القصص الخيالية، ومنها أنه صار مأوى للشياطين ما دفع ورثته وزوجته وابنته لبيعه في العام 1955 إلى مستثمرين، أحدهما سوري والآخر سعودي، بمبلغ 7 آلاف جنيه، ولقد تمت محاولات عديدة لهدم القصر لتحويله إلى فندق عالمي.
وانتشرت الأقاويل بأن "قصر البارون" هو بيت حقيقي للرعب، تصدر منه أصوات نقل أساس القصر بين حجراته المختلفة في منتصف الليل، والأضواء التي تضيء فجأة في الساحة الخلفية للقصر وتنطفئ فجأة أيضًا، ما دفع جماعات من الشباب المصريين في منتصف عام 1997 إلى التسلل إلى القصر ليلًا، في حادثة شهيرة، وإقامة حفلات صاخبة، إذ كانوا يرقصون ويغنون على أنغام موسيقى "البلاك ميتال" الصاخبة، وألقت الشرطة المصرية القبض عليهم لتكون أول قضية من نوعها، وهي ما عرفت بقضية "عبدة الشيطان"، وهذا هو سبب الأساطير التي ترددت من قبل الجيران حول ما شاهدوه من أضواء ساطعة، وصخب وضجيج.