الحكومات مدينة بـ63 تريليون دولار.. وقروض الأفراد تصل إلى 44 تريليوناً
شينزو وكريستين
سجل إجمالى الدين العام فى العالم أعلى مستوى له على الإطلاق مسجلاً 233 تريليون دولار فى الربع الثالث من عام 2017، بزيادة قدرها 16 تريليون دولار على مستويات الديون فى نهاية عام 2016 وأكثر من ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد العالمى، وذلك وفقاً لتقديرات معهد التمويل الدولى «IIF».
تفاصيل التقرير الدورى تعيد التأكيد على حقيقة يعلمها كل المتابعين أن الجميع غارق فى الديون: حكومات وشركات وأفراد. ما يطرح أسئلة بديهية منها: من يقرض كل هذه الأموال؟ ومن اقترضها؟ وهل يهدد هذا الرقم القياسى باندلاع كارثة جديدة كما حدث فى عام 2007؟
بداية من اقترض الـ233 تريليون دولار؟ الإجابة وفقاً لتقرير «IIF»: الشركات غير المالية التى تصدرت الجهات المدينة بـ68 تريليون دولار، تليها حكومات العالم المختلفة بـ63 تريليون دولار، ثم المؤسسات المالية بـ58 تريليون دولار، وأخيراً الأفراد الذين يبلغ إجمالى ديونهم 44 تريليون دولار.
الشركات غير المالية مدينة بـ68 تريليون دولار.. وصندوق النقد الدولى يحذر: ارتفاع أسعار الفائدة يجعل سداد أعباء الديون أكثر صعوبة على الكثيرين
من أين جاءت كل هذا القروض؟ أو من هو الدائن؟ أبسط إجابة: «نحن» أو كل الناس، لأن الديون تأتى من البنوك، والبنوك هى من يحتكر جمع مدخرات الشعوب لتقوم بإقراضها لمن يرغب وتنطبق عليه الشروط مقابل سعر فائدة.
ماذا يعنى هذا المستوى من المديونية؟ وهل هناك ما يدعو للقلق؟
هذه الأسئلة أجاب عنها تقرير لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية جاء فيه: نظرياً لا توجد مشكلة فى زيادة الديون لأن ذلك يعنى أيضاً أن الثروة العالمية آخذة فى الارتفاع. وظيفة القرض هى السماح للمقترض بأن ينفق اليوم أكثر مما يسمح به دخله الحالى. وإذا استخدم المقترِض المال المقترَض لزيادة قدرته الإنتاجية المستقبلية -على سبيل المثال عن طريق إنفاقه على التعليم أو زيادة حجم شركة ما- تكون الديون مفيدة. أما إذا أساء المقترض توظيف القرض وأصبح غير قادر على السداد، فإنه يتعرض لكل أنواع المشاكل، ما يعنى أن الدين فى حد ذاته ليس بالضرورة شيئاً سلبياً بل إنه مفيد فى أحيان كثيرة، لكن المشكلة تظهر حين تفرط شركة أو شخص فى الاقتراض بأكثر من قدرته على السداد.
وتابع التقرير: نفس الشىء ينطبق على الحكومات، فالحكومات بشكل عام یمكن أن تجمع الأموال من خلال الضرائب وبالتالى تتحكم بشكل فعال فى دخلها، وغالباً ما تقترض بعملة تقوم هى بطباعتها، ما يعنى أنها تستطيع أن تضمن السداد للمقرضين، فى أسوأ الأحوال، عن طريق طباعة النقود. كما أن الحكومات ليس لها عمر محدد، مثل الأفراد، فدائماً هناك حكومة ما تلتزم بسداد أى قروض اقترضتها الحكومات السابقة وتلتزم الحكومات التالية بقروض الحكومة الحالية، ما يعنى أنه يمكن لأى حكومة أن تجدول ديونها إلى أجل غير مسمى، ولهذا قال الاقتصادى الشهير آدم سميث: «لم تسدد أبداً أى حكومة ديونها». لهذه الأسباب تتمكن الحكومات من الاقتراض بشروط أسهل بكثير من الأسر ومعظم الشركات، لكن كل هذا لا يمنع من تعثر الحكومات أحياناً فى سداد القروض التى أسرفت فى اقتراضها، خصوصاً فى دول العالم النامى عندما تكون إدارة البلد موكلة إلى مسئولين فاسدين أو قليلى الكفاءة.
«العنترى»: اليابان أكثر الدول استدانة لكن ديونها لا تمثل خطراً مثل مصر بسبب قوة اقتصادها.. و3 مؤشرات تحدد الاقتراض الآمن للدول أهمها القدرة على السداد.. والاقتراض ليس شراً وأحياناً كثيرة يكون مفيداً للأفراد والشركات والحكومات لتحقيق التنمية.. والمشكلة تبدأ عند الإفراط والعجز عن الوفاء
فهل الديون العالمية مفرطة اليوم؟
يحذر صندوق النقد الدولى من أنه إذا ارتفعت أسعار الفائدة فى جميع أنحاء العالم، فإن ذلك من شأنه أن يجعل سداد أعباء الديون أكثر صعوبة على كثيرين. وكتب الاقتصادى المعروف أدير تيرنر، كتاباً هاماً فى 2015، يسلط الضوء على الاعتماد الواضح لكثير من الاقتصادات على أكوام الديون المتزايدة باستمرار، الناتجة عن نظم مالية غير مستقرة، ما يهدد النمو.
