ملحمة بين المسلمين والأقباط لإنقاذ كنيسة «العذراء» من حريق فى المنيا
عدد من المسلمون المصابون فى إخماد الحريق
ملحمة حقيقية سطّرها أهالى قرية فى المنيا، مسلمين ومسيحيين، ضربت أروع معانى الوحدة الوطنية، إثر اندلاع حريق مدمر بكنيسة السيدة العذراء بقرية الناصرية شمال المحافظة، ليلة أمس، حيث لم يقف المسلمون مكتوفى الأيدى، بل هرولوا تجاه الكنيسة نساء وأطفالاً وصبية، ليشاركوا إخوانهم المسيحيين فى إخماد النيران قبل أن تصل قوات الحماية المدنية.
محمد رجب محمد، 19 عاماً، عامل بورشة حدادة، رغم معاناته من كسر فى الذراع اليسرى، لم يتردد فى الهرولة تجاه الكنيسة إثر مشاهدته دخاناً كثيفاً، فتجاسر على المساعدة فى إطفاء النيران، ما تسبب فى كسر الجبس الملفوف على ذراعه إثر تعرُّضه للمياه، إلا أنه لم يتوقف عن المساعدة: «المياه أفسدت الجبيرة الجبس على ذراعى ولم أهتم لأن كل همى كان إخماد النيران، فالأقباط هنا لو وجدوا حريقاً بمسجد لن يقفوا مكتوفى الأيدى»، وأضاف: «شاهدت ألسنة اللهب تتصاعد بكثافة من فوق سطح الكنيسة فهرولنا جميعاً إلى هناك، ووجدنا نيراناً كثيفة تحاصر صحن الكنيسة، فصعدنا إلى سقفها الخشبى وقمنا بنزع القطع الخشبية وإلقائها بعيداً»، مشيراً إلى أن صاحب الورشة طلب منه حراستها أثناء مشاركته فى إخماد النيران إلا أنه رفض وأصر على المشاركة.
«الكنيسة زى الجامع»، قالها محمود بدر شلش، 33 عاماً، حدّاد، من أهالى قرية الناصرية ليعبّر عن الكيان الجامع بين المسلمين والأقباط دون تمييز. وقال عبدالرحمن عبدالله، 41 عاماً: «تمكنّا من إخماد الحريق بالمحبة والترابط فيما بيننا، وساعد الجميع سيارات المطافئ فى الوصول بسرعة إلى الكنيسة»، فيما أوضح محمود شعبان عبدالرحمن، 18 عاماً، أحد المصابين، أن 6 أفراد من المسلمين أصيبوا بإصابات مختلفة جرّاء مشاركتهم فى إخماد النيران، وتابع: «تسلقت وقفزت من نافذة الكنيسة، رغم أننى أعانى من آلام الغضروف ثم أحضرت جركن مياه وقمت بسكبه على الهيكل الداخلى، ووجدت كراسى تحترق فقمت بإلقائها فى الخارج حتى لا تزيد النيران». وأشار إلى أنه وجّه شقيقه إلى فصل التيار الكهربائى عن المبنى، ثم قام بتوصيل خرطوم مياه ووجّهه تجاه النيران، وخلال انشغاله فى السيطرة على النيران اخترق مسمار ساخن ذراعه، وتم نقله إلى المستشفى للعلاج وأصر الأطباء على إجراء فحوصات للاطمئنان على ظهره بعد علمهم بإصابته بالغضروف، ثم عاد متوجهاً لمنزله ونصحه الطبيب بالتزام الفراش والراحة التامة، وعندما وصل للمنزل وجد عشرات من أصدقائه الأقباط فى انتظار عودته.
«محمود» أصر على المشاركة رغم إصابته بالغضروف.. وكاهن «الناصرية»: بطولة أشقائنا المسلمين هوّنت علينا فاجعة الحريق
محمد شعبان، 22 عاماً، شقيق محمود، وأحد المصابين، أكد أنه قام بفصل التيار الكهربائى بناء على توجيه شقيقه المصاب فى الحريق، حيث تسلل إلى داخل الكنيسة من سطح منزل ملاصق لها وتمكن من الوصول للوحة الكهرباء رغم كثافة الدخان، ونجح فى فصل التيار الكهربائى.
ووصف القمص يعقوب وليم، كاهن كنيسة السيدة العذراء مريم بقرية الناصرية، ما فعله المسلمون لإخماد الحريق بالكنيسة بالملحمة الحقيقية والعمل البطولى، وقال إن «كل مسيحى فى القرية نسى تلك الفاجعة، رغم شدة الحزن، بسبب موقف إخوانهم المسلمين الذين أخمدوا حريق الكنيسة، وسيطروا على ألسنة اللهب قبل وصول سيارات المطافئ التى حضرت بصعوبة بالغة لضيق شوارع القرية».
وأضاف الكاهن: «لا يستطيع أحد أن يميز بين مسيحى ومسلم فى الناصرية، فالمصابون فى الحادث 6 من المسلمين و4 من المسيحيين، وهو ما يؤكد أن وجود إخوتنا المسلمين بجوارنا هوّن تلك الفاجعة، وجسّد معنى كلمة الوحدة واللحمة الوطنية، وأكد أن المحبة وتعانق الهلال مع الصليب ليس بشعارات، بل كان رد الفعل العملى خير شاهد على الحب والأخوة والترابط، الذى يجمع بيننا فى قرية الناصرية».