الأقباط يلجأون لـ«تغيير الملة» للطلاق بعد تعثر «الأحوال الشخصية الموحد»
صورة أرشيفية
عادت تجارة «شهادات تغيير الملة» بين الأقباط فى مصر، للرواج من جديد، بهدف الحصول على الطلاق والزواج الثانى، بعد تعثر إصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين فى مصر وتوقف اجتماعات الكنائس للاتفاق على بنود القانون الذى عُقدت من أجله العديد من الاجتماعات خلال السنوات الماضية، بعد أن تلقى هذا الملف دفعة قوية من الرئيس السيسى، عندما طالب فى نهاية 2014 لجنة الإصلاح التشريعى التى تم تشكيلها آنذاك، بالنظر فى هذا القانون الذى كانت تطالب به الكنائس فى مصر منذ عام 1979، وقدمت من أجله العديد من المشروعات، ولم ير النور.
وحصلت «الوطن» على عدد من «شهادات تغيير الملة»، المنسوب صدورها إلى مطرانية صور وصيدا وتوابعها للروم الأرثوذكس، وبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، ومجمع كنائس «النعمة والحق» للأقباط الإنجيليين فى مصر.
وحملت شهادة تغيير الملة للروم الأرثوذكس توقيع المطران «إلياس كفورى متروبوليت مطرانية صيدا وصور»، وأكد خلالها «كفورى» أن تلك الشهادة تتيح لصاحبها ممارسة طقوس طائفة الروم الأرثوذكس فى أى كنيسة تتبع الطائفة بمصر وكافة بلدان العالم، فيما حملت شهادة الانضمام لطائفة السريان الأرثوذكس بالقاهرة توقيع المطران تيموثاوس متى الخورى، النائب البطريركى للسريان الأرثوذكس، وتوقيع الممثل القانونى للطائفة فى مصر، إلياس إبراهيم إلياس، ونصت على أن بطريركية السريان الأرثوذكس وكنيسة السيدة العذراء مريم للسريان الأرثوذكس، الواقعة فى غمرة بالقاهرة، تشهد بانضمام صاحب الشهادة للطائفة.
«الإنجيلية والروم والسريان» يفتحون الباب أمام الراغبين مقابل تبرعات.. و«الحق فى الحياة»: بيزنس الشهادات يبدأ من 6 آلاف حتى 72 ألف جنيه
وحملت شهادة تغيير الملة من الكنيسة الإنجيلية توقيع الأسقف نبيل معوض فرج، رئيس مجمع كنائس النعمة والحق، ونصت على الموافقة على إعطاء المتقدم للشهادة رقم عضوية بالكنيسة، بعد الإقرار بتركه الطائفة الأرثوذكسية التى كان ينتمى إليها.
وكانت الكنائس المصرية عقدت لقاءات مشتركة منذ 2014 للتوصل لقانون موحد للأحوال الشخصية لتقديمه للحكومة لترفعه بدورها إلى البرلمان لإقراره، طبقاً لنص المادة الثالثة من الدستور التى تعطى الأقباط الحق فى الاحتكام لشرائعهم، إلا أن الكنائس فشلت فى الاتفاق على هذا القانون، ما جعل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التى يعانى أتباعها من أزمة الأحوال الشخصية، لإعداد لائحة خاصة بها، تم إقرارها من المجمع المقدس للكنيسة، برئاسة البابا تواضروس الثانى، فى 2016، إلا أنه لم يتم التوصل منذ ذلك الحين إلى اتفاق حول البنود المشتركة فى القانون الموحد بين الطوائف المسيحية الثلاث الكبرى فى مصر «الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية»، وعُقد آخر اجتماع مشترك بين الكنائس لمناقشة الخلافات بينهم حول القانون، فى فبراير 2017، وتوقف الاجتماعات بعده بسبب الأعمال الإرهابية التى تعرض لها الأقباط والكنائس منذ ذلك الحين. وقال أشرف أنيس، مؤسس حركة «الحق فى الحياة» القبطية، المطالبة بالطلاق والزواج الثانى، لـ«الوطن»: «إن شهادات تغيير الملة ظهرت فى مصر عقب 2008، بعد تعديل البابا الراحل شنودة الثالث لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس المعروفة بلائحة 1938، وقصر الطلاق على علة الزنا أو تغيير الديانة، وهو ما جعل الأقباط يعانون أشد المعاناة ليتخلصوا من زيجاتهم الفاشلة، ويتصارعوا فى المحاكم للحصول على الطلاق، ولكن دون جدوى».
وأضاف «أنيس» أنه من أجل عدم خروج الأقباط من ديانتهم المسيحية أو التشهير بأزواجهم بعلة الزنا، تم اللجوء لتغيير الملة بين الطوائف من أجل الاحتكام للشريعة الإسلامية فى المحاكم والحصول على الطلاق، وكان الحصول على تلك الشهادات يتطلب دفع مبالغ كبيرة تسببت فى ظهور ما عُرف بـ«بيزنس تغيير الملة»، التى احترف تجارتها عدد من المحامين، وسقط عدد من الأقباط فريسة لنصابين فى عمليات تزوير، شهدت عليها المحاكم، ما جعل المحاكم تتشدد فى قبول تلك الشهادات بل وتلزم مقدميها بإحضار شهادة أخرى بمزاولة طقوس الكنيسة المنضم إليها باستمرار. وتابع «أنيس» أن الكنيسة حينما شعرت بالأمر اتفقت مع الطوائف على منع تلك الشهادات، إلا أن بعض الكنائس لم تلتزم بهذا الاتفاق، واستمرت فى منح الشهادات، ولكن مع ظهور الحديث عن قانون جديد للأحوال الشخصية استبشر الأقباط خيراً، وفضلوا الانتظار لخروج القانون، حتى لا يقعوا فريسة فى يد هؤلاء التجار، إلا أن القانون دخل نفقاً مظلماً، ولم يرَ النور حتى الآن بسبب خلافات الكنائس، مما جعل تلك التجارة تعود مجدداً.
ويشير «أنيس» إلى أن «شهادات تغيير الملة» تحولت لمتاجرة تتلاعب بها الطوائف لمن يقدر على دفع الثمن، بغض النظر عن الحالة المادية لصاحب المشكلة، وأصبح شعار الحصول على شهادة تغيير الملة لمن لديه القدرة على الدفع، وليس لقناعة الشخص بالطائفة الجديدة التى انتمى إليها، لأنها مجرد ورقة مختومة بأختام هذه الطوائف تقدم فى القضاء ليتم تطبيق الشريعة الإسلامية. وكشف «أنيس» أن ثمن شهادة تغيير الملة فى الروم الأرثوذكس يبلغ 4 آلاف دولار، ويتم الحصول عليها إما عن طريق بعض محامى الأحوال الشخصية، أو السفر إلى لبنان والحصول عليها، بينما تبلغ سعر شهادة تغيير الملة لطائفة السريان الأرثوذكس 6 آلاف جنيه، وتدفع إلى مقر الطائفة بمصر تحت مسمى التبرع، إلا أن تلك الطائفة لا تعطى الشهادات لمن يريد، وإنما تعطيها بناء على توافق مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وحسب خطاب موجه من المجلس الإكليريكى للأرثوذكس للحالات التى يوافق المجلس على إعطائها الطلاق. ويوضح «أنيس» أن سعر شهادة تغيير الملة للإنجيلية يصل إلى 12 ألف جنيه، إلا أن تلك الشهادة يمكن أن يتم الطعن عليها أمام المحاكم لأنها غير مختومة بختم المجلس الملى الإنجيلى.
وحاولت «الوطن» التواصل مع الكنائس للرد، إلا أنها لم تتلق رداً، وكشف مصدر بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لـ«الوطن»، أن تجارة تغيير الملة موجودة بالفعل فى مصر، وتعد باباً خلفياً للتحايل على القانون، وهى تسمح بالطلاق، لكن لا تعطى الحق للحصول على تصاريح زواج ثانٍ من الكنيسة، إلا إذا انطبقت على حالته بنود لائحة الكنيسة الخاصة، مشيراً إلى أن الكنيسة سعت لغلق هذا الباب عبر القانون الموحد الذى اقترحته للتوافق عليه بين الطوائف المسيحية فى مصر، ينص على أن يظل الزواج خاضعاً لأحكام الشريعة التى تمت مراسم الزواج الدينية وفقاً لطقوسها، ولا يكون لتغيير أحد الزوجين مذهبه أو طائفته أثناء قيام الزوجية أثر على الزواج ولا على الحقوق والالتزامات المترتبة عليه.