مساعد «صندوق النقد» السابق: لا داعى للقلق من الديون.. والمؤسسات المالية العالمية لن تسمح بالانحراف حفاظاً على أموالها
الدكتور فخرى الفقى
قال مساعد صندوق النقد السابق، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة الدكتور فخرى الفقى، إن خطة الاستدانة من الخارج مدروسة وهدفها سد الفجوة التمويلية المقدرة بنحو 35 مليار دولار خلال فترة برنامج الإصلاح الاقتصادى وهى 3 سنوات، مشيراً إلى أن الحكومة لم يكن أمامها خيار آخر فى ظل معدلات ادخار تبلغ 13% فقط، وهى نسبة تكفى فقط لتحقيق معدل نمو سنوياً مقداره نحو 2% فيما نحن فى حاجة على الأقل لتحقيق 5% أى ضعف معدل النمو السكانى البالغ نحو 2.6%.. وإلى نص الحوار.
بداية هل هناك ما يدعوك للقلق من بلوغ الدين العام لأكثر من 105% من الناتج المحلى الإجمالى؟
- ليس هناك ما يدعو للقلق لأكثر من سبب، أولها وأبسطها أننا ننفذ برنامج إصلاح اقتصادى تحت إشراف أكبر مؤسسة مالية فى العالم وهى صندوق النقد الدولى، وهذا الصندوق ومعه باقى المؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولى لن تغامر بالسماح لنا بالانحراف عن المسار السليم دون اعتراض على الأقل من باب الحفاظ على أموالها التى أقرضتنا إياها، ولو كان هناك ما يدعو للقلق ما وافق الصندوق فى مراجعته الأخيرة التى تمت فى أكتوبر الماضى على منحنا شريحة إضافية من القرض، الأمر الثانى أن كل القروض التى حصلنا عليها حتى الآن مخطط لها مسبقاً لسد الفجوة التمويلية خلال مدة برنامج الإصلاح، وهى 3 سنوات بدأت من نوفمبر 2016.
«الفقى»: خطة الاستدانة مدروسة.. والحكومة لم يكن أمامها خيار أفضل
ما معنى الفجوة التمويلية؟
- الفجوة هى الفارق بين مدخراتك الهزيلة واستثماراتك الطموحة، فى أى بلد تتغذى الاستثمارات على المدخرات، فإذا كانت مدخراتك لا تكفى لتحقيق الاستثمار بالحجم الذى يساعدك على تحقيق نسب نمو مرضية تلجأ لبدائل أخرى منها الاقتراض الخارجى.
وما معدل الادخار المحلى؟
- الادخار فى أى بلد له 3 جهات، أولها القطاع المنزلى أو مدخرات الأفراد، وثانيها قطاع الأعمال، الخاص والعام، وهذان تبلغ مدخراتهما نحو 24% من الناتج المحلى الإجمالى، لكن المشكلة فى القطاع الثالث وهو الحكومة الذى تبلغ مدخراتها سالب 11%، ما يعنى أن إجمالى المتاح للحكومة نحو 13% فقط (24- 11= 13)، وهذه النسبة متواضعة جداً وتكفى فقط لتحقيق نسب نمو بنحو 2% سنوياً فيما أن معدل نمو السكان نحو 2.6%، أى سيكون معدل النمو بالسالب.
تقصد أن الحكومة لم يكن أمامها خيارات أخرى؟
- طبعاً لم يكن أمامها خيارات أفضل، لأن الوضع حين تولى الرئيس السيسى الرئاسة كان خطيراً جداً، ومن يشكون اليوم من ارتفاع الدين العام أذكرهم أن المؤسسات الدولية كانت ترفض إقراضنا لأن تصنيفنا الائتمانى كان فى العام 2014 ccc وهو ما يعنى أن نسبة المخاطرة عالية أمام المقرضين، وبالتالى إما يرفضون إقراضك أو يوافقون بفوائد تصل إلى 15%، هذا الأمر دفع الحكومة للتوسع فى الاقتراض المحلى من القطاع المصرفى، وجاء ذلك على هوى البنوك المحلية التى وصل معدل الفائدة على قروضها للحكومة لنحو 20% على الجنيه، لكن مؤسسات التصنيف الدولية انتبهت إلى هذا الأمر وحذرت البنوك من خطورة إقراض ودائع العملاء لحكومة مأزومة بأرقام كبيرة، ثم أعقبت التحذير بتخفيض تصنيف بنوك الأهلى ومصر والقاهرة وسى أى بى لمرة واحدة، ما اضطر هذه البنوك لاتباع معايير أكثر صرامة فى تعاملاتها مع الحكومة التى لم تعد قادرة على الاقتراض من الداخل أو الخارج بشروط مقبولة، هذه الأوضاع جعلت من الصعب البدء فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، وطبعاً برنامج الإصلاح له ثمن ومتطلبات وهذا ما بدأت فيه الحكومة بمجرد تولى الرئيس السيسى الحكم.
وما الثمن؟
- الإجراءات الجريئة التى اتخذها الرئيس لضبط أوضاعنا المالية المنفلتة بهدف طمأنة المجتمع الدولى لجديتنا فى الإصلاح ولتمهيد المناخ لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وهذا بدأ قبل توقيع البرنامج من خلال خطوات لخفض عجز الموازنة، منها رفع أسعار البنزين الأولى، أسعار الكهرباء وتحريك سعر العملة، كما حدث فى مارس 2016. هذه الإجراءات أثبتت للصندوق جديتنا لكنها لم تكن كافية لتحقيق الانضباط المأمول، وفى اجتماعات صندوق النقد الدولى فى أكتوبر 2016، قالت مديرة الصندوق كرستين لا جارد للوفد المصرى ما معناه إن «فلوس الصندوق على التربيزة» لو أثبتت الحكومة جديتها بتحرير سعر صرف الجنيه ورفع سعر الوقود مرة أخرى، وقد كان وتم تحرير سعر الجنيه فى 3 نوفمبر 2016 وخفضت الحكومة دعم الوقود للمرة الثانية فى نفس الفترة، وحصلنا على موافقة الصندوق على برنامج الإصلاح وقرض الـ12 مليار دولار فى 11 نوفمبر من نفس العام، بعدها مباشرة قفز تصنيفنا من ccc إلى b - مع نظرة مستقبلية مستقرة، ثم إيجابية، منذ ذلك الوقت بدأت المؤسسات الدولية تعرب عن رغبتها فى إقراضنا، وبدأت ملحمة الإصلاح.
أوضاعنا كانت خطيرة جداً عند وصول «السيسى» للسلطة والحكومة لم تكن قادرة على الاقتراض من الخارج أو الداخل
كم كان حجم الفجوة التمويلية عند بدء البرنامج وكيف تم حسابها؟
- قلت لك إن المدخرات المحلية عند نسبة 13% من الناتج المحلى الإجمالى تكفى فقط لتحقيق نسبة نمو تقدر بنحو 2% سنوياً أى أقل من معدل نمو السكان(2.6%)، ونحن نحتاج على الأقل لنسبة نمو قدرها 5% (ضعف النمو السكانى)، وحتى يتحقق هذا الرقم، نحتاج لاستثمارات تعادل 18% من الناتج المحلى الإجمالى، يتوفر لنا منها فقط 13%، كان علينا أن نوفر الـ5% المتبقية من الاقتراض الخارجى، وهذه الـ5% من الناتج الإجمالى فى 3 سنوات تعادل نحو 35 مليار دولار، وكل القروض التى سعت الحكومة للحصول عليها تأتى بهدف سد هذه الفجوة.
وماذا كان دور صندوق النقد فى سد الفجوة؟
- بداية وفر الصندوق لنا 12 مليار دولار، أى 4 أضعاف حصتنا لديه والبالغة 3 مليارات دولار، وهذه أقصى نسبة يمكن أن يقرضها الصندوق لأعضائه، وذلك بعد موافقته على برنامج الإصلاح الذى قدمته الحكومة له، وكانت هذه الموافقة مفتاحنا للحصول على القروض الأخرى التى حصلنا عليها بالفعل أو التى نسعى للحصول عليها، ومنها 3 مليارات دولار من البنك الدولى لسد عجز الموازنة و1.5 مليار دولار من البنك الأفريقى ومليار دولار من بنك الإعمار الأوروبى و3 مليارات دولار من برنامج مبادلة العملة مع الصين، والفائدة على كل هذه القروض عند نحو 1.75% فقط ولمدد تتراوح بين 20 و35 عاماً، وبعد أن وصلنا لأقصى ما يمكن أن نحصل عليه من هذه المؤسسات لجأنا إلى القروض التجارية وحصلنا على نحو 7 مليارات دولار فى يناير وأبريل الماضيين، بنسب فائدة تراوحت بين 6 و8.5% وتم تغطيتها 3 مرات، وهو ما لم يكن ممكناً قبل بدء البرنامج، وأنا أسأل هل تقترض الحكومة بهذه الشروط الميسرة أم تواصل الاقتراض المحلى بـ20%؟