المتعاطون: الأستروكس أرخص.. وبيعمل دماغ أقوى.. وبعدين إيه اللى مش ضار بالصحة!!
نبات مخدر الأستروكس
على بعد نحو 100 متر فقط من قسم شرطة إمبابة فى شمال الجيزة يلتقى الأخوان «إبراهيم. م» و«أحمد. م»، كل منهما يعمل على «توك توك»، يسلكان الطريق المؤدى إلى «رملة بولاق» حيث يفصلهما عن هذا المكان كوبرى إمبابة فقط الذى يجتازه الأخوان بمركبتيهما الصغيرتين كل يوم تقريباً ليذهبا إلى صديقهما الديلر «سيد. ع» ليشتريا منه مخدر «الفودو» أو «الأستروكس» الذى اعتادا على تعاطيه فى كل مساء «هرباً من ضغوط الحياة»، حسب قولهما.
«ما كناش نعرفها، دى حاجة جديدة بس بتنسينا مشاكل الدنيا وقرفها، وأهو أرخص شوية من الحشيش اللى ما بقيناش قادرين عليه، عمال يغلى كل يوم والواحد يوميته ما بتكفيش، واحنا بنضربش الأستروكس من فراغ، لكن عشان الحكايات اللى بنقابلها طول النهار ومشاكل البيت».. بهذه الكلمات يستهل «إبراهيم» البالغ 28 عاماً حديثه بعد أن التقينا به بالقرب من قسم شرطة إمبابة وأخذنا إلى إحدى حوارى «رملة بولاق» التى تطل على كورنيش النيل ليحصل على كيس من «الأستروكس» ثم ننتقل إلى منزل أحد أصدقائه المطل على الكوبرى الدائرى فى الوراق.
لم يأخذ الطريق كثيراً فقد سار «التوك توك» بسرعة على كورنيش يكاد يخلو من السيارات عند الساعة الثالثة فجراً، ليجرى «إبراهيم» اتصالاً بصديقه الذى يجلس فى انتظارنا ليخبره بحضورنا معه قائلاً: «ألو إيه يا صاحبى فيه حد جاى هايسهر معانا، هو قريبى من بعيد عادى هايقعد شوية ويتكل على الله، هو مالوش فى المجال بس بيقعد عادى يعنى... ماشى يا عمنا»، وبعد أن ينهى الشاب المكالمة بدقائق معدودة وصلنا بالقرب من الطريق الدائرى حيث تجتمع «الصحبة الحلوة».
سعر الكيس انخفض من 300 جنيه فى بداية ظهوره إلى 150 فقط بعد أن أصبح «مغشوشاً».. والتجار يخلطونه بأنواع مختلفة من الأقراص المخدرة
يجلس الأخوان إلى جوار أحد أصدقائهما ليخرج أحدهم كيس الأستروكس، وهو عبارة عن مادة عشبية خضراء اللون، ويقول واحد من الحاضرين اسمه «سيد» 27 عاماً: «الكيس ده خدناه بـ150 جنيه مع إنه كان عايز يقفش 200 جنيه»، يحضر صاحب المنزل لوحاً خشبياً مستطيلاً ويقوم ببعثرة بعض تبغ السجائر ويخلطها بكمية من مادة «الأستروكس» المخدرة، ويقول صاحب المنزل «ف. ك» إن «الأستروكس» لا يحتاج إلى الكثير من التبغ مثل الحشيش، فالهدف هنا من التبغ هو الاشتعال فقط، ويوجه الشاب حديثه للأخوين قائلاً: «الكيس ده هايعمل بتاع 6 سجاير حلوين» ليتجاوبا معه قائلين: «تمام زى الفل»، وينتهى الشاب من لف 5 سجائر فقط حتى انتهى كيس الأستروكس الذى أحضروه، لكنه أبعد اللفافات إلى أريكة داخل الغرفة لانتظار صديقين آخريّن كانا فى الطريق إلى المنزل لقضاء السهرة معاً.
فيما تداول الجميع النقاشات حول أحد أصدقائهم المقبوض عليه فى حادث سرقة بالإكراه وقعت فى منطقة المعادى، وما إن مضت نحو نصف ساعة فقط حتى حضر شابان صغيران، أحدهما يعمل سائق ميكروباص والآخر «نقاش» تصافح الجميع وأحضر صاحب المنزل الطاولة وعليها السجائر الملفوفة بمادة «الأستروكس» بينما جلب «النقاش» معه سيجارة حشيش واحدة كانت بحوزته، لتبدأ سهرة المخدرات العامرة.