مازالت البنوك العملاقة تمول ميزانياتها العمومية بدين كبير جداً، بدلاً من رأس المال، ما قد يعرضها لخطر تكرار الانهيار المالى العالمى عام 2008.ويتفق معظم الاقتصاديين أيضاً على أنه من غير المرغوب فيه أن تدعم النظم الضريبية الوطنية تمويل ديون الشركات بشكل فعال على حساب تمويل الأسهم (الأسهم وحصص الملكية المباشرة من قبَل المستثمرين) عن طريق جعل التمويل بالدين معفياً من الضرائب.
ويشعر العديد من الاقتصاديين، وفقاً لما أوردت «الإندبندنت»، بقلق خاصة إزاء الوضع فى الصين، بسبب تضخم قروض قطاع الشركات بشكل غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية. ويعتقد الكثيرون أن جزءاً كبيراً من هذه القروض قد أهدر، ويخاطر بأزمة مالية مزعزعة للاستقرار أو التصلب الطويل الأجل لثانى أكبر اقتصاد فى العالم، كما يراقب بنك إنجلترا عن كثب قروض ديون بطاقات الائتمان البريطانية والسيارات، خوفاً من أن تصبح العديد من الأسر عرضة للخطر فى حالة حدوث انكماش جديد.
الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلوى العنترى ترى أن حجم الدين العام فى المطلق ليس له معنى ودلالة واضحة دون معرفة تفاصيل أخرى مهمة أخرى، فمثلاً اليابان هى أكثر دول العالم استدانة وتبلغ نسبة دينها العام نحو 250% من الناتج المحلى الإجمالى، ولكن هذه النسبة الضخمة لا تمثل خطراً كبيراً عليها بقدر ما يمثله ارتفاع الديون لدول أخرى مثل مصر، والسبب هو قوة الاقتصاد اليابانى وامتلاكها احتياطات كبيرة جداً من النقد الأجنبى وأصولاً واستثمارات ضخمة فى الخارج، ثم إن مكون الدين الخارجى من إجمالى الدين العام لم يتجاوز فى بعض السنوات 7% فقط والباقى ديون محلية، ما يعنى أن المحصلة النهائية ليست بالغة الخطورة كما هو الحال لمصر التى يبلغ إجمالى دينها العام نحو 108% من الناتج المحلى الإجمالى. ولهذه الأسباب ترفض «العنترى» مقارنة مصر بالدول الكبيرة الغارقة فى الديون، وتقول: الولايات المتحدة مثلاً حالة استثنائية لأنها تعيش بالأساس على مدخرات الشعوب الأخرى ومعظم المكتتبين فى أذون الخزانة الأمريكية أجانب على رأسهم الصين. ومع ذلك فهى لا تشعر بالقلق لأنها قادرة فى أسوأ الأحوال على سداد التزاماتها بطباعة الدولار ولكنها لا تحتاج لهذا الخيار، الذى يترتب عليه تضخم، بسبب تدفق مدخرات الدول الأخرى بالدولار عليها. ماذا ستفعل دول الفائض مثل الصين واليابان وبعض دول الخليج باحتياطاتها؟ ستستثمر جزءاً منها بلا شك فى أذون وسندات الخزانة الأمريكية.
وتؤكد «العنترى» أن هناك 3 مؤشرات مهمة تحدد مدى قدرة الدولة على الاستدانة؛ أولها نسبة الدين الخارجى من إجمالى الدين العام وثانيها القدرة على سداد خدمة الدين من ايرادات الدولة، وثالثها القدرة على سداد التزامات الدين الخارجى بالنقد الأجنبى فى مواعيده. الدول تعيش وتتعايش مع القروض، وكل دول العالم تعانى من عجز تواجه بالاستدانة، وطالما أن هناك من يقبل إقراضها مع مراعاة الهدف من الاقتراض، فلا مانع أن تقترض دولة لتمويل مشروعات البنية التحتية طالما أن هذا سيساعد فى إنعاش حركة اقتصاد ويولد إيرادات تسدد الدين.
اقتصاديون يراقبون تضخم قروض بطاقات الائتمان فى بريطانيا ويخشون من فقاعة ديون الشركات الصينية التى سجلت مستويات غير مسبوقة منذ 2007
وتضيف: «المشكلة تبدأ فى الظهور حين لا تستطيع إيرادات الدولة الوفاء بخدمة الدين (القسط + الفوائد)، وفى هذه الحالة تضطر الدولة لتسديد الديون بديون.. والأخطر ألا تجد من يقرضك.. أو تجد من يقرضك ولكن بفوائد عالية جداً فوق طاقة هذه الدول على السداد.. وهذا ما حدث منذ عدة سنوات عندما زادت مديونية بعض الدول الأوروبية، ومنها إسبانيا البرتغال وأيرلندا وإيطاليا، بشكل لم تعد المؤسسات والدول المقرضة ترغب فى إقراضها. وطبعاً إذا عجزت الدولة عن السداد ستعلن إفلاسها وتتعرض لمتاعب لا حصر لها.
وفى الحالة المصرية، تقول «العنترى» إن «الوضع يدعو للقلق بسبب استسهال الحكومة للاقتراض، وإذا كانت الحكومة تتباهى بالتكلفة المنخفضة والآجال الطويلة، فالديون تظل عبئاً على الأجيال المقبلة».