«حسب الله»: الاندماج هو «الحل الوحيد» لعلاج «وهن الأحزاب».. وبعضها يكتفى بدور «الكومبارس السياسى»
الدكتور صلاح حسب الله
قال الدكتور صلاح حسب الله، رئيس حزب الحرية، المتحدث باسم مجلس النواب، إن الحياة السياسية فى مصر منذ عام 1952 تسير بطريقة أحادية الجانب، ومع قرار عودة الأحزاب وإنشاء المنابر، وُلد الحزب الوطنى من رحم النظام، وفى «فمه ملعقة من ذهب» وكان الابن المدلل لأجهزة الدولة، حسب وصفه، وأشار إلى أن الهرم السياسى فى مصر مقلوب، واعتدنا أن يؤسس النظام حزباً وباقى الأحزاب تدور فى فلكه.
وأضاف «حسب الله»، فى حواره لـ«الوطن»، أن قرار حل الأحزاب الصادر عقب ثورة 23 يوليو، كان غير صائب وأثّر سلباً فى المشهد السياسى، ومن بعده عاشت مصر 60 عاماً حياة حزبية «مجرفة» وديكورية.
رئيس حزب الحرية: «الوفد» كان يمتلك فرصة تاريخية لتوحيد القوى المدنية.. وتحالفه مع «الإخوان» أجهض الفكرة
وأوضح أن حزب الوفد كان يمتلك فرصة تاريخية لتجميع القوى المدنية، لكنه أجهض الفكرة عندما جلس مع «الإخوان» على مائدة واحدة، وتحالف معهم، ورأى أن إنهاء ضعف الأحزاب يكمن فى اندماجها فى كيان واحد، والحزب الذى يريد أن يكون موجوداً عليه أن يخاطب الناس فى الشارع، ولا يكتفى بالترويج لنفسه عبر «السوشيال ميديا» فقط، لافتاً إلى أن بعض الأحزاب يكتفى بتقديم نفسه فى دور «الكومبارس السياسى».
وأكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى له ظهير شعبى كبير، ومشروعه ملك للدولة المصرية والمواطن، وهو مرشح سوبر، وفرص أى مرشح ينافسه بالغة الصعوبة. وإلى نص الحوار:
كيف تتابع الحياة الحزبية فى مصر؟ وما تقييمك لدور الأحزاب حالياً؟
- الحياة الحزبية فى مصر منذ 1952 تسير فى مشهد أحادى الجانب، بمعنى أن الحزب الحاكم وُلد من رحم نظام الحكم، وطبيعى فى أى نظام سياسى أن يولد نظام الحكم من رحم التنظيمات السياسية، أما فى مصر فالحكم هو من أفرز التنظيمات السياسية، والطبيعى أن أى تنظيم سياسى ينافس فى الانتخابات، سواء برلمانية أو محلية حتى ينضج وينمو، ويصبح لديه مشروع بديل للحكم، وهذا هو المتبع فى العالم، لكن المعادلة فى مصر معكوسة، فهناك حكم وحاكم أتيا بتنظيم سياسى، وهذا حدث منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر وحتى ثورة 25 يناير، حيث وُلد من النظام الحاكم الاتحاد القومى وبعدها الاتحاد الاشتراكى، ثم تحول إلى حزب مصر ثم إلى الحزب الوطنى وهكذا حتى 25 يناير.
وكيف أثر تراكم تجربة الحزب الواحد على الحياة السياسية اليوم؟
- الحزب الوطنى الحاكم كان قد ولد وفى فمه ملعقة ذهب، وورث الحكم، وباقى الأحزاب كانت تدور فى فلكه، فبدا الهرم السياسى فى مصر مقلوباً، ومن القمة إلى القاعدة وليس العكس، ومنذ 1976 مع بدء تجربة المنابر فى عهد أنور السادات، أسس الحزب الوطنى وترأسه، وجاء حزبا الأحرار والعمل، وبعدها عاد الوفد فى 1984 بحكم قضائى فى عهد «مبارك»، لكنها جميعاً ظلت تدور فى فلك النظام، ولا تبحث عن الوصول للحكم أو تكون هى النظام.
حزب الوفد عاد 1984 وحصل فى نفس العام على 65 مقعداً فى البرلمان كبداية قوية للأحزاب.. ما سر التراجع؟
- كنا فى حالة حمى البداية، ومعناها أنك تبدأ بشكل جيد جداً وبعدها تستسلم للواقع السياسى الذى نعيش فيه، وترتضى أن تكون جزءاً من الشكل الديكورى للحياة السياسية والحزبية، فحزب الوفد بدأ بقوة بعد عودته، والكل التف حوله حتى يعود لسابق عهده ما قبل الثورة، وعاد إلى مقراته التاريخية، الموجودة فى المحافظات، وبدأ الناس يتجمعون حوله لعودة فكر الحزب، لكن ما حدث أنه تحالف مع الإخوان، ولذلك فقد مصداقية كبيرة فى الشارع وتحول من حزب واعد إلى مجرد رقم، وللأسف كرر التجربة فى انتخابات 2012، بالتحالف مع الإخوان، فقد أثبت فشله وقضى على مستقبله السياسى بتحالفه معهم فى 1987، وأرى أن وجود الحزب الوطنى أنهى فكرة أن يقوى أى حزب آخر، فقد كان من يملك الفرصة الذهبية هو حزب الوفد، وبفشله انتهت التجربة الحزبية، وأصبحنا فى مشهد ديكورى، ارتضت فيه الأحزاب والقوى السياسية قيام الحزب الحاكم بتوزيع عدد مقاعد معين على باقى الأحزاب فيأخذ حزب التجمع 4 مقاعد والوفد يأخذ 10، والعمل يأخذ 3 أو مقعد، والكل ارتضى بهذا، «والأحزاب بدلاً من أن تسعى من أجل الوصول للحكم، وجدناها تلهث خلف ما يعطيه لها الحكم».
من المهم أن يوجد حزب يمثل ظهيراً سياسياً للدولة وليس الرئيس ويشكل الحكومة.. مع وجود حزب يمثل معارضة حقيقية.. وحكم مصر لن يذهب لأى مرشح بـ «الدليفرى».. و«السيسى» مرشح «سوبر» وفرص منافسيه بالغة الصعوبة
الأحزاب كانت تعلق ضعفها على شماعة «الوطنى» وأسقطته ثورة يناير، ثم علقوا ضعفهم على شماعة الإخوان وأسقطتها 30 يونيو.. فما سبب ضعف الأحزاب حالياً؟
- فى انتخابات 2012 كان هناك نوعان من الأحزاب، تاريخية وهى الوفد والتجمع ونحو 24 حزباً، إضافة إلى 50 حزباً أنشئوا ما بعد 2011، ونجد أن هذه الفترة تتحمل مسئوليتها الأحزاب القديمة، التى كانت تستطيع جمع القوى والأحزاب المدنية فى ذلك الوقت، بمقراتها وخبراتها، ولكنها لم تنجح فى جمع الصف الوطنى المدنى فى مواجهة الإخوان، وعلى رأسها حزب الوفد، الذى كان أمامه فرصة تاريخية لجمع التيار المدنى فى مقره، ولكن الوفد أجهض الفكرة حينما جلس مع الإخوان على مائدة واحدة، وإنشاء التحالف الديمقراطى تحت قيادة الإخوان، وكانت هناك أحزاب صغيرة وقتها، على سبيل المثال كان هناك حزب «المواطن المصرى» الذى كنت أنا رئيسه، ومعتز محمود، رئيس حزب الحرية، وهما الحزبان اللذان اندمجا بعد ذلك، وحصلنا على 13 مقعداً فى برلمان 2012، فى مواجهة الإخوان، ولم نتحالف معهم، وأعتقد أن هذا شىء مقبول، ولكن هناك أحزاباً أخرى لم تأخذ مقعداً واحداً، وحينما تقيمها فهذا كان إنجازاً كبيراً فى مواجهة الإخوان.
وماذا عن انتخابات 2015؟
- فى 2015 كانت هناك أحزاب كثيرة موجودة، منها المصريين الأحرار ومستقبل وطن وحماة الوطن والمؤتمر وغيرها، وإجمالى المقاعد التى حصلت عليها الأحزاب فى البرلمان كانت 43% من المقاعد، والمستقلون 57%، وهى نسبة مقبولة، ولكن عندما ترتب قدرات الأحزاب بأكبر المقاعد تجد القدرات التنظيمية موجودة، لكن أيضاً تجد القدرات المالية موجودة، وكان لها أثر فى الانتخابات من حيث قدرات كل حزب على الإنفاق، كما نجد أن إجمالى الأحزاب التى حصلت على مقاعد فى برلمان 2015 من إجمالى 104 أحزاب، هى 16 حزباً فقط، وكان هناك نحو 90 حزباً خارج نطاق الخدمة.
وماذا عن ضعف الأحزاب فى الانتخابات البرلمانية؟
- هذا بسبب مرض فى الأحزاب اسمه مرض الرئاسة، فنجد رئيس الحزب جالساً على مقعد رئاسة الحزب، وزوجته تجلس على مقعد الأمين العام، بمنطق الأحزاب العائلية، وبجوارهم هناك أحزاب أخرى، لو فكرت فى دمج هذه الأحزاب فى كتلة حزبية مدنية جيدة، ستجد خناقة بينهم حول ترتيب المقاعد فى الحزب، بمعنى أن أزمة الزعامات داخل الأحزاب كانت سبباً رئيسياً فى إضعافها، وجعلها أرقاماً ضعيفة على الأرض، حتى لو كان فى الحزب شخصان فقط، والحل فى اندماج مجموعة من الأحزاب صاحبة البرامج المتشابهة والفكر المشترك فى كيان واحد.
الرئيس له ظهير شعبى كبير ومشروعه الوطنى ملك الدولة المصرية والمواطن وليس لحزب سياسى معين
ما الذى استفادته مصر من وجود 104 أحزاب؟
- بكل أمانة التجربة الحزبية فى مصر أرى أن الـ104 أحزاب يجتهدون مع غياب الإمكانيات، لكن لا أستطيع أن أدعى أن هذه الأحزاب قدمت ما ينبغى أن تقدمه، لأسباب تعود إلى الأحزاب نفسها قبل أن تعود على الدولة، فالحزب الذى يريد أن يكون موجوداً عليه أن يخاطب الناس، فهذه الأحزاب تخاطب مجتمعاً أرستقراطياً، وتخاطب الموجودين على السوشيال ميديا، ولا تخاطب المجتمع الحقيقى عبر الشارع، لذلك نجد قيادات هذه الأحزاب تقول قبل أى انتخابات، يجب الأخذ بنظام القائمة، وذلك كى يجيئوا على رؤوس هذه القوائم، وأنا قلت إن الانتخابات الفردى أفضل، لأنها تجبر الأحزاب على النزول للشارع وطرح برنامج حقيقى، وهذا أيضاً ما حدث فى انتخابات 2012، التى كانت بالقائمة، فكم حزباً نزلوا للناخبين، وعرضوا برنامجاً انتخابياً؟ لا يوجد، وكان واقع الحال أن تجىء القائمة من حيث الشكل منضبطة، لكن فى واقعها كانت فردية، حيث كان يجىء المرشح الأبرز على رأس القائمة، والباقى حشو وينزل رأس القائمة وينجح والباقى كـ«حشو» أيضاً.
هل ترى أنه يجب تعديل المادة الخاصة بإنشاء الأحزاب بمجرد الإخطار؟
- لا.. لست مع تقييد ظهور الأحزاب، وأؤيد وضع معايير وقواعد خاصة باستمرارها وليس تقييدها، بمعنى أن أى حزب لا يحصل على مقاعد فى البرلمان أو المحليات لدورتين متتاليتين، يتم حله من تلقاء نفسه، وبهذا تجبر الحزب على النزول للشارع، والتنافس على السلطة والحكم.
لماذا نرى مشهد انتخابات رئاسية بهذا الشكل الآن بعد قيام ثورتين؟
- لأن الأحزاب لم تسع إلى السلطة، ولا تبحث عن دور البطولة، وإنما بعض الأحزاب تبحث عن دور «الكومبارس السياسى» وتكتفى به، والحل فى الحياة الحزبية المصرية أن يتم تحويل هذه الأرقام الضعيفة إلى أرقام مجمعة، وأنا مع الاستجابة لدعوة الرئيس السيسى، التى أطلقها منذ شهور، بضرورة التفكير فى الاندماج بين عدد من الأحزاب.
لكن هناك بعض التجارب فى الاندماج بين الأحزاب فشلت؟
- هذا حقيقى، ولكن لا يوجد بديل غير الاندماج، فمن غير المنطقى أن تزيد الأحزاب ويزيد ضعفها، فينتج عن هذا أننا لن نحضر لهم كراسى متحركة، بل سوف نحضر لهذه الأحزاب دكة متحركة، والحقيقة أن الأحزاب تحتاج إلى إعادة تقييم نفسها بشكل جاد، والتجربة خير دليل، والتى أثبتت أنه لا يوجد حزب منفرد يستطيع أن يتصدر المشهد السياسى بشكل مقنع للناس، وفق برنامج حقيقى.
البعض يطالب الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن يكون له حزب سياسى.. ما رأيك؟
- فى حالة الرئيس السيسى، أعتقد أن هذا سيكون صعباً، لكن من المهم أن يوجد حزب يمثل الظهير السياسى للدولة وليس الرئيس، وأن يشكل الحكومة، ويدافع عنها، وأن يكون هناك حزب آخر يمثل المعارضة الحقيقية، بحيث تكون معارضة كثيفة وليست ضعيفة، وبعدد كبير، ويكون لها قوة تأثير داخل البرلمان، وهذا موجود فى أى نظام سياسى فى العالم.
«دعم مصر» ائتلاف قوى ونوابه هم رأسماله الحقيقى.. واحتمال تحوله إلى حزب سياسى وارد.. والأحزاب غابت عن انتخابات الرئاسة لأنها بلا مشروع للوصول للسلطة.. ودعوات المقاطعة مؤشر «إفلاس سياسى»
إذن أنت لا تؤيد إنشاء الرئيس حزباً سياسياً؟
- الرئيس السيسى له ظهير شعبى كبير، ويملك مشروعاً وطنياً وليس سياسياً، ملك لكل المصريين وليس لليسار أو اليمين أو الوسط، وإنما لكل المصريين، ومشروع الرئيس السيسى ملك للدولة المصرية والمواطن وليس لحزب سياسى معين.
هل يمكن أن نرجع لسياسة الحزب الواحد لو أنشأ الرئيس حزباً؟
- المسألة ليست إنشاء حزب، لأن الرئيس عبدالفتاح السيسى لا تناسبه فكرة إنشاء حزب، ولو كان يريدها لكان أسسه فى بداية حكمه، أو قبل انتهاء دورته الأولى، وأرى أن فكرة إنشاء حزب لا تراوده حالياً على الإطلاق، وبالمناسبة فكرة أن تنشئ الدولة أحزاباً انتهت، وأتمنى أن ينشأ حزب لديه الدعائم لأن يكون حزباً قوياً، يستطيع تشكيل الحكومة والحصول على الأغلبية فى البرلمان.
بعد كام سنة؟
- فى تقديرى الشخصى، المناخ مهيأ أن يتم هذا الأمر خلال سنتين أو ثلاث على الأكثر.
وكيف ترى الانتخابات الرئاسية المقبلة وتقييمك لمجريات الاستعداد لها حتى الآن؟
- أى مرشح كان سيخوض الانتخابات ضد الرئيس السيسى، كانت فرصه بالغة الصعوبة، وأنت تتحدث عن مرشح سوبر، ولديه تأييد شعبى كبير، على الرغم من المشاكل الاقتصادية وارتفاع الأسعار، لكن الناس ترى مشروعاً حقيقياً أمامها لبناء الدولة، وأرى أن شعبية الرئيس صعّبت الفرصة على أى أحد يريد أن ينافسه، وفى نفس الوقت نحن نتحدث عن المشهد الإجمالى، بما فيها الأسماء التى طرحت نفسها ثم انسحبت، وأرى أن هذه الطريقة فى التعامل تستخف بمقدرات الدولة المصرية، وبعقول المصريين، فنحن لا نتحدث عن انتخابات مركز شباب وإنما انتخابات رئاسة مصر، فهناك مرشح أعلن 17 ديسمبر وتراجع 23 ديسمبر، وآخر أعلن ترشحه 20 ديسمبر وتراجع 1 يناير 2018، وهكذا، وعندما تنظر لهؤلاء ستجدهم يتعاملون مع الأمر بمنطق النزوة، لكن هذا موقع بحجم دولة مثل مصر، المفترض أن يكون لديه مشروع، وعلى الجانب الآخر نجد أن الرئيس السيسى انتخب فى يونيو 2014، وفى المقابل لم نجد مرشحاً بمشروع جاد كان من المفترض أن يستطيع جمع الناس حوله، ولو وجد هذا المرشح كان سوف يستعد منذ 2014، وكنا سنجده يستطيع جمع 25 مليون توكيل وليس 25 ألفاً فقط، ولا تجده يدعى صعوبة جمعها فى 9 أيام، وأنا شخصياً لا تستوقفنى هذه الأحاديث التى تستخف بالمصريين، فإن حكم مصر لن يذهب للمرشح بطريقة «الدليفرى»، ويجب أن يكون هناك مشروع مؤسسى قادر على إدارة الدولة المصرية.
وما تقديرك لترشح موسى مصطفى موسى؟
- هذا حقه، واستخدم حقه القانونى والدستورى واستطاع الحصول على تزكية عدد من أعضاء مجلس النواب، وتقدم بكل الإجراءات، وقال إن لديه برنامجاً سيقدمه، وفى النهاية تقدم «موسى» يخدم تجربة الانتخابات الرئاسية، والأهم من وجود مرشح قوى من عدمه، هو أن يخرج الناخبون للتصويت.
ما رأيك فى دعوات مقاطعة الانتخابات؟
- دعوة مفلسة صادرة من مجموعة من المفلسين سياسياً، وأرى أن من دعا إلى هذه المقاطعة لو كانت له الشعبية الجارفة فى الحصول على دعم أو تأييد فكان حرياً به الحصول على 25 ألف توكيل لخوض الانتخابات، وأرى أن هذه الدعوة لا تساوى شيئاً، وهى فرصة لالتقاط وسائل الإعلام بعض المقتطفات لتحقيق مساعيهم.