بدأ «إبراهيم» بتدخين سيجارة الحشيش التى تناوب عليها الجميع حتى انتهت، ثم أخرج إحدى لفافات السجائر المحشوة بمادة الأستروكس ليقوم بتدخينها، ويتناوبها مع صاحب المنزل وسائق الميكروباص إلا أن سرعان ما أصيب «إبراهيم» باحمرار شديد فى الوجه حتى بدا أن أحداً يخنقه، ليضحك عليه «النقاش» قائلاً: «بالراحة يا عمنا انت رايح فين»، لكنه لم يتجاوب معه أو يسمعه، حيث بدا أنه فقد القدرة على السمع أو الكلام، ويداه لم تتوقفا عن الرعشة، تبعه فى هذه الحالة صديقاه، إلا أن صاحب المنزل كان أقل حدة فى الأعراض المصاحبة لتناول «الأستروكس».
ويشير «سيد» شقيق «إبراهيم» إلى أنه يفضل «الحشيش» عن «الأستروكس» لكن انخفاض سعر الأخير دفعه إلى تناوله عوضاً عن «الحشيش» الذى ارتفع سعره وأصبح التجار يستغلون المتعاطين ويرفعون سعر «صباع الحشيش» ويصغرون من حجمه، قائلاً: «الكيس اللى جبناه ده يبهدلنا كلنا إنما لو جبنا حتة حشيش بـ150 جنيه هانخلصه واحنا قاعدين وهانبقى عايزين تانى».
شاب: «إحنا بنشرب ليه.. ما هو عشان نهرب من الهم والقرف اللى إحنا فيه طول النهار».. و«إبراهيم»: الحشيش بيغلى كل يوم ومبقيناش قادرين عليه.. و«أشرف»: 3 أنفاس بس يخلوك مش فى وعيك.. و«محمد»: بحس إن لسانى تقيل وبتحصل لى تشنجات ولما بفوق مابفتكرش حاجة.. و«أحمد»: أدمنته من أول مرة وأصبحت أتعاطاه ليلاً ونهاراً.. وبكتشف إنى عملت حاجات من غير ما أحس ممكن أندم عليها
سألناه عن سبب لجوئه إلى تعاطى هذا المخدر رغم علمه بضرره، فقال: «يا باشا هو فيه حاجة مش مضرة اليومين دول، ما أى أكل بناكله فيه ضرر والدخان اللى بنشمه على الطريق طول اليوم ده، ما جاتش على السيجارتين اللى هانشربهم آخر الليل، أُمال احنا بنشقى ليه؟ ما هو عشان نشرب ونهرب من الهم والقرف اللى احنا فيه»، وأضاف أن المشاكل الأسرية هى التى دفعته إلى تعاطى المخدرات حيث كان شقيقه «إبراهيم» فى الحبس بتهمة سرقة، وكان هو يعول الأسرة المكونة من أم و3 بنات لكن والدته كانت تنهره باستمرار ورفضت الذهاب معه لخطبته لأن شقيقاته لم يتزوجن بعد، كما أنها اشترطت عليه أن يزوج البنات أولاً ثم يتزوج هو، معلقاً: «من كتر الخناقات اللى عملتها معاها خليتنى أطفش من البيت، وبقى خالى هو اللى ييجى يشقر عليهم ويرعاهم، وأنا شربت مخدرات كتير، كل البرشام اللى فى خيالك ضربته، بس بعد ما رجعت البيت وبقيت أتخانق بقيت بضرب اللى فى البيت كلهم إخواتى البنات وأمى»، يصمت قليلاً بوجهه العبوس ثم يعاود قائلاً: «والنبى يا عمنا سك السيرة دى، خلينا فى القعدة أحسن».
ونعود لنسأله عن الفرق بين مخدرى «الفودو» و«الأستروكس» يقول: «هما الاتنين حاجة واحدة، فيه ناس تقول عليه فودو وناس تقول أستروكس، كان الأول بقى أيام ما كان غالى كان فى حاجة اسمها فودو ولونه أخضر، والأستروكس لونه أبيض شوية، بس دلوقتى بقى كله زى بعضه بعد ما التجار بقوا يصنعوه هنا»، يقاطعه النقاش الذى كان يدعى «ريشة» قائلاً: «بص يا باشا موضوع الأستروكس ده بدأ ييجى من سنتين تلاتة، وكان الأول الناس العيال بتوع الجامعة اللى معاها فلوس حلوة، إنما دلوقتى كله بيشربه بعد ما بقى يتصنع هنا والدنيا بقت حلوة يعنى، والتجار بيخلطوا عليه كل برشام الجدول ولا فارق معاهم»، وأوضح أن ارتفاع سعر الحشيش دفع الكثيرين إلى اللجوء لهذا المخدر، حيث إن «كيس الحشيش» كان سعره قبل سنوات قليلة 2.5 ألف جنيه، لكنه الآن أصبح ثمنه 6 آلاف جنيه، معلقاً: «كيس الحشيش بيسموها طربة حشيش هى بتبقى 14 سم طول فى 7 عرض مثلاً والتخانة أو السمك، يعنى ساعات بتختلف حسب التاجر أو الوجبة، بس هو بيبقى فى سمك صباعك كدة، بس الأستروكس حاجة كده يعتبر بيعمل مفعول البودرة لكن المدة بتاعته قصيرة».
وتنتهى الجلسة لنغادر المكان بعد أن اندمج الجميع فى شرب سيجارة أخرى ليواصلوا حالة من التشنج والاختناق المؤقت.
وعلى بعد نحو 8 كيلومترات فقط من الطريق الدائرى فى الوراق يجتمع مجموعة من الشباب فى ميدان الحكمة بمنطقة المهندسين بجوار سفارة دولة مالى، وهو من أكثر الأماكن لتعاطى المخدرات داخل السيارات وخلفها نظراً لهدوء المنطقة المحيطة.
«فى ثوانى تلاقى هلاوس سمعية وضيق فى التنفس ممكن بعدها الواحد يموت لو كترت من الأستروكس»، بهذه الكلمات وصف «محمد. م» 20 عاماً بدايته مع «الأستروكس»، لافتاً إلى أنه من أحد مدمنى مخدر الأستروكس ويسكن بجوار منطقة الحكمة، وأنه كان يتعاطى هذا المخدر وهو طالب بالدبلومة الأمريكية وبدأت قصته فى تعاطى المخدرات مع «الحشيش» حتى عرض عليه أحد أصدقائه مخدر «الأستروكس» وظل مدمناً له حتى أصبح الآن فى كلية هندسة وما زال يرسب فيها طوال السنوات الثلاث الماضية، وأضاف «محمد» أن سعر «الأستروكس» فى بداية ظهوره كان «الكيس» يصل إلى 300 جنيه، ولكن الآن أصبح سعره أرخص كثيراً من قبل ووصل إلى 150 جنيهاً، لأنه صار «مغشوشاً» وليس أصلياً كما كان فى السابق.
وعن تأثير «الأستروكس» يقول «محمد»: «بحس إن لسانى تقيل وبعدها تشنجات ولكن بعد ما بفوق ما بفتكرش حاجة ولا الوقت اللى فات»، مشيراً إلى أن المكان المعتاد للتعاطى هو «ميدان الحكمة، وأنه تعاطى «الأستروكس» فقط للشعور بالفضول حتى أدمنه وأصبح عنده مثل السجائر، موضحاً أنه يعرف شابين علاقته بهما كانت لشراء الأستروكس، وأدى هذا المخدر إلى وفاتهما فى أحد شوارع العجوزة وتركهما أصدقاؤهما فى الشارع ميتين.
أما «أشرف. س» 25 عاماً، فيقول إن «حب الاستطلاع خلانى أجرب وأول مرة حسيت بتشنجات، وإنى مش فاكر أى حاجة، و3 أنفاس بس من الأستروكس كفيلين يخلوك مش فى وعيك»، موضحاً أن البداية كانت مع شباب «ولاد ناس» كانت بتبيعه ثم أصبح متداولاً لكل التجار، مشيراً إلى أنه مدمن منذ سنتين وكانت أول تجربة له كانت فى ميدان الحكمة فى المهندسين، لافتاً إلى أن هناك مادة جديدة اسمها «فلاجا» تحوّل الشخص وتجعله مثل «الزومبى»، قائلاً: «هناك إثيوبى ضُبط فى التجمع كان يحاول أن يعتدى على أحد المارة ويمص دماءه وكان متعاطياً هذه المادة»، حسب قوله، ويؤكد «أحمد. ص» 27 عاماً، أنه منذ أول تجربة له مع «الأستروكس» وأصبح يتعاطاه ليلاً ونهاراً، وأنه متوفر ومنتشر فى المناطق الراقية والعشوائية، معلقاً: «أنا أما بشربه ببقى فى عالم تانى، الكيف بيذل، لأنك لما بتفوق بتكتشف إنك عملت حاجات من غير ما تحس وتندم عليها»، مشيراً إلى أنهم يصورون بعضهم بالمحمول خلال تعاطيهم المخدر لأنهم بعد أن يفيقوا يكونون غير متذكرين ما جرى وما فعلوه.