صنّاع السينما: الشباب والمستقلون أكثر المستفيدين من الشبكات الإلكترونية
يسري نصر الله
«لا أتصور أن تمنح لجنة جائزة السعفة الذهبية أو أى جائزة أخرى لفيلم لن يُعرض فى الصالات للجمهور تجارياً»، جملة عكست وجهة نظر المخرج الإسبانى بيدرو ألمودوفار تجاه «نتفليكس» والمواقع المشابهة، وذلك أثناء رئاسته للجنة تحكيم الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائى، الذى شاركت فيه «نتفليكس» بفيلمين. مشاركة «نتفليكس» فى الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائى دفعت إدارة المهرجان إلى إصدار بيان أعلنت فيه عن أنهم سيشترطون بدءاً من الدورة المقبلة على أى فيلم يشترك فى المسابقة تحديد موعد لعرضه تجارياً.
وأثار توسع أنشطة «نتفليكس» نقاشاً بين صنّاع السينما حول مدى قدرتها على تحقيق طفرة فى عالم صناعة الأفلام السينمائية، فالبعض منهم يرى أن السياسة التى تتبعها ستؤدى إلى ازدهار الإنتاج السينمائى، وستفتح الباب أمام الجمهور لمشاهدة الأفلام التى تُعرض فى المهرجانات السينمائية حول العالم، كما ستمنح شباب المخرجين فرصة ونافذة لنشر إبداعاتهم، وكل ذلك مقابل مخالفة تعاليم السينما منذ ظهورها فى أن تكون دار العرض السينمائى هى المكان الأول والأهم لمشاهدة الفيلم، ووسيلة التلقى الكلاسيكية التى لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها، كما قال «ألمودوفار» معبراً عن وجهة نظر عدد كبير من المخرجين السينمائيين، إنه ليس ضد التكنولوجيا، ولكن يجب حماية السينما، وتعليم الأجيال الجديدة قيمة الشاشة الكبيرة.
«سيف»: لا يمكن أن ندير ظهرنا للتقدم وعلينا مواكبة التكنولوجيا.. ومن المحتمل أن تحقق انتعاشاً فى السينما المصرية
ويرى المخرج يسرى نصرالله أن «نتفليكس تصنع لنفسها علامة فارقة من خلال الاعتماد على مخرجين كبار، ولكن اهتمامها الأساسى منصب على المسلسلات أكثر من الأفلام»، مضيفاً: «نتفليكس تنتج مسلسلات رائعة، تحمل توقيع مخرجين كبار مثل ديفيد فينشر الذى قدم مسلسلاً قوياً على شبكتها، بالإضافة إلى أسماء أخرى مثل ديفيد لينش وجين كامبيون، قدمت أعمالاً لشبكات أخرى، وحتى الآن نحن لا نستطيع الخروج من كابوس الـ30 حلقة وموسم رمضان، وهذا يؤكد أن هناك شيئاً يحدث فيما يتعلق بطرق المشاهدة، حيث بدأت تتغير مع وجود الوسائل الرقمية ذات الجودة العالية المتاحة، وبالتالى لا نستطيع الوقوف ضد هذا الأمر، على الرغم من أننى آخر شخص قد يفضل فكرة عرض الأفلام على شاشة التليفزيون أو على الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، فالمشاهدة على شاشة السينما شىء ضخم ومهم، ويخلق مجالاً عاماً وحالة من النقاش بين المشاهدين بعد انتهاء العرض، فهناك اتجاه عام حول عزل الناس عن بعضها».
وأضاف «نصرالله» لـ«الوطن»: «الوضع فى مصر مهيأ تماماً من ناحية المتفرج لتقبُّل تلك الآلية التى تتبعها (نتفليكس) وغيرها من المنصات المشابهة، فالآن تقل نسبة رواد دور العرض السينمائى، مقابل تحميل الأفلام من الإنترنت، فالبعض يفضل ذلك عن مشوار الذهاب إلى السينما والمبلغ الذى يدفعه فى مشاهدة فيلم واحد، مقابل مبلغ الاشتراك فى (نتفليكس)، الذى يتيح لهم مشاهدة أفلام ومسلسلات حصرية دون رقابة».
«نصرالله»: اهتمامها الرئيسى منصب على المسلسلات.. والجمهور المصرى أصبح مهيأ لها.. «رمسيس»: ابتلعت السوق الإعلامية.. ونظامها الحصرى يُخفى معيار نجاح الأفلام المتمثل فى الإيرادات.. و«على»: العرض على «الإنترنت» يلغى المشاهدة الجماعية.. والبعض يستعملها كـ«سبوبة» لعرض أعمال «رخيصة»
وأشار «نصرالله» إلى أنه قد يخوض تجربة مشابهة بمسلسل درامى، موضحاً: «لن أستطيع إخراج فيلم دون طرحه فى دور العرض، وسوف أبحث دائماً عن طريقة لعرضه، ولكن قد أخوض التجربة عبر مسلسل من 8 أو 12 حلقة، حيث إن مساحة التجريب والحرية فى السرد به واسعة».
وقال المخرج أمير رمسيس، إن هناك محاولات لاستيعاب التغير الذى يحدث على الساحة الفنية فى الآونة الأخيرة، وما تبعه من ظهور منصات مستحدثة للصناعة الترفيهية مثل «نتفليكس»، التى ابتلعت سوق الميديا بشكل كبير، متابعاً: «ما حدث أمر طبيعى ومتوقع وكان يُعتبر هو المستقبل فى وقت من الأوقات، أنا شخصياً تحولت إلى مدمن لأعمال الشبكة فى السنوات الثلاث الماضية، مع إنتاجهم للمسلسلات بشكل أكثر ثراءً من إنتاج القنوات التليفزيونية، ولكن لا يزال لدىّ تحفظ فيما يتعلق بفكرة عرض الأفلام، من الجيد أن تكون هناك منصة مهتمة بإنتاج الأفلام لعرضها حصرياً قبل طرحها فى الفضائيات، ولكن المكان الطبيعى لعرض العمل هو دار العرض السينمائى، باعتباره جزءاً من رحلة الفيلم المنطقية».
وأكمل: «من الطبيعى أن منظومة نتفليكس الإنتاجية تقوم على عرض الأفلام حصرياً على شبكتها، ولكن هذا الأمر ينتقص من الفيلم، ويُخفى أحد معايير قياس نجاح الفيلم وهو الإيرادات، ويجعله مجرد عمل موجود على كتالوج ضمن مئات الأفلام الأخرى، حتى نسب مشاهدة الفيلم على الإنترنت لا تمثل أى شىء، فهناك معضلة فى الأمر، فضلاً عن الإشكالية التى حدثت فى الدورة الماضية من مهرجان كان السينمائى بسبب الأفلام التى شاركت فى مسابقته الرسمية من إنتاج شبكة (نتفليكس)، منها (Okja)، حيث كانت تحمل أفيشات الفيلم موعد طرحه على الشبكة بعد المهرجان بشهر، ما أثار أزمة حينها لأن كل المحطات التليفزيونية تنتج أفلاماً تليفزيونية لا يُنظر لها فى مهرجانات مثل (كان)، وبالتالى كان هناك تساؤل: لماذا فضلت إدارة المهرجان الشبكة عن المحطات الأخرى، لذلك قررت عدم مشاركة أى فيلم إلا إذا كان محدداً له موعد طرح تجارى فى دور العرض، فهناك إشكاليات لوجستية كثيرة فيما يتعلق بهذا الموضوع».
وشدد على أن تلك المنصات والشبكات قدمت أعمالاً أكثر غزارة وعمقاً على مستوى المحتوى، متابعاً: «ما زال من المبكر التفكير فى إنتاج (نتفليكس) لأفلام مصرية، فقاعدتها الجماهيرية هنا أقل من أن يتم تخصيص ميزانية فيلم خصيصاً لها، لأن فى النهاية هذه المسألة مالية بحتة».
ومن جانبه، قال المخرج مجدى أحمد على، إن عدد مشاهدى الأفلام على «الإنترنت» فى ازدياد، وأصبحوا «جمهوراً معتبراً»، مضيفاً: «الأفلام بشكل أو بآخر تتعرض للقرصنة وتُعرض على الإنترنت، فهذه من تداعيات الفوضى الناتجة عن العولمة، فلا يوجد تنسيق من المؤسسات، وفكرة العرض على الإنترنت ستلغى شيئاً مهماً، وهو المشاهدة الجماعية التى تخلق حالة بين المتفرجين فى السينمات فى قاعات مظلمة، وهو أمر مختلف عن المشاهدة المفردة على أجهزة مختلفة الحجم، وفى الغالب صغيرة لا تتوافر فيها متعة المشاهدة».
وأضاف «على» لـ«الوطن»: «أعتقد أن تنفيذ تلك الفكرة فى ظل عدم وجود مؤسسات تنظم العلاقة بين الوسائط سيكون (سبوبة) للبعض لتقديم أفلام رخيصة مع غياب الرقابة، وقد تكون وسيلة للمخرجين الشباب فى أن تكون نافذة لعرض أفلامهم التى لا يستطيعون توزيعها فى دور العرض، فصنّاع السينما الشباب سيكونون الأكثر استفادة من هذا الأمر، وأعتقد أن انتشار تلك المواقع فى مصر سيكون أسهل وأسرع من انتشارها فى الخارج».
وقال المخرج سمير سيف إن السينما دخلت مرحلة جديدة، فنجوم هوليوود ومخرجوها الكبار أصبحوا جزءاً من تلك التجربة بمشاركتهم فيها، مردفاً: «التفسير الوحيد لمشاركة صنّاع السينما الأمريكية فى تلك التجربة هو حصولهم على عائد مادى جيد، وهى فكرة قابلة للتطبيق فى مصر، طريقة العرض السينمائى تواجه تغيرات فى طريقة عرضها منذ ظهور الفيديو، والآن تواجه الأمر نفسه مع الإنترنت، الفيلم كمنتج لن يتغير ولكن الاختلاف الوحيد فى طريقة استقباله وتسويقه». وتابع «سيف» لـ«الوطن»: «قد يحقق هذا النوع من الإنتاج انتعاشاً فى السينما حال تطبيقه فى مصر، وسيستفيد منه بشكل خاص صنّاع السينما المستقلة والشباب، حيث سيستطيعون عرض أفلامهم والتفاعل مع الجمهور والمشاهدين بشكل أوسع، بالإضافة إلى الحصول على مساحة من الحرية فيما يتعلق بالتجريب دون اشتراطات السوق التجارية المعتادة».
وفيما يتعلق بمدى اقتناعه بالفكرة التى تقوم عليها «نتفليكس»، قال: «لا يمكن أن ندير ظهرنا للتقدم، مثل الفيلم النيجاتيف اختفى حالياً، وأصبح (الديجيتال) هو المسيطر، وبالتالى يجب أن نواكب التطور التكنولوجى ونستفيد منه